هالة الدوسري – “واشنطن بوست” – ترجمة “الرأي الآخر”
إحدى أكثر الاتجاهات إثارةً للقلق في السعودية هي كيفية استجابة البلاد للإصلاحات الدينية والإسلام السياسي.
إنّ استخدام الإسلام لتبرير اضطهاد النساء، وكذلك مقتل الكاتب في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي، يؤكد أنّ السعودية تخاطر بموقفها كدولة إسلامية رائدة في وقت يتصاعد فيه رهاب الإسلام حول العالم.
في بيان نُشِر بعد مقتل خاشقجي، قال البيت الأبيض إنّ ممثلي المملكة العربية السعودية يقولون إنّ جمال خاشقجي كان “عدوًا للدولة” وعضوًا في جماعة الإخوان المسلمين.
يَعتبر الإيحاء بأنّ شخصًا معتدلًا مثل خاشقجي كان يمثّل بشكل ما تهديدًا سياسيًا قد أضرّ بمصداقية المملكة بشكل غير قابل للإصلاح.
السعودية ليست فقط مهد الإسلام، ولكن شرعية النظام الملكي قائمة على الالتزام بالتعاليم الإسلامية، منذ عهد الملك فيصل، انخرطت الدولة بنشاط في تدعيم بيروقراطية المؤسسة الدينية، حيث أصبحت تتحكم عن كثب فيما كان ذات يوم مجتمعًا مشتتًا من علماء الدين وينعم ببعض الاستقلالية، حيث ساهمت سلطة الدولة على الدين في دعم بعض قراراتها السياسية المشينة.
جعلت مجموعة من الأوامر الملكية والقوانين، مثل قانون مكافحة الإرهاب، وقانون الجرائم الإلكترونية، من المواجهة العامة لقرارات علماء الدين الرسمية أمرًا شبه مستحيل، بينما أصبحت الشخصيات الدينية المستقلة والتي اكتسبت شعبية بسبب ترويجها للإصلاحات الاجتماعية السياسية الحقيقية، من خلال المبادئ الإسلامية مُستهدفة حاليًا باستمرار وُمستَبعدة من أيّ نقاش ديني.
بصفتي ناشطة في مجتمع متديّن للغاية، كان عليّ في كثير من الأحيان الانخراط في النقاشات الدينية حول الحقوق والحرية، وقد عزّز العديد من علماء الدين المستنيرين والمستقلين حججنا حول الإصلاحات الدستورية وحقوق المرأة والأقليات.
عبد الله المالكي، الذي قُبِض عليه عام 2017 خلال الحملة الوطنية لإنهاء الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، تجاوز الحدود المفروضة على النقاش في مجموعة من القضايا، بما في ذلك المساواة بين الجنسين.
خلال الحملة الداعية لقيادة المرأة، قدّم لي باحثٌ مستقل آخر تفسيرًا دينيًا جيدًا يستند إلى نفس المبدأ الإسلامي “درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح”، والذي استخدمه كبير العلماء عام 1990 في ذلك الوقت لحظر النساء عن القيادة.
وكان المفتي العام للمملكة الذي توفي عام 1999 الشيخ عبد العزيز بن باز منع النساء من القيادة في فتواه عام 1990، لأنه قال إنّ ذلك قد يدفع النساء إلى الاختلاط بحرية مع الرجال الذين ليست لهنّ صلة قرابة من دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة. في تفسيره، قال الباحث المستقل إنّ منع النساء من قيادة السيارة من شأنه أنّ يضر بمصالحهن ومصالح أُسَرهن.
عندما ألححتُ عليه، أبلغني أحد أعضاء لجنة كبار العلماء أنّهم لن يراجعوا قرار عام 1990، حتى لو كان مسموحًا به بموجب الإسلام، دون توجيه من الملك، وخلال حملة إلغاء نظام الوصاية الذكورية لعام 2016، وَصَفَ مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الدعوات لإنهاء نظام الوصاية الذكورية على أنّه جريمة ضد الإسلام وتهديد وجودي للمجتمع السعودي.
مقاربة الدولة للإصلاحات الدينية تتمحور حول التحكم في الرواية، إنها تتبع ذات الاستراتيجية التي تتبعها حملات العلاقات العامة التي استُخدِمَت مؤخرًا للترويج إلى مؤشرات الحداثة من دون مواجهة الأنماط الإسلامية المقيِّدة.
على سبيل المثال، من خلال تعيين تكنوقراط متخصص في الإدارة العامة بدلًا من متخصص في الدراسات الدينية لإدارة الجامعة الإسلامية الرائدة في الرياض، فإنه من الواضح أنّ التفسيرات التقييدية القائمة منذ عقود باقية، حيث لن يغيرها شخص متخصص في الإدارة، لذلك، سيحتاج الأمر إلى باحث ديني مستنير يمكنه تقديم تفسيرات دينية مستنيرة ومرجعية لوجهات نظر معتدلة عن الإسلام.
إنّ الأمر يتبع ذات المنطق المستخدَم بتعيين النساء في المناصب القيادية من دون السماح لهن أو غيرهن من النساء عمومًا بالدعوة بحرية ضد فرض القيود الخطيرة على استقلالهن أو حقوقهن القانونية.
إنّ السعودية تمر بمنعطف حَرِج، فهي بحاجة إلى تعزيز الإصلاحات الدينية حتى تتم عملية التحديث، لكن هذه المهمة ستكون مستحيلة من دون إشراك الإصلاحيين الإسلاميين الذين يتعرضون للاستهداف بشكل متزايد.
يواجه سلمان العودة، وهو شخصية إسلامية بارزة دعا إلى إجراء إصلاحات دستورية واحترام الحقوق الدينية للأقليات وتغيير دور الشرطة الدينية، عقوبة الإعدام بسبب دعوته.
في الوقت نفسه، لا تزال الشخصيات الإسلامية المناهضة للتحديث والإصلاحات معيّنة في السلطة، حيث دعا الشيخ صالح الفوزان، وهو عضو في مجلس كبار العلماء يعتبره ولي العهد بمنزلة أب له، إلى قتل منتقدي الدولة قبل شهر واحد من مقتل خاشقجي، كما يعتبر الأقليات الدينية مثل الشيعة والصوفية زنادقة.
كما رافق سعد الشثري، عضو آخر في اللجنة، كان أعفي سابقًا من منصبه من الملك الراحل عبد الله بسبب اعتراضه علنيًا على جامعة مختلطة، ولي العهد وقام بتوجيهه خلال جولته الأخيرة في مكة.
الاحتفاظ بدور قيادي إسلامي هو أمر حيوي من الناحية الاستراتيجية للسعودية، لهذا السبب وعلى عكس الدول الإسلامية الأخرى في المنطقة، فإنّ السعودية بحاجة إلى إعادة النظر في خطر تشويه سمعة الحركات الإسلامية السياسية غير الداعية للعنف، والتي اكتسبت مكانة بارزة منذ الثورات العربية في عام 2011.
يعتمد دور القيادة الإسلامية للنظام الملكي على ضمان وصول المسلمين من جميع الانتماءات لتلبية واجباتهم الدينية، وسيهدّد التصنيف العشوائي للحركات الإسلامية أو أعضاء بعض الانتماءات كإرهابيين هذا الدور بلا شك، كما سيضعف استغلال الإسلام لتسوية الحسابات السياسية هذه القيادة.