شدوى الصلاح
قال رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية للعالم العربي في باريس أحمد البرقاوي، إن ما يحدث في تونس يعتبر سابقة أولى بعد انقلاب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، على شرعية الرئيس الحبيب بورقيبة في 1987 وعزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن الذي يختلف فيه الانقلابان أن الانقلاب الحالي يأتي بعد انتخابات ديمقراطية شفافة وانقلاب على الدستور والشرعية القانونية وصندوق الناخب أيضا، بينما انقلاب بن علي كان على رئيس دولة لمعالجة الوضع الصحي.
وأكد البرقاوي، عدم وجود مبررات لانقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد، على الشرعية الدستورية، واصفاً ما حدث بأنه خطأ جسيم، إذ يقدم سعيد نفسه على أنه مدرس جامعي يدرس الدستور ثم انقلب عليه.
وأشار إلى أن سعيد جمع بين يديه كل الصلاحيات بما يؤهله أن يكون رئيس دولة ورئيس أركان الجيش وقاضياً، وقال بصريح العبارة إنه سيصبح رئيس النيابة العمومية، وأنه سيقاضي كل من يخل بالقانون وكل اللوبيات التي فسدت البلاد.
وحذر رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية للعالم العربي في باريس، من خطورة ذلك، بغض النظر عن تحقيق التصدي للفساد، لأن سعيد يقدم نفسه على أنه المصلح النظيف القاضي الرئيس قائد الجيش يعني أنه أصبح ملك الملوك.
وأكد أن سعيد منذ تولى رئاسة الجمهورية، كان يشعر أن صلاحياته ناقصة لأن النظام الجديد لعام 2014 نظام معدل لا يترك صلاحيات كبيرة بين يدي رئيس الدولة، وهذا كان يولد لديه شعور للتحرك كما كان عليه النظام السابق في دستور 1958 و95.
ولفت البرقاوي، إلى أن سعيد صرح عدة مرات منذ توليه الرئاسة عن رغبته في تغيير النظام السياسي، ولما زاره أمين اتحاد الشغل أمين الطبوبي، قال له بصراحة إنه يرغب في تغيير النظام، لأن هذا النظام البرلماني المعدل فيه ثغرات ولا يترك حرية لمؤسسات الدولة.
وتوقع أن رغبة سعيد كانت شخصية وليست لقراءة دستورية، مثل كل القادة العرب، معرباً عن اعتقاده أن هناك ثقافة يكبر فيها المواطن العربي ولما يتقلد الحكم وخاصة السلطة العليا تصبح له نزعة تسلطية يريد أن يسيطر على الوجود والناس.
وأشار البرقاوي، إلى أن هذه النزعة بدأت تظهر على الرئيس الحالي، منذ تغيبه لحرية الصحافة والناس وحرية التعبير والاعتقاد بأن كل ما انجزه الدستور والثورة التونسية سيرميه للأسف في القمامة.
واستبعد دعم الولايات المتحدة الأميركية لانقلاب الرئيس التونسي على الدستور وقبولها به، خاصة بعد مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي كرر خلال حملاته الرئاسية وبعد توليه الرئاسة أنه سيشجع وسيكون بجانب الديمقراطيات الناشئة.
واستشهد البرقاوي، على ذلك بتصريحات وزير الخارجية الأميركي الذي قال فيها إن التعامل الأميركي في الملفات السياسية والأمنية والعسكرية، سيكون رهين تطبيق الديمقراطية واحترام القانون والدستور.
ولفت إلى أن الخارجية الأميركية قالت في بيانها إنها ستراقب الساحة التونسية، والاحتجاجات وستأخذ موقفا واضحا تجاه هذا الملف، مشيراً إلى إعراب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من الانقلاب، ومراقبة ألمانيا وفرنسا للساحة فقط، فيما لم تبدي بعض الدول موقفها الحقيقي.
وأثنى البرقاوي، على موقف المجلس الأعلى للقضاء الذي طالب في بيانه أمس الإثنين 26 يوليو/تموز 2021، رئاسة الجمهورية ألا تحشر القضاة في المعركة السياسية، وأبدى انزعاجه من أن يقول رئيس دولة بهذا الشكل أنه رئيس النيابة العمومية، بما يؤهله أن يكون قاضي.
وذكر بأن الديمقراطية ترتكز أساسا على الفصل بين السلطات، بينما يعد الخلط بينها هو الديكتاتورية.
واستبعد البرقاوي أن تسير تونس على خطى سوريا أو مصر، لأن الشعب التونسي لن يقبل نوعية هذا الانقلاب ولن تسيل دماء، مستدلاً على ذلك بطلب رئيس البرلمان راشد الغنوشي، من مناصريه مغادرة ساحات الاحتجاج، ما يعني أنه لن يكون صراع ومواجهات بين قوات الأمن أو بين أنصاره وأنصار سعيد.
وأشار إلى أن الشعب التونسي ليس في ثقافته الصدام الدموي، بل من ثقافته التظاهر وسيبدي رفضه لهذا الانقلاب حتى ترجع الشرعية الدستورية، معرباً عن تفاؤله أن يتفق كل الأطراف ويجلسون للحوار، وألا يستمر الرئيس في الانقلاب على الدستور.
وشدد البرقاوي، على أن الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، لن يكون إلا بالحوار بين الأطراف المتنافرة حالياً، راجياً من الأشقاء العرب مساندة التجربة التونسية.