شدوى الصلاح
استنكر أعضاء بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، استمرار النظام السعودي بالتنكيل بالعلماء والمصلحين داخل السجون، وسلب حرياتهم وحياتهم وتعذيبهم حتى الموت، لمجرد نصحهم للسلطة ومطالبتهم بالعدل والإصلاح، ورفضهم للسياسات التغريبية التي ينتهجها النظام.
وأعربوا خلال حديثهم مع الرأي الآخر، عن أسفهم لوفاة شيخ الحقوقيين الدكتور موسى القرني أحد إصلاحي جدة، الثلاثاء 12 أكتوبر/تشرين الأول، داخل محبسه بعد تدهور حالته الصحية، وتأكيد منظمات تعرضه للتعذيب، واصفين ذلك بـ”الحدث الكبير”.
وتحدث العلماء عن سيرة ومسيرة القرني، ودعوته للإصلاح التي قوبلت بتلفيق التهم له ومحاكمته محاكمات جائرة، مجمعين على أن النظام السعودي استبدادي يخشى كلمة الحق، ويحاكم دعاة الإصلاح ويترك علماء السلطان الذي يروجون لسياسته العلمانية التغريبية.
أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور وصفي أبو زيد، قال إن وفاة الدكتور القرني حدث كبير ومؤسف، مستشهداً بقول الرسول “ص” إن العالم إذا مات ثلم في الإسلام ثلمة لا تسد حتى يأتي عالم غيره، وفي رواية أخرى لا تسد حتى يأتي يوم القيامة.
وأوضح أن القرني، كان رجلاً عاملاً أصولياً صادعاً بالحق، طالب بتحسين أوضاع المعتقلين، ودعا إلى تأسيس منظمة لحقوق الإنسان، لافتاً إلى أن هذا من الخطوط الحمراء عند آل سعود في بلاد الحرمين.
وأشار أبو زيد، إلى أن مواقف القرني دفعت السلطة القائمة إلى اعتقاله وظل محبوساً لا يعرف أحد طريقه لمدة 3 سنوات، حتى حوكم في 2010، وحكم عليه بـ20 سنة سجناً ظلماً وعدواناً دون أن يرتكب جريرة يدينها الشرع أو يحرمها الدين في بلد يدعي أنه يتحاكم إلى الشريعة الإسلامية وبه هيئة كبار علماء، وحرمين شريفين.
ولفت إلى أن السلطات السعودية رغم كل هذه المظاهر الدينية، إلا أن أحد إذا تكلم كلاماً خارج الأطر المباحة، طبقا لما تبيحه هذه السلطة، لا ما يبيحه الشرع، يكون مكانه في السجن لا يسمع عنه أحد ولا يزوره أحد حتى يتوفى بنفس الطريقة المزرية التي توفي بها القرني.
وعن صمت علماء السعودية وعدم إدانتهم ما حدث للقرني، قال أبو زيد، إن العلماء الذين كانوا يتكلمون هم في المعتقلات الآن بالعشرات، وبعضهم يحاسب لأنه لم يؤيد السلطان المستبد ولم يسارع في هوى السلطة ويقدم الولاء والطاعة والمبايعة بالحق والباطل.
وأوضح أن ما بقي منهم خارج المعتقل إما لا يستطيعوا الحديث خشية أن يلقوا المصير ذاته، أو أنهم علماء يسارعون في هوى السلطان ولا يتكلمون كلمة حق في حق العلماء المعتقلين، مستنكراً اتهام بعضهم للعلماء المعتقلين بالإرهاب، والتطرف.
وأكد أبو زيد، أن اعتقال العلماء مصيبة في نظر الإسلام، وتغيب العلماء هو تغيب لنور النبوة وأضواء الوحي وفرصة لجنوح الشباب نحو التفلت والتطرف والانحلال واختفاء لخط الوسطية والاعتدال وترشيد الخطاب الإسلامي.
واستدل على ذلك بالشيخ سلمان العودة الذي كان له تأثير على أجيال الشباب، وتواجد بينهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار لكلمته، فضلاً عن تقبل كافة فئات وأطياف العالم له، مؤكداً أن أي سلطة طاغية مستبدة تخشى من دعاة الإصلاح.
ولفت إلى أن الإصلاح ودعاته دائما في معارك ومدافعة مع السلطات المستبدة المجرمة الطاغية، محذراً من خطورة أن تثنى هذه السياسات على دعاة الإصلاح حتى لو كان مصيرهم الاعتقال أو الموت لأن في موتهم حياة لهم حيث سيكونوا شهداء بمقتضى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأكد أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، أن النظام السعودي يخشى من الإصلاح لأنه ودعاته سيقضوا على الفساد وهذا ما يخشاه الفاسدون المستبدون.
وبدوره، قال رئيس رابطة علماء المغرب العربي وعضو رابطة علماء المسلمين الحسن بن علي الكتاني، إن النظام السعودي يستهدف الإصلاحيين ودعاته، لأنه قرر أن يضع بيضه في سلة الغرب، ويسعى إلى تغريب البلاد وعلمنتها.
وأضاف أن النظام السعودي يرى أن دعاة الإصلاح عائق له وسيقفون في وجهه ويعارضون سياسته، فبدأ بهم، وبدأ بمن يرأهم أكثر تأثيراً فأعدمهم، ثم التفت إلى من يراهم أقل منهم فسجنهم لمدد طويلة، ومنهم من لا يزال لم يحاكم بعد رغم سنوات طويلة من سجنه، ولا يكشف عن حيثيات محاكمتهم.
وتابع: “يخشى النظام السعودي من الإصلاح لأنه يرى أن من حقه أن يحكم الشعب وليس من حق أحد الاعتراض عليهم، ويرى انتقاده مس بكرامته وسلطته، ولذلك مصيره السجن وكتم الأنفاس، ويرى أن الإصلاح لا يخرج إلا من تحت عباءته وأن ما يفعله هو الصواب، وما دون ذلك تجرؤ عليه”.
وأكد أن العلماء في السعودية في كرب عظيم ولا يمكنهم إظهار أراءهم أو التصريح بها لأن مصيرهم سيكون السجن مباشرة، وأي مخالفة للسياسة العامة للدولة مصير صاحبها السجن لمدة طويلة، لافتاً إلى أن محاكماتهم تكون سرية ولا يدرى عن ماذا ستنتهي وسيكون مآل أصحابها.
ورأى الكتاني، أن العلماء أصبحوا يفضلون الصمت على أن تنتهي البقية الباقية من وسائل الإصلاح في المجتمع، خاصة وأن النظام الجديد يسعى إلى سلخ المجتمع من هويته الإسلامية وجعله مجتمع علماني شهواني كبقية المجتمعات الغربية وأمثالها.
واستهجن ما وصل له حال العلماء في المملكة، وسجن كل عالم كان له أتباع أو جمهور كبير ودور بارز في المجتمع، حتى أن هناك علماء لم يعرف عنهم أنهم تحدثوا في السياسة ورغم ذلك سجنوا من بينهم الشيخ صالح المنجد وغيره من العلماء.
وأعرب الكتاني، عن أسفه من ضعف دور المؤسسات الإسلامية وعلماء العالم مما يحدث للعلماء بالسعودية، من استهداف واعتقال وتعذيب وتنكيل حتى الوفاة، مستنكراً عدم نصرتهم لهم لأن بعضهم إما مازال يطمع في الحج والعمرة، أو أن كثير منهم يرون أن كلامهم سيؤثر على المحاكمات.
وأثنى على بعض الجهود الفردية، قائلاً إن الشعوب عليها دور كبير في إنقاذ العلماء، وعليها أن تقوم بدورها أيضا، من خلال المنظمات الشبابية والجمعيات وغيرها من الأمور.
ومن جانبه، أوضح الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور جمال عبد الستار، أن حشد من علماء الأمة وهيئاتها يستعد لإصدار بيان علمائي دولي ينددون فيه بالاعتقالات الظالمة وممارسات البطش التي يتعرض لها العلماء والمفكرون والرواد في السعودية دون ذنب اقترفوه أو جريمة ارتكبوها.
وأشار إلى أن البيان سيحذر من عاقبة هذه المظالم ويناشد العالم بأسره للقيام بواجبه تجاه هذه الجرائم التي يقترفها النظام السعودي دون مراعاة لظروفهم الصحية أو حقوقهم الإنسانية أو مكانتهم العلمية.
وانتقد عبد الستار، الحال الذي وصلت إليه المملكة، قائلاً إنها لم يعد بها علماء خارج السجون والمعتقلات إلا من حولهم النظام إلى مسبحين بحمده يبررون جرائمه ويشرعون طغيانه، إما بسطوة القهر والإجبار أو بالإغراق بالعطايا والهبات.