طالما كان صوت الأذان الخارجي جزءًا من الهوية السعودية، لكن قمع مكبرات الصوت في المساجد هو من بين الإصلاحات المثيرة للجدل التي تسعى إلى التخلص من صورة “المملكة الإسلامية المتشددة”.
وسلّطت “فراس برس”، الضوء على ما قالت إنه ارتباط السعودية، موطن أقدس المواقع الإسلامية، بسلسلة جامدة من الإسلام تُعرف باسم الوهابية التي ألهمت أجيالًا من المتطرفين العالميين وتركت المملكة الغنية بالنفط غارقة في التيار المحافظ.
لكن دور الدين يواجه أكبر إعادة ضبط في العصر الحديث، حيث يتابع ولي العهد محمد بن سلمان، بدافع الحاجة إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، حملة تحرير بالتوازي مع قمع قوي للمعارضة.
وأمرت الحكومة الشهر الماضي، وهي تقضي على ركيزة أساسية في هويتها الإسلامية، بأن تحد مكبرات الصوت في المساجد إلى الثلث، وعدم بث الخطب كاملة، مشيرة إلى مخاوف بشأن التلوث الضوضائي.
وفي بلد فيه عشرات الآلاف من المساجد، أثارت هذه الخطوة رد فعل عنيف على الإنترنت حيث اكتسب وسم يطالب بإعادة رفع الصوت زخمًا كبيرًا.
كما أثار دعوات لحظر الموسيقى الصاخبة في المطاعم، التي كانت في يوم من الأيام من المحرمات في المملكة ولكنها أصبحت شائعة الآن وسط جهود “التحرير”.
لكن من غير المرجح أن تتزحزح السلطات، لأن الإصلاحات الاقتصادية في حقبة ما بعد النفط لها الأسبقية على الدين، كما يقول المراقبون.
وقال عزيز الغشيان المحاضر في السياسة في جامعة اسيكس إن “البلاد تعيد تأسيس أسسها”.
وأضاف “لقد أصبحت دولة مدفوعة اقتصاديًا تستثمر جهودًا كبيرة في محاولة أن تبدو أكثر جاذبية- أو أقل تخويفًا – للمستثمرين والسائحين.”
“ما بعد الوهابية”
في التغيير الأكثر أهمية الذي بدأ حتى قبل صعود الأمير محمد، قامت السعودية بتحييد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي كانت ذات مرة تطارد الناس من مراكز التسوق للذهاب للصلاة وتوبخ أي شخص يُرى يختلط بالجنس الآخر.
فيما كان لا يمكن تصوره في السابق، تظل بعض المتاجر والمطاعم مفتوحة الآن خلال الصلوات الخمس اليومية للمسلمين.
ومع تضاؤل سلطة رجال الدين، يؤيد الدعاة قرارات الحكومة التي عارضوها بشدة ذات يوم، بما في ذلك السماح للمرأة بقيادة السيارة، وإعادة فتح دور السينما والتواصل مع اليهود.
وتقوم السعودية بمراجعة الكتب المدرسية لإزالة الإشارات المعروفة التي تسيء إلى غير المسلمين على أنهم “خنازير” و”قرود”.
ولا تزال ممارسة الديانات غير الإسلامية محظورة في المملكة، لكن مستشار الحكومة علي الشهابي صرح مؤخرًا لوسيلة الإعلام الأمريكية إنسايدر أن السماح بكنيسة كان على “قائمة مهام القيادة”.
واستبعدت السلطات علنا رفع الحظر المطلق على الكحول المحرم في الإسلام، لكن مصادر متعددة من بينها دبلوماسي مقيم في الخليج نقلت عن مسؤولين سعوديين قولهم في اجتماعات مغلقة “إن ذلك سيحدث تدريجياً”.
وقالت كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “ليس من قبيل المبالغة القول إن السعودية دخلت حقبة ما بعد الوهابية، رغم أن الخطوط الدينية الدقيقة للدولة لا تزال في حالة تغير مستمر”.
وذكرت أن الدين لم يعد يمتلك حق النقض (الفيتو) على الاقتصاد والحياة الاجتماعية والسياسة الخارجية.
“منافس تم استبعاده”
وفي تحول آخر، يقول مراقبون إن السعودية يبدو أنها تدير ظهرها للقضايا العالمية التي تؤثر على إخوانها المسلمين، فيما قد يضعف صورتها كقائدة للعالم الإسلامي.
وقال دبلوماسي آخر مقيم في الخليج لوكالة فرانس برس: “في الماضي كانت سياستها الخارجية مدفوعة بالعقيدة الإسلامية التي تقول إن المسلمين مثل جسد واحد، عندما يعاني أحد الأطراف يستجيب الجسد كله لذلك”.
وأضاف “الآن يعتمد على عدم التدخل المتبادل: نحن (السعوديون) لن نتحدث عن كشمير أو الأويغور، أنت لا تتحدث عن خاشقجي”.
وسعى الأمير محمد إلى تقديم نفسه على أنه نصير للإسلام “المعتدل”، حتى بعد أن تضررت سمعته الدولية من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018.
وتعهد بشن حملة على رجال الدين “المتطرفين”، لكن المراقبين يقولون إن العديد من الضحايا كانوا من دعاة الإسلام المعتدل ومنتقدين ومؤيدين لخصومه.
أحد رجال الدين هؤلاء هو سليمان الدويش، المرتبط بولي العهد السابق محمد بن نايف، المنافس الرئيسي لمحمد بن سلمان.
ولم يُشاهد الدويش منذ اعتقاله في مدينة مكة المكرمة في عام 2016 بعد أن كتب “طفل أفسده والده”، وفقًا لجماعة القسط الحقوقية ومقرها لندن ومصدر مقرب من عائلته.
واعتُبر ذلك إهانة مبطنة لمحمد بن سلمان ووالده الملك سلمان.
والآخر هو سلمان العودة، رجل الدين المعتدل الذي اعتقل عام 2017 بعد أن حث على المصالحة مع قطر في تغريدة على تويتر، وما زال رهن الاعتقال حتى بعد أن أنهت السعودية خلافها مع قطر في وقت سابق من هذا العام.
وقالت كريستين ديوان: “سياسياً، قضى محمد بن سلمان على جميع منافسيه، بمن فيهم أولئك الذين يشاركونه نفس أهداف الإصلاح الديني”.