يعكس استدعاء الرياض لسفيرها وليد البخاري للتشاور في نفس اللحظة التي كان لبنان يعلن فيها ترشيح نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة جديدة، عدم اهتمام السعودية بالتطورات السياسية في البلاد.
ويقول مراقبون إن الخطوة السعودية تعني أن الرياض لن تتحرك على الأرجح لتقديم دعم مالي للبنان، سواء في شكل مساعدات أو قروض أو استثمارات.
وبدا السفير السعودي غير مهتم بالأسئلة التي طرحها السياسيون والمحللون حول التحركات التي يمكن أن تتخذها المملكة لمساعدة لبنان.
اللامبالاة السعودية، في هذا الصدد، تعكس خيبة أمل إقليمية أوسع، إذ بحسب تقارير إعلامية، لم يهنئ معظم سفراء دول الخليج العربي رئيس الوزراء المكلف الجديد على ترشيحه، مما يوحي بعدم الرضا العام عن العملية السياسية برمتها في لبنان.
ولم تدخر الرياض جهداً في دعم لبنان، وحثت الفاعلين السياسيين هناك على منع اعتماد بلادهم على أي طرف أجنبي، لكن النخبة السياسية اللبنانية استمرت في النظر إلى المملكة على أنها ممول مهمته الوحيدة هي ضخ الأموال إلى البلاد وإنعاش الاقتصاد وصناعة السياحة دون قيود سياسية، وهو مسار لم تعد الرياض تقبله.
ويعتقد السعوديون أن المسؤولين اللبنانيين سلموا السيطرة على بلدهم إلى حزب الله المدعوم من إيران.
وتظهر اللامبالاة السعودية الحالية تجاه لبنان أن المملكة غير مستعدة للعب دور في حل أزمة البلاد، كما كان الحال في العديد من المناسبات السابقة.
وينذر هذا العامل بتفاقم الوضع في لبنان، خاصة مع تهديد أوروبا بفرض عقوبات على المتورطين في عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة.
وبعد الحرب الأهلية (1975-1990)، قدمت المملكة مليارات الدولارات لإعادة إعمار لبنان، ومع ذلك، توقفت هذه المساعدة السخية في السنوات القليلة الماضية، مع تزايد إحباط الرياض المتزايد من نفوذ حزب الله المدعوم من إيران.
ومنذ عام 2016، اتسمت العلاقات السعودية اللبنانية ببرودة تفاقمت بسبب سيطرة حزب الله المتزايدة على مؤسسات الدولة اللبنانية، ثم تصاعدت التوترات بعد سلسلة من المواقف الدبلوماسية اللبنانية التي اعتُبرت معادية للرياض.
وفي الأشهر الأخيرة، حاول السعوديون العودة إلى لبنان لكن محاولتهم فشلت في إحداث تغيير حقيقي في الوضع.
ولا تزال الرياض تصر على ضرورة كبح نفوذ حزب الله، كخطوة أساسية لاستئناف الدعم للبنان، وهو مطلب لم يأخذه رئيس الوزراء السابق المكلف سعد الحريري في الاعتبار.
خلافات السعودية مع الحريري ليست جديدة، لكنها تعود إلى عام 2016، عندما لم تكن الرياض راضية عن التسوية التي أبرمها الحريري مع ميشال عون (حليف حزب الله)، والتي ارتقى بعدها الأخير إلى رئاسة لبنان.
ويرى مراقبون أن موقف الرياض من الحريري لم يتغير منذ التسوية السياسية اللبنانية.
وبعد إبرام الصفقة مع عون، شكل الحريري حكومتين (في 2016 و2018) متجاهلاً الاعتراضات السعودية.
وبعد تسوية أكتوبر 2016، تولى مؤسس التيار الوطني الحر ميشال عون الرئاسة، وبعد شهر عين الحريري للمرة الثانية كرئيس للوزراء.
ويعتقد مصطفى علوش، عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل، أن لامبالاة دول الخليج تجاه لبنان هي نتيجة سياسات الرئيس عون ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل.
ويقول علوش: “هم [عون وباسيل] لا يؤيدون السياسات العربية بشكل عام، وهذا واضح تماما في مواقفهم في جامعة الدول العربية”.
وأضاف “يأتي ذلك في ظل سيطرة حزب الله على السياسة في لبنان، والتي تعمل فقط على إهانة الدول العربية”.
وتابع “إذا استمرت الأجواء السياسية على ما هي عليه اليوم، وسيطرة حزب الله على الحكومات، فإن الوضع سيبقى كما هو”.
وفي أوائل شهر يوليو، زارت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا والسفيرة الفرنسية آن غريوت السعودية.
وأظهرت الزيارة أن الإدارة الأمريكية والحكومة الفرنسية خلصتا إلى أنه لا خيار أمامهما سوى التوسط حتى توافق السعودية على مساعدة لبنان.
لكن تصريحات السفيرين لدى عودتهما أوضحت أن السعودية غير مهتمة بالعودة إلى لبنان في ظل سيطرة حزب الله المستمرة على البلاد.
ويواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة تتطلب من دول الخليج العربي، وخاصة السعودية ، تقديم الدعم المالي لتلافي انهيار الدولة اللبنانية، الأمر الذي يقول مراقبون إنه وشيك.