يستحوذ تطبيق التواصل الاجتماعي “كلوب هاوس” (Clubhouse) منذ فبراير/شباط الماضي على النقاشات الافتراضية في منطقة الخليج، فقد استطاع أن يجذب عددا كبيرا من الشبان الخليجيين للمشاركة في غرف صوتية تتيح للفرد العادي التعبير عن رأيه والتواصل عبر البث الصوتي المباشر.
التطبيق الذي يعتمد التواصل بالصوت فقط ظهر لأول مرة في أبريل/نيسان عام 2020 نتيجة الإغلاق العام في دول كثيرة حول العالم بسبب جائحة كورونا.
وعلى الرغم من أن التطبيق يقتصر حاليا على هواتف آيفون ولم يطرح بعد لمستخدمي أندرويد، فإن الكثير من الغرف الصوتية التي تناقش السياسة والاقتصاد وريادة الأعمال والإعلام والفنون وغيرها أصبحت حديث العالم الافتراضي بصورة سريعة إلى الحد الذي جمعت فيه بعض الغرف المئات والآلاف من المستخدمين المشاركين أو المستمعين.
تقول الكاتبة والصحفية الكويتية سعدية مفرح “عندما دخلت للتطبيق لأول مرة لم تكن هناك سوى حسابات لمستخدمين من السعودية، وكانت غرفا للنقاش حول المال وريادة الأعمال والمشروعات الاقتصادية، ولكن بمجرد دخول مستخدمين خليجيين من بقية الدول لهذا التطبيق، أصبح كلوب هاوس مناخا ملائما للنقاشات السياسية المحلية والخارجية”.
وتضيف “بالنسبة للكويتيين هناك الكثير من الغرف اليوم والتي تناقش مشكلات البلد وقضايا البرلمان وهي غرف تتمتع بمستوى حرية مرتفع للغاية وتكاد تصبح بلا سقف رقابي ولا يكتفى فيها بالحديث عن القضايا المحلية بل امتد الأمر لنقاش القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية والعلاقات الخليجية بالكيان الصهيوني”.
أما الكاتبة سارا علي من سلطنة عمان فتقول إنها تستخدم التطبيق يوميا وغالبا ما تهتم بحضور الغرف التي تركز على موضوعات الشارع العماني والخليجي والتي تناقش موضوعات الحريات الفردية والحقوق والغرف الفلسفية ذات الطبيعة الجدلية.
وتتابع بالقول: “أهتم كثيرا بأن تكون هذه الغرف منظمة وبها عدد قليل من المتحدثين الذين لا يمثلون وجهات النظر المتشابهة، ولا بد أن تخلو الغرف من أي إقصاء أو تحيزات”.
وترى سارا أن المشاركين في التطبيق غالبا ما يحاولون “الاهتمام بحيثيات أفكارهم والأدلة العلمية على آرائهم على الرغم من أنهم يمثلون تيارات مختلفة وقد تكون متضادة، وهذا بحد ذاته كفيل بأن يقدم فهما جيدا للقضايا بصرف النظر عن مستوى الطرح العلمي”.
وتعتقد الكاتبة العمانية أن ما يحدث الآن هو “أفضل ممارسة لوسائل التواصل الاجتماعي التي تفرض تقديم المعلومات بصورة مختصرة ومجتزأة”.
ويتحدث الناشط عوض المطيري عن تجربته مع تطبيق كلوب هاوس، فيقول “يهمني التواصل المباشر بين المشاركين وهو الذي يمكنني من المشاركة في بيئة حوار سلسة تختلف كليا عن تلك التي تسود حوارات فيسبوك وتويتر”.
ويشير إلى أن إحدى القضايا التي يجري النقاش فيها باستمرار في كلوب هاوس هي قضية البدون (الذين لم يمنحوا الجنسية الكويتية ويقيمون في الكويت منذ سنوات طويلة)، ويضيف “أعتقد أن هذا الشكل من الحوار قد يفتح المسار للتفكير في قضايا مشابهة على مستوى دول خليجية أخرى مثل السعودية والإمارات”.
ويبادر صانع المحتوى باسم سعيد، بصفة مستمرة بإنشاء غرف حول الفلسفة والمنطق والعلوم رغم اهتمامه الكبير بالغرف المخصصة للسينما، ويقول “أعتقد أن قوة هذا التطبيق تكمن في قدرته على إحداث تغيير حقيقي في التعبيرات الافتراضية… هناك توق كبير يتملك الإنسان العربي والخليجي لاستغلال هامش الحرية الممنوح له مهما بدا بسيطا ومحدودا”.
ويضيف “نحن كبشر نعتبر التواصل سمة أساسية للحياة، ومع عودة التعبيرات الفردية بهذا الشكل المباشر صرنا أمام شخصيات متعددة فهناك المثقف المعتد بنفسه، وجمهور الخبراء، وأصحاب الحجج، وهو ما يثري النقاشات الافتراضية بلا شك”.
ويرى سعيد أن التطبيق أسهم في تشكيل هويات جديدة “يمكن أن نسميها الهويات الصوتية التي تتجاوز الرقابة والحدود الموضوعة من قبل الأنظمة السلطوية في منطقتنا”.
ويضيف “استمعنا لأول مرة لأصوات معارضة في الداخل والخارج بعد أن بادرت وسائل الإعلام المملوكة للحكومة لشيطنتها والإساءة لصورتها وتشويه سمعتها، ولكنهم اليوم بفعل هذا التطبيق الصوتي المميز أصبحوا مجرد أشخاص عاديين يمكن الاستفادة من تجربتهم والاستماع لأصواتهم مهما بدت مختلفة عن السياق الذي نعيشه”.
وتشير الصحفية شيخة البهاويد إلى أن قوة التطبيق تكمن في أمرين مهمين، أولهما التواصل المباشر بين المستخدمين، وهو ما يمنح قربا أكبر وتقليلا لسوء الفهم الناجم عن التواصل بالكتابة أحيانا، والأمر الثاني يكمن في عدم سماح المنصة للمستخدمين بالتسجيل أو أرشفة الحوارات بقصد الاحتفاظ بها، وهو ما يمنح مساحة حرية أكبر في التعبير عن القضايا.
وكانت سلطنة عمان ودولة الإمارات من أوائل الدول الخليجية التي بادرت بحجب التطبيق محليا، وانطلق الأسبوع الماضي عبر تويتر وسم #عمان_تحظر_كلوب_هاوس، للتعبير عن استياء المستخدمين من قرار السلطات العمانية حجب التطبيق، بينما قالت مصادر صحفية محلية إن الحظر يرجع إلى عدم حصول التطبيق على التراخيص الرسمية من قبل هيئة تنظيم الاتصالات العمانية.
وترى الصحفية شيخة البهاويد أن هذا الحظر قد يمتد إلى دول خليجية أخرى، “على الرغم من أنه لا يمكن التنبؤ بطريقة تعامل السلطات مع مساحات حرية التعبير، وأتوقع أمر الحظر أو الاستحواذ على التطبيق ونقاشاته أو الزج بحسابات وهمية كالذباب الإلكتروني في هذا التطبيق”.
من ناحية أخرى، يشير مستخدمون إلى أن خصائص التطبيق الصوتي الناجح عالميا من المرجح أن تستخدمها منصات أخرى مثل تيك توك وتويتر وسناب شات.
وتضاعف عدد مستخدمي كلوب هاوس خلال الشهر الماضي، حيث أشارت إحصائية أعدتها شركة “آب آني” (App Annie) المتخصصة في التطبيقات الإلكترونية، ونشرتها وسائل إعلام عالمية إلى أن عدد مرات تحميل التطبيق زاد من قرابة 3.5 ملايين مرة بتاريخ الأول من فبراير/شباط الماضي إلى 8.1 ملايين مرة بحلول يوم 16 من الشهر نفسه.
المصدر: الجزيرة