شدوى الصلاح
كانت إيران تتحاشى دوما الرد على خطابات السلطات السعودية، وترد عبر أذرعها في البلدان الأخرى سواء بالتصعيد على الأرض في مناطق النزاع التي تتورط فيها الرياض، أو عبر أبواقها الإعلامية، لكن بخلاف المتعارف عليه، ردت لجنة السياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية على تصريحات الملك سلمان بن عبد العزيز، حول البرنامج النووي الإيراني.
كان الملك سلمان قد قال إن المملكة “تتابع بقلق بالغ سياسة النظام الإيراني المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة بما في ذلك إنشاء ودعم المليشيات الطائفية والمسلحة والنشر الممنهج لقدراته العسكرية في دول المنطقة، وعدم تعاونه مع المجتمع الدولي فيما يخص البرنامج النووي وتطويره برامج الصواريخ الباليستية”.
جاء ذلك في كلمته خلال افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، الخميس الماضي 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، واستبقها بكلمته للأمم المتحدة في 23 ديسمبر/كانون الأول 2021، بمهاجمة إيران وحزب الله اللبناني، داعيا إلى نزع سلاح الأخير، وقال إن المملكة “مدت يدها لإيران بالسلام على مدى العقود الماضية لكن دون جدوى”.
ورغم أن وسائل الإعلام المحسوبة على السلطات السعودية لم تنقل خطاب الملك الأخير بالحدة التي قالها، وإنما صدرت قوله إن إيران دولة جارة ونأمل أن تغير سلوكها السلبي، وأن تتجه نحو الحوار والتعاون، وغيرها من العبارات التي تحمل مهادنة، إلا أن اللجنة البرلمانية الإيرانية عدت كلمات الملك كلها “تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية”.
وقال عضو لجنة السياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية يعقوب رضا زاده، اليوم الأربعاء، إن “تصريحات الملك سلمان تتعارض مع مبدأ حسن الجوار والقوانين الدولية، وتدخل سافر في الشؤون الداخلية”، معربا عن أسفه “لأن المسؤولين السعوديين تنطلي عليهم مخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني المناهضة لإيران”.
واستخدم نفس كلمات الملك سلمان، في دعوته للسعودية “تغيير سلوكها وتصرفاتها المزعزعة للأمن في المنطقة”، مشيراً إلى أن تصريحات ملك السعودية حول البرنامج النووي “السلمي” والأسلحة الدفاعية الإيرانية تعد انتهاكاً للقوانين الدولية ومبدأ حسن الجوار وتدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية.
وجاءت كلمة زادة، متناغمة ومتعاقبة مع مهاجمة الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله، للسعودية، أمس الأول الإثنين 3 يناير/كانون الثاني 2022، واتهمها بدعم الإرهاب، ردا أيضا على تصريحات سلمان، التي دعا فيها للوقوف في وجه الحزب، قائلا إن الملك سلمان طالب اللبنانيين بالوقوف في وجه هيمنة حزب الله الإرهابي.
وأضاف: “إذا فيه ناس خائفين يفتحوا فمهم في هذا البلد، نحن لا نخاف، نحن عندنا كرامتنا”، قائلا: “يا حضرة الملك، الإرهابي هو الذي صدر الفكر الوهابي الداعشي إلى العالم، وهو أنتم، الإرهابي هو الذي أرسل آلاف السعوديين لينفذوا عمليات انتحارية في العراق وفي سوريا، وهو أنتم”.
وتابع نصر الله: “الإرهابي هو الذي يشن حربا 7 سنوات على الشعب المظلوم في اليمن، ويقتل الأطفال والنساء، ويدمر البشر والحجر، وهو أنتم، الإرهابي هو الذي يقف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في كل حروبها، ويفتح لها أرضه وقواعده العسكرية لتمارس جرائمها ضد الإنسانية، وهو أنتم”.
الأمر الذي دفع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، للتبرؤ من تصريحات الأمين العام لحزب الله، وإعلان حرص الرئيس اللبناني على علاقات جيدة مع دول الخليج، قائلا: إن ما قاله نصر الله بحق السعودية لا يمثل موقف الحكومة اللبنانية والشريحة الأوسع من اللبنانيين، وليس من مصلحة لبنان الإساءة إلى أي دولة عربية، خصوصاً دول الخليج”.
وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، اختتمت في عمّان الأردنية، جلسة الحوار الأمني بين السعودية وإيران بمشاركة خبراء من الجانبين، وقال مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، إن طهران تنتهج إلى الآن موقفاً يتسم بالمماطلة وعدم الجدية بشأن المحادثات بين البلدين.
ورغم أن السعودية كانت تتبنى خطابا عدائيا ضد إيران، وظل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يردد في خطاباته أنه سيقضي على النفوذ الإيراني وسينقل المعركة إلى إيران، وغيرها من التصريحات الأخرى التي رددها إبان إعلانه خوض الحرب في اليمن في مارس/آذار 2015، بحجة خطر الحوثي على المملكة وأنه مدعوم إيرانيا، إلا أنه يفاوضهم لتحسين العلاقات.
وفي أعقاب تلك المفاوضات، منحت السعودية ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين التأشيرة للاستقرار والعمل في جدة، في خطوة روج لها على أنها بادرة على تحسن العلاقات بين الخصمين الإقليميين، وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2021، ساعدت السعودية في نقل السفير الإيراني باليمن إلى العراق إثر تعرضه للإصابة بفيروس كورونا، وتوفي لاحقاً.
وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت الخارجية الإيرانية، أن طهران مستعدة لجولة خامسة من المفاوضات مع السعودية في بغداد، لافتة إلى أن المحادثات بين الطرفين تمضي قدما، فيما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن إيران تعمل حاليا على تحديد موعد التفاوض لكننا نقوم بتنظيم جدول الأعمال.
وبدوره، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمود شعبان، إنه لا شك أن حديث الملك سلمان حول المشروع النووي يزعج الجانب الإيراني خاصة وأن طهران ترى ذلك تدخلا في شئونها الداخلية، لكن في الوقت نفسه، فتصريحات الملك سلمان عن هذا الملف ليست الأولى، بل إنه يكررها دوما في كل أحاديثه وتصريحاته وبياناته الرسمية.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر: “لذلك فإن الرد الإيراني على تصريحات الملك سلمان جاء من لجنة السياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، وهذا يعني أن الجانب الإيراني لا يفضل الاشتباك الكامل مع تصريحات ملك السعودية، بل يسجل موقف الرد فحسب”.
وأوضح شعبان، أن إيران تتجنب الاشتباك الكامل مع سلمان في ردها على تصريحاته لأنها ترى أن التصريحات لا تعني الكثير فضلاً عن أن البلدين يشهدان مرحلة جديدة تتسم بمحاولة التوصل لصيغة تفاهم حول قضايا خلافية بعد انطلاق جولات حوارية بينهما منذ أبريل/نيسان 2021.
وأكد أن إيران لا تريد أيضا فتح جبهة جديدة من الخلاف مع السعودية في الوقت الذي تحاول حسم جولات التفاوض في فيينا لصالحها، فهي لا تريد أن تعمل على جبهات عدة وتريد التركيز في الوقت الحالي على الحصول على قدر كبير من المكاسب من الولايات المتحدة الأميركية في الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا.
وتابع شعبان: “إذا نحن أمام مؤشرات على تفاهمات تتم بين الرياض وطهران من استمرار لقاءات النقاش والحوار وكذلك منح تأشيرات لدبلوماسيين إيرانيين لدخول المملكة والبقاء فيها لإدارة البعثة الدبلوماسية، لذلك لا مجال لافتعال أزمة كبيرة رداً على تصريحات الملك ما دام الأمر لا يراوح مجرد تصريحات مكررة يقولها في كل طلة إعلامية على الشعب”.
وفسر تصعيد الملك لخطابه ضد إيران في أعقاب هذه التفاهمات، بأنها أمر متعارف عليه في خطاباته، لأن المخاطر التي تواجهها المملكة يجب أن يتحدث عنها حين يتحدث إلى الشعب السعودي وليس أهم من الملف الإيراني، كما أنه يرسل رسالة لإيران بأن مسار التفاهمات تواجهه عراقيل يجب إزاحتها من الطريق لأنها ربما تنسف مبدأ الحوار بينهما من الأصل.