شدوى الصلاح
ماذا يحدث في اليمن؟ إحدى الإجابات الكلاسيكية على هذا السؤال هي أن السعودية أدارت الحرب هناك لردع الحوثي وتحرير اليمن من إيران!، أما الإجابة الأكثر واقعية والتي تكشفها الأحداث الميدانية أن المملكة تستهدف تدمير اليمن، ومحاصرتها وتورطت في حرب غير قادرة على الخروج منها وعكرت علاقتها مع شعب دولة مجاورة.
فاليمن تحترق يوميا بنيران السعودية التي تستخدم أموالها لقتل الأطفال وتدمير البنية التحتية وإبادة الشعب اليمني، فقد قصفت وقتلت وأصابت العديد من المدنيين، وتورطت في انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي بارتكابها جرائم حرب، ومنعت وصول المساعدات، وفاقمت الأزمة الاقتصادية، وخلفت “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.
بيغاسوس الصهيوني
كل ذلك وغيره تخشاه الرياض ومستعدة أن تدفع من ثرواتها كي لا يوثق في تاريخها ويثبت عليها دولياً ويورطها قانونياً ويجعلها معرضة للعقاب، الأمر الذي دفعها للتجسس على هاتف المحقق الدولي في اليمن كمال الجندوبي، مستخدمة برنامج التجسس بيغاسوس المصنف كسلاح انتجته مجموعة NSO الصهيونية، وثبت أن الرياض تستخدمه لملاحقة الناشطين.
بحسب صحيفة الجارديان البريطانية، فإن مجموعة NSO حصلت على إذن صريح من الحكومة الصهيونية في 2017 لبيع أدوات القرصنة المحلية للسعودية، في ترتيبٍ سريٍ أسفر عن إبرام البيع لاحقا في الرياض بصفقة تبلغ قيمتها 55 مليون دولار على الأقل، وذلك بعد اجتماع سري لمجموعة رجال أعمال صهاينة، ومسؤول رفيع بالمخابرات السعودية.
واستخدمت السعودية البرنامج في التجسس على “الجندوبي” الذي شغل منصب رئيس مجموعة الخبراء البارزين المكلفة من الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب باليمن في ديسمبر/كانون الأول 2017، قبل أسابيع من إصداره تقريرًا دامغًا في 2019 خلص إلى أن التحالف ارتكب “انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي” تؤدي إلى مسؤولية جنائية.
تقارير أممية
وفي سبتمبر/أيلول 2019، قال محققو الأمم المتحدة، إن الضربات الجوية التي نفذها التحالف بقيادة السعودية والإمارات في اليمن، وأساليب التجويع التي انتهجها ربما تصل لحد جرائم الحرب، مقدمين قائمة سرية بأسماء مشتبه بهم في جرائم باليمن لمفوضة حقوق الإنسان، وفقاً لـ”رويترز”.
واتهموا أطراف النزاع في اليمن بمسؤوليتهم عن الانتهاكات المتعددة، وفي مقدمتها “تلك التي تصل إلى جرائم حرب”، مشيرين إلى أن الحوثيين قصفوا مدناً باليمن، واستخدموا أساليب أشبه بالحصار ما قد يمثل جرائم حرب.
إلا أن السعودية بذلت قصارى جهدها لوقف هذه التحقيقات بحسب تأكيدات منظمات غير حكومية، وهو ما حققته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بإغلاق التحقيق بعدما رفض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تمديد التفويض للخبراء المكلفين بالتحقيق، في خطوة لاقت استنكاراً واسعاً من قبل المنظمات غير الحكومية.
وفي الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، دعت حوالي 60 مجموعة، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، في بيان مشترك الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق جديد، واتهمت السعودية والإمارات بـ”حملة ضغط عنيفة” لسحق لجنة الخبراء التي تتخذ من جنيف مقراً لها والتي شكلتها قبل أربع سنوات.
حرب عبثية
كل التقارير الحقوقية الحكومية وغير الحكومية تثبت عبثية حرب اليمن، إذ أوضحت منظمة اليونيسف، أن الأطراف المتحاربة هاجمت المدارس 231 مرة على الأقل منذ مارس/آذار 2015، عندما تدخل التحالف، وفي 2018 أسقطت غارة جوية للتحالف صاروخًا أميركيًا على حافلة مدرسية للصبية في قلب محافظة صعدة، مما أسفر عن مقتل 44 شخصًا.
أما عن الحالة الصحية لليمنيين، فقد أفادت منظمة الصحة العالمية بأن 75٪ من أطفال اليمن يعانون من سوء التغذية الحاد، مشيرة إلى أن 16.2 مليون – أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 30 مليون نسمة – يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وسط تحذيرات من حدوث مجاعة واسعة النطاق بسبب الوضع الاقتصادي المتردي.
وأكدت تقارير أن أكثر من 100 ألف شخص قتلوا، فيما نزح 4 ملايين في الحرب التي اتسمت بضربات جوية شنتها قوات التحالف بقيادة السعودية وكذلك قصف وصواريخ من قبل مقاتلي الحوثي.
وعلى الجانب الآخر، فقد قالت قوات التحالف إن الصواريخ التي أطلقتها جماعة الحوثي تسببت بقتل 59 مدنيًا سعوديًا منذ بدء تلك الحرب قبل نحو 7 سنوات، موضحة أن الحوثيين أطلقوا 430 صاروخًا و851 طائرة مسيرة على السعودية منذ 2015.
نزعة قمعية
الناشط الحقوقي اليمني محمد الأحمدي، قال إن فضيحة التجسس على مسؤول أممي يتولى التحقيق في جرائم انتهاكات في حرب اليمن تكشف مجددا نزعة القيادة السعودية نحو قمع كل تحرك باتجاه حقوق الإنسان أو حراك يوقف الانتهاكات ويحد من مناخ الإفلات من العقاب.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر: “ربما كانت هناك بعض المآخذ على أداء الجندوبي، لكن هذا لا يسوغ بأي حال من الأحوال انتهاك خصوصية مناضل حقوقي فضلاً عن مسؤول أممي محمي بموجب القانون الدولي”.
وتابع الأحمدي”: “تبقى مسألة مهمة تتعلق بمسؤولية الكيان الصهيوني عن نشر برامج التجسس وبيعها لأنظمة قمعية في المنطقة العربية وضرورة التصعيد الدولي لمجموعات حقوق الإنسان باتجاه محاسبة الكيان الصهيوني على تسهيل استخدام هذه التقنيات على نحو ينتهك القانون ويساهم في القمع.
وقال الناشط السياسي اليمني معاذ الشرجبي، إن هذه ليست المرة الأولى التي تتجسس فيها السعودية والإمارات على شخصيات سياسية ودبلوماسية وحقوقية ولن تكون الأخيرة، لافتا إلى أن التحالف ارتكب جرائم ضد الإنسانية في اليمن فقد قصف المدنيين وأباد أسر بأكملها بما يسمونها الضربات الخاطئة.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن التحالف قصف الأعراس وقاعات العزاء، وقصف الجيش الوطني في نقطة العلم على مرئ ومسمع العالم، ولهذا تخشى من التقارير الحقوقية التي تفضح جرائمها لأنها تعلم علم اليقين أنها ارتكبت جرائم تندى لها الجبين في اليمن.
وأعرب الشرجبي، عن يقينه بأن اليمن سينتصر في النهاية على الميلشيا وعلى تحالف الغدر والخيانة ولن يفلت أحد من العقاب طال الزمن أو قصر.
هدف استراتيجي
ومن جانبه، أكد الإعلامي اليمني أنيس منصور، أن “الجندبي” أصبح هدفاً استراتيجياً بعدما كشف في تقاريره بعضاً من جرائم السعودية والإمارات باليمن ومارس الحياد، كونه محققاً، مشيرا إلى أنه حورب بعدة طرق، بداية من تشويه الإعلام السعودي لسمعته عبر تقارير إعلامية في قنوات سعودية وصولاً للتجسس عليه.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن الهدف من ذلك هو تغيب الحقائق والتستر على الجرائم التي كشفها لأنها ستظل دليل ارتكاب السعودية جرائم حرب ضد الإنسانية، وإثبات مسؤوليتها الجنائية بحسب القانون الدولي، وستبقى ملف أسود في تاريخها.
وأشار منصور، إلى أن السعودية تجسست على الجندبي واخترقت خصوصيته وانتهكت حقوقه بحثاً عن قاعدة بيانات ومعلومات يمكن سرقتها أو تدميرها طمسا للحقيقة وتزيفيها والعبث بها وربما بحثاً عن تفاصيل أخرى لابتزازه بها، خاصة وأن لديه الكثير من الأسرار والمعلومات بشأن جرائم السعودية في اليمن.
ولفت إلى أن التجسس السعودي على الجندبي، يعد عمل خارج إطار القانون لأن الأصل أن الأمم المتحدة تلعب دوراً في مسألة تفعيل التحقيقات، مضيفا أنه أسلوب جبان ودليل على أن السعودية متورطة في الدم وتبحث عن مخرج واستخدمت أسلوب التجسس للخروج من ذلك.