انتهى أخيرًا الأسبوع الماضي الخلاف بين السعودية والإمارات، والذي كان يحتجز أسواق النفط كرهينة، مع الإعلان عن زيادة الحصة الإماراتية التي يتم من خلالها حساب تخفيضات الإنتاج.
وهكذا تنتهي الدراما الأخيرة داخل صفوف أوبك + ، لكن الستارة لم تسقط قبل أن تعطينا معاينة لكيفية انهيار هذا التحالف في النهاية.
وقالت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية إن دافع الانهيار لن يكون التوتر التاريخي والسياسي بين القوتين الخليجيتين، ولكن وجهات نظرهما المتعارضة بشأن التحول العالمي القادم بعيدًا عن الوقود الأحفوري والطريقة التي يمكن بها حماية مصالحهما بشكل أفضل أثناء انتقال الطاقة.
الخلاف السعودي الإماراتي هو جزء من نمط طويل من الخلافات، وعلى الرغم من أن البلدين مترابطان من نواحٍ عديدة، إلا أن العلاقة كانت تتخللها الاحتكاكات منذ البداية.
وشابت النزاعات الإقليمية السنوات الأولى من استقلال الإمارات بعد عام 1971، وظلت المعاهدة التي يُزعم أنها تحل القضايا محل خلاف لعقود.
وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أحبطت السعودية جهود الإمارات لبناء جسر من أراضيها إلى قطر.
والأكثر خطورة كان الإجراء الإماراتي في عام 2009 لإفشال المشروع السعودي لعملة خليجية، بعد أن خسرت الإمارات معركة استضافة الوكالة النقدية في بلادها.
وفي الآونة الأخيرة، انفصل السعوديون والإماراتيون عن الصراع في اليمن، وفي الشهر الماضي، تضررت الإمارات بشدة من الرسوم السعودية على السلع التي ينتجها العمال الأجانب في البلدان المجاورة.
لكن في النهاية، ليست العلاقة الجيوسياسية غير المريحة هي التي ستؤدي إلى انفصال البلدين، ولكن التصورات المتباينة حول انتقال الطاقة.
الإمارات لديها استراتيجية واضحة؛ فهي تسعى لجذب الاستثمار وتصبح رائدة عالمية في مجال الطاقة المتجددة وصناعة البتروكيماويات، وقامت بالفعل بتنويع اقتصادها، إذ يأتي ما يقرب من ثلث الإيرادات الحكومية فقط من النفط والغاز في الإمارات، في حين أن عائدات الهيدروكربونات تمثل ما لا يقل عن ثلثي الإيرادات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
وعلاوة على ذلك، أصبحت الإمارات وجهة مهمة للاستثمارات الأجنبية المتعلقة بالطاقة الخضراء.
وفي مجال النفط والغاز، تركز الإمارات على زيادة طاقتها الإنتاجية وتأمين الأسواق في الاقتصادات الناشئة، وهي الأماكن الوحيدة التي سيستمر فيها الطلب على النفط في النمو في السنوات المقبلة.
ووفق “بلومبرغ”؛ تحرز الإمارات تقدمًا جيدًا نحو هدفها المتمثل في القدرة على إنتاج 5 ملايين برميل من النفط يوميًا بحلول عام 2030، ارتفاعًا من 3.5 مليون برميل في عام 2018، والغرض من هذه الزيادة الكبيرة في الإنتاج، في وقت يكون فيه التحول العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري اكتساب الزخم ذو شقين.
أولاً، على المدى القصير والمتوسط، تريد الإمارات أن تكون في وضع يمكنها من الاستفادة من مواردها النفطية واستثمارها قدر الإمكان خلال فترة الانتقال، وثانيًا، على المدى الطويل، تسعى الدولة إلى ضمان أنها واحدة من منتجي النفط القلائل الذين لا يزال العالم يعتمد عليهم، حتى عندما يتم تلبية معظم احتياجات الطاقة في العالم من خلال مصادر طاقة أخرى.
وحتى استراتيجية “Net Zero” الطموحة لوكالة الطاقة الدولية جعلت العالم يستهلك ما يقرب من 25 مليون برميل يوميًا في عام 2050، وهذا الرقم أقل بشكل صارخ من حوالي 90 مليون برميل يوميًا استخدمها العالم في عام 2020، لكنه لا يزال يفوق ما تأمل الإمارات في إنتاجه عام 2030 بخمسة أضعاف.
لقد أصبحت الرياض، بشكل أبطأ نوعًا ما، تتبنى نهجًا مشابهًا، حيث يكون الاختلاف بينهما أكثر من خلال الجدول الزمني، وكما يتضح من حصص الإنتاج الأخيرة ذهابًا وإيابًا، فإن الإمارات في وضع أفضل للتعامل مع الانتقال المبكر.
ما أظهره الخلاف الأخير لم يكن فقط التوتر بين العاصمتين، ولكن أيضًا حقيقة أن الإمارات تفضل المخاطرة بانهيار ترتيب أوبك + بدلاً من ربطها بحصة لا تعكس قدرتها الإنتاجية المتزايدة.
ومن الواضح أن الإمارات تشعر بأنها مستعدة للمنافسة على حصتها في السوق بأسعار نفط منخفضة إذا لزم الأمر، بدلاً من تقييد الإنتاج لدعم الأسعار.
وحولت حصة الإنتاج المعدلة للإمارات الحسابات الإماراتية لصالح الاستمرار في الالتزام باستراتيجية أوبك + في الوقت الحالي.
وفي المقابل، تحرص السعودية على إبقاء اتفاقية أوبك + حية، وقبل أن تتمكن من مواجهة معركة للحصول على حصتها في السوق بأسعار منخفضة للغاية، فإنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لتنويع اقتصادها وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي إلى قطاعات أخرى قبل أن تشعر بالراحة في الابتعاد عن دور أوبك الحالي في إدارة الأسواق.
وقال الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي هذا الأسبوع: “ما زلنا آخر رجل على قيد الحياة، وسوف يخرج كل جزيء من الهيدروكربونات”.
ويؤخر النمو القوي الحالي في الطلب على النفط- من الاقتصاد العالمي الناشئ من كوفيد19 – اليوم الذي ستقرر فيه الإمارات أن الاستراتيجية طويلة الأمد لتقييد الإنتاج ودعم الأسعار عفا عليها الزمن.
وعندما يحين الوقت، ستتحرك الإمارات بذكاء لزيادة الإنتاج والتركيز على حصتها في السوق على حساب الربح، والتحرك في هذا الاتجاه الآن يبدو غير حكيم، ومن شأنه أن يعجل قفز الآخرين من نهج أوبك +.
ومع وجود أكثر من 5 ملايين برميل من الإنتاج الاحتياطي في النظام، فإن السعر سينتقل بسرعة إلى حالة الركود.
لكن يوم تصدع أوبك + سيأتي، على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط من المرجح أن يأتي قبل حدوثه؛ إما بدافع دخول إيران إلى السوق بسرعة أكبر مما يتوقعه معظم الناس، أو من خلال إشارات تدل على أن نمو الطلب يتباطأ أو يتوقف بشكل كبير.
وسيحدد منتج واحد أو أكثر أن مصالحها تخدم بشكل أفضل من خلال الاستحواذ على أكبر قطعة ممكنة من السوق المتقلصة.
وتشير أحداث الأسابيع الماضية إلى أن الإمارات – وليس روسيا، التي لديها طاقة إنتاجية زائدة قليلة على أي حال هي مرشح جيد لقيادة عملية الخروج.
وبغض النظر عن الدولة التي ستؤدي إلى نهاية ترتيب أوبك + الحالي، فإن الانهيار المحتمل في أسعار النفط سيحبط جهود الابتعاد عن النفط حيث يصبح مصدر الطاقة أكثر، وليس أقل، ميسور التكلفة.