في الوقت الذي دأبت فيه الحكومة الألمانية على إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية، تعمل بجد لبناء علاقات تجارية مع دول مثل السعودية والإمارات ومصر التي تمارس انتهاكات حقوقية فظيعة.
ويقول معارضو الحكومة الألمانية إن ممثلي الأعمال والسياسة مستعدون في كثير من الأحيان لغض الطرف عن التجارة المربحة في المعدات العسكرية، لكن المدافعين يقولون إن هناك إمكانية للتغيير من خلال التجارة.
ويرى الخبير بشؤون الشرق الأوسط جويدو شتاينبرغ أن العلاقات مع الدول العربية ذات أهمية حيوية لألمانيا نظرًا للعدد الكبير من اللاجئين.
ويقول شتاينبرغ، الذي يعمل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: “في عام 2015، شهدنا كيف يمكن للأحداث في الشرق الأوسط ككل، بما في ذلك شمال إفريقيا، أن يكون لها تأثير كبير على الوضع المحلي في ألمانيا”.
ويوضح شتاينبرغ أن ألمانيا بحاجة إلى ثلاث أولويات هي: منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، وتجنب تدفق اللاجئين على نطاق واسع من خلال تعزيز الاستقرار الإقليمي، واستراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب.
ومن بين الذين يدعون إلى “نهج أكثر قوة تجاه العالم العربي” كرستين مولر، خبيرة الشرق الأوسط في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية.
وتساءلت مولر عن السبب وراء مبيعات الأسلحة إلى الإمارات، مضيفة أن “الإمارات الشريك التجاري الأكبر لألمانيا في المنطقة، حتى أن الجانبين يحافظان على ما يسمى بالشراكة الاستراتيجية، على الرغم من أبوظبي منغمسة بعمق في حرب اليمن”.
ويبدو أن ألمانيا لديها القليل من الموانع عندما يتعلق الأمر بصفقات الأسلحة مع شركاء مشكوك فيهم، وهذا هو الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من بيان صدر في وقت سابق من هذا العام عن وزارة الاقتصاد.
وأعطت الحكومة الألمانية الضوء الأخضر لصادرات أسلحة تبلغ قيمتها حوالي 1.16 مليار يورو إلى دول متورطة في الصراع في اليمن أو ليبيا، ووافقت على صادرات أسلحة ومعدات عسكرية لمصر بقيمة 752 مليون يورو.
وتؤكد مولر أن “سياسة السلاح في برلين تتعارض مع إرشاداتها الخاصة بصادرات المعدات العسكرية، والتي تحظر في أوقات النزاع أو الأزمات تسليم المعدات العسكرية إلى ما يسمى بالدول الثالثة”.
وتضيف “على الرغم من أن الإمارات منغمسة بعمق في حرب اليمن، فلا يزال بإمكانها شراء الأسلحة من مصادر أوروبية وألمانية”.
وتنتقد كرستين مولر بشدة الصفقات المحتملة مع السعودية، والتي تم تعليقها مؤقتًا، وهو إجراء تعتقد مولر أنه كان يجب أن يأتي قبل ذلك بكثير.
وتتابع “بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي تم فرض الكثير من الضغط على السعودية ووقف صفقات السلاح، لكن في رأيي، كان دورها في حرب اليمن أو حتى سجلها المقلق في مجال حقوق الإنسان كافياً لفرض حظر شامل على شحنات الأسلحة”.
وهناك ضغط متزايد داخل ألمانيا لإعادة تقييم سياسة البلاد في الشرق الأوسط، إذ لطالما كانت السياسة الخارجية توازن بين المصالح والقيم، كما يقول شتاينبرغ.
ويضيف “لكن هذا ازداد حدة في العقود والسنوات الأخيرة، لأن القيم أصبحت أكثر أهمية في الجدل المحلي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى صعود حزب الخضر، الذي كان له تأثير كبير”.
وتواجه ألمانيا انتخابات برلمانية متوترة في نهاية سبتمبر، والتي ستشير أيضًا إلى نهاية فترة أنجيلا ميركل التي استمرت 16 عامًا في منصب المستشارة الألمانية.
ويبدو أنه من المتوقع بشكل متزايد أن تتحمل ألمانيا المزيد من المسؤولية- بما في ذلك في الشرق الأوسط- حيث كان لها حتى الآن دور ثانوي كوسيط للصراع، كما هو الحال في ليبيا.
ويواجه المجتمع العالمي تحديًا وجوديًا غير مسبوق بسبب تغير المناخ، والذي لا يمكن احتواؤه أو مكافحته إلا إذا تم تطوير الأسواق والأخلاق لتعزيز بعضها البعض.
وكما هو الحال في أجزاء كثيرة من العالم، يتعرض الشرق الأوسط أيضًا للتهديد من جراء تصاعد عدد الأحداث المناخية القاسية التي يصفها ستيفان لوكاس بأنها “عوامل تسريع لمشاكل موجودة بالفعل”.
ويخشى لوكاس، المحاضر في أكاديمية القوات المسلحة الألمانية للشرق الأوسط في هامبورغ، أن يزداد زعزعة الاستقرار في المنطقة، مما يدفع المزيد من الناس للانضمام إلى قوافل اللاجئين الذين يحاولون بالفعل شق طريقهم إلى أوروبا.
ويضيف “هذا بالطبع يتركنا في مواجهة مشكلة كبيرة، لأننا إذا تحدثنا مع ليبيا أو السعودية أو الإمارات من أجل ترك نفطهم في الأرض، فلن يكونوا مستمتعين بذلك”.
ويقول لوكاس إنه لا يوجد بديل لمواءمة الأسواق والأخلاق، مضيفًا “من الضرورات الأخلاقية والاقتصادية لأوروبا أن تساعد دول الشرق الأوسط على الخروج بخيارات وحوافز جديدة، بما في ذلك الحوافز الاقتصادية”.
ويضيف “يمكن لاتفاقية منسقة بشأن البيئة والمناخ أن تؤدي إلى تحرك نحو تعاون سياسي أكبر، وهذا بدوره، يمكن أن يساعدنا في بناء جسر بين الأخلاق، من ناحية، ودوافع السوق من ثانية أخرى”.