أصدرت السعودية، التي ترتكز ثروتها على النفط، إعلانًا مفاجئًا هذا الأسبوع، عندما كشف ولي عهدها محمد بن سلمان عن مبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”، لتقليل انبعاثات الكربون وإبطاء التصحر.
وتهدف المملكة، وفق ولي العهد، إلى تقليل انبعاثاتها من خلال زراعة 10 مليارات شجرة وتوليد 50 في المائة من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وتقول أيضًا إنها ستعمل مع جيرانها في المنطقة لزراعة 40 مليار شجرة إضافية.
وفي الوقت الذي لا تتجاوز فيه حصة إنتاج الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط حاليًا 7 في المائة، قال ولي العهد السعودي إن المملكة ستعمل مع جيرانها لتقليل الانبعاثات الناتجة عن إنتاج الهيدروكربونات في المنطقة بأكثر من 60 في المائة.
ويشير هذا الإعلان، وفق صحيفة “إندبندنت” البريطانية، إلى أن القوة الأكثر هيمنة في العائلة المالكة في السعودية معنية بالأعمال الدولية، وهو الأمر الذي لم يكن كذلك دائمًا.
ولُقِبَت المملكة بـ “المعرقلة” خلال عقود من محادثات المناخ، واتُهمت بمحاولة عرقلة اتفاقية باريس لعام 2015.
والسعودية هي ثاني أكبر دولة منتجة للنفط بعد الولايات المتحدة، مع 1.8 مليون برميل يوميًا في عام 2019، بنسبة 12.4 في المائة من الإجمالي العالمي.
وتمتلك المملكة نحو خُمس احتياطيات النفط المؤكدة على مستوى العالم، ويشكل قطاع النفط والغاز حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي، أي 70 في المائة من عائدات التصدير.
لكن رياح إنتاج الطاقة العالمية تتغير، والمملكة العربية السعودية ليست محصنة.
مع ارتفاع درجة حرارة العالم حول 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، أثبتت عواقب أزمة المناخ أنها شديدة بالفعل: عواصف شرسة لا يمكن التنبؤ بها، وارتفاع منسوب مياه البحر وذوبان الجليد القطبي.
ويقول العلماء إنه لمنع وقوع كارثة، يحتاج العالم إلى إبقاء التدفئة العالمية أقل من 2 درجة مئوية، وبشكل مثالي، عند 1.5 درجة مئوية.
ويحتاج العالم بالتأكيد إلى السعودية، وهي واحدة من أكبر 10 دول في العالم من حيث انبعاثات الكربون، للانضمام إلى البرنامج.
وحتى الآن، كانت المؤشرات بعيدة كل البعد عن الإيجابية، إذ يقول متعقب العمل المناخي، وهو تحليل علمي مستقل أنتجته ثلاث منظمات بحثية لتتبع العمل المناخي، إن المملكة كانت بطيئة في التنويع من النفط وأن التزاماتها المناخية غير شفافة.
وفي التحديث الأخير، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 ، اعتُبر عملها المناخي “غير كافٍ بشكل خطير” إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والأرجنتين وتركيا وأوكرانيا وفيتنام.
واعتبر تحليل مستقل أجراه علماء في Climate Action Tracker أن الإجراءات التي تتخذها السعودية للتصدي لتغير المناخ “غير كافية للغاية”.
ولا يأتي الإعلان عن توسع العمل المناخي السعودي مُبكرًا، سواء بالنسبة للجهود العالمية أو لسكان البلاد البالغ عددهم 34 مليون نسمة، ثلثاهم دون سن الخامسة والثلاثين وسيتحملون وطأة الآثار المتفاقمة.
وتواجه البلاد مخاطر جسيمة من أسوأ درجات الحرارة الشديدة، ففي مدينة الأحساء، موطن إحدى أكبر الواحات في العالم، بلغت درجة الحرارة 50 درجة مئوية في يوليو الماضي.
ويحدث التصحر السريع- حيث تزداد الأراضي الجافة القاحلة وتُستنزف الإنتاجية البيولوجية- في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.
وتعتبر جودة الهواء في السعودية غير آمنة وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، وفقًا لتقارير IqAir، وهذا يرجع إلى انبعاثات المركبات والصناعة ولكن أيضًا العواصف الترابية التي تحدث بشكل طبيعي.
ويُقال إن زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة في العقود القادمة سيزيد من تغطية الأشجار بمقدار 12 مرة، ويعيد تأهيل 40 مليون هكتار.
وتنضم الرياض أيضًا إلى دول أخرى في المنطقة بما في ذلك قطر والكويت والبحرين والعراق والسودان لزراعة 40 مليار شجرة إضافية.
ومع ذلك، ليس من الواضح في الوقت الحالي كيف سيتم تنفيذ مشروع الزراعة الضخم في دولة ذات موارد مياه متجددة محدودة.
وتوفي في الصين، التي تنفذ مشروعًا مشابهًا وزرعت 66 مليار شجرة منذ عام 1978، العديد من الأشخاص بسبب الافتقار إلى التخطيط، ولا يزال مشروع “السور الأخضر العظيم” الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات، والذي يمتد لمسافة 5000 ميل عبر إفريقيا، في مراحله الأولى.
وفي حين أن إعلان السعودية يعد خبرًا سارًا لمعركة المناخ العالمية، إلا أنه يبدو أيضًا جزءًا من دفاعها المستمر وسط انتهاكات حقوق الإنسان المقلقة التي لا تزال تثير إدانة عالمية.
وخلص تقرير استخباراتي أمريكي رفعت عنه السرية الشهر الماضي إلى أن ولي العهد السعودي وافق على عملية لقتل أو اعتقال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، الذي قُتل في عام 2018.
وعلى الرغم من أن مسؤولي المخابرات لم يصلوا إلى حد القول إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمر بقتل خاشقجي في أكتوبر / تشرين الأول 2018 ، فإن الوثيقة المكونة من أربع صفحات وصفته بأنه يتمتع “بالسيطرة المطلقة” على أجهزة المخابرات في المملكة، وقالوا إنه كان من المستبعد للغاية حدوث عملية مثل القتل دون موافقته.