يحيى عسيري
إن مشكلة الوعي هي المشكلة الرئيسية التي تسبب التخلف، ليس الوعي ببشاعة الاحتلال والاستبداد والقمع والظلم، بل الوعي بطرق تفكيك ذلك، الوعي بوجوب التعايش وتقبل المخالف وخلق فضاءات صالحة للجميع، خلق بيئة تضمن الحياة الكريمة للجميع.
الوعي برفض كل خطاب كراهية وكل فعل إقصاء.
الوعي بوجوب أن نكفل لكل إنسان الحق في الحياة، دون أن نظن أحدًا بيده القضاء على غيره أو قتله أو سجنه أو محاربته بسبب الاختلاف الفكري فقط.
إن الجهل هو إبقاء الشخص في دائرة ضيقة لايرى العالم إلا من ثقبها، وإن حاز كل علومها ومعارفها إلا أنه لا يعرف شكلها من بعيد، ولا يعرف شكلها من الزوايا الخارجية، ولا يرى العالم كله إلا من خلالها، وهذا يجعله واثقًا تمامًا بموقفه، متعصبًا لما عليه من حوله، رافضًا لكل مايكون في خارجها.
إن الوعي يجعل صاحبه ينظر لنفسه ومن حوله من زوايا غيره، وينظر للمختلف من زوايا متعددة بما فيها ما يعتقده ذلك المختلف، ليس ليتفق مع المختلف، ولا ليغير من قناعاته، ولا ليتنازل عن ذاته، ولكن ليفهم منطلقات الآخر، فيُحسن نقاشه بالحكمة والعقل والحُسن، ويحسن تفهمه.
حينها يلتزم العاقل الحكيم التواضع وتفهم الآخر وعدم التعصب ويرفض الكراهية، ويكون هدفه التمسك بالعدالة بجهورها لمن يحب ويكره، ورفض الظلم بتفاصيله ممن يحب ويكره.
إن أكثر الناس وعيًا أكثرهم تواضعًا، وأكثرهم تفهمًا للمخالف، وأكثرهم بحثًا، وأكثرهم صبرًا، وأكثرهم تجاوزًا لأخطاء الآخرين، وأكثرهم مغفرة ومسامحة وحبًا، حتى لا يبقى له خصم إلا الجهل والظلم.