شدوى الصلاح
حذر الكاتب والمفكر التونسي الدكتور أنور الغربي، المستشار السابق لدى رئيس الجمهورية الأسبق محمد منصف المرزوقي، النظام السعودي من ارتكاب خطيئة كبرى باتباع نهج سياسة الإمارات في التعامل مع الملفات الخارجية ومعاداة التونسيين والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتمويل الانقلابات.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر، أن السعودية والإمارات مثل كل الأنظمة التي لها طموح أو رغبة في التأثير على سياسات الآخرين وخدمة أهدافها الخاصة، وهذا مشروع في الظروف العادية ومرحب به في حالة العلاقات السليمة بين البلدان التي تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التأثير في الشؤون الداخلية لأي طرف.
وأشار الغربي، إلى أن التدخل المالي والمشروط، في حالة التجاذب وخاصة في الحالة الاستثنائية التي تمر بها تونس، وفي ظل تغييب المؤسسات وتحييد الدستور وتعطيل الهيئات الرقابية، يصبح مريب ويطرح أسئلة عن المقابل في ظل غياب الجهة التشريعية والرقابية التي لها الصلاحية حصرياً في قبول أو تعديل أو رفض التمويلات الأجنبية.
ولفت إلى أن تونس تحتاج لـ 3.5 مليار دولار على الأقل خلال العام الحالي، لتجديد ديونها الخارجية ودفع أجور الموظفين في القطاع العام، كما تحتاج لتمويل ميزانية السنة القادمة التي ستكون أعلى من الميزانية الحالية، بالنظر للأوضاع الاقتصادية والمعيشية وطريقة التسيير التي تستعملها السلطات المتحكمة حالياً.
وعد الغربي، استثمار الإمارات في انقلاب تونس ودعمه لتبقيه أطول فترة ممكنة، خاصة وأنها لم تخفي أبدا عداءها المعلن لمخرجات الربيع العربي، وتورطها بشكل واسع في الصراعات في كل بلدان المغرب العربي، أمر طبيعياً، معرباً عن استغرابه من تعهدات السعودية تقديم مساعدات مالية لتونس دعما لرئيس الانقلاب قيس سعيد.
ورأها خطوة غير مفهومة وتمثل استعداء مجاني لشريحة هامة من الشعب التونسي، مشيراً إلى أن السعوديين لم يسبق أن كانت لهم مواقف عدائية واضحة ضد جهات تونسية بعينها، رغم أن جزء من التونسيين يرى أن الإعلام السعودي هو أحد محاور المعركة، وأن الخطاب الرسمي مبهم وغير مطمئن.
ولفت الغربي، إلى أن السعودية وفرت الحماية لرئيس النظام السابق زين العابدين بن علي، ولم تتعاون في تسليمه ومحاكمته بطريقة عادلة، مؤكداً أن الوقوف اليوم بشكل رسمي مع طرف ضد أخر في الظروف الراهنة يعتبر مراهنة خاسرة، ستدفع السعودية إن أقدمت عليها ثمنا باهظا نتيجة الاستعداء المجاني لشرائح واسعة من المجتمع.
وحذر القيادة السعودية من ارتكاب خطيئة كبرى باتباع نهج سياسة أبو ظبي في التعامل مع الملفات الخارجية بدأ بالتطبيع، وصولاً لدعم أنظمة الانقلابات والدوس على الدساتير والقانون، لافتاً إلى أن القوى العربية تفتت وتشتت وأصبحت في مجملها تابعة لقوى أجنبية ولا توجد أي مصلحة للسعودية في تمزيق ما تبقى.
وأكد الغربي أن شريحة كبيرة من الشارع التونسي في الداخل ومن التونسيين في الخارج وجميع الأحزاب تقريباً وأغلب المنظمات وجمعيات المجتمع المدني في تونس تعمل على إرجاع المسار الديمقراطي، وتتطلع لتعاون مع شركاء حقيقيين يساهمون في جهود البناء والتنمية والتعمير، وليس لتعميق الفرقة وتأزيم الأوضاع في البلاد.
وأوضح أن النظام الدولي برمته من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة الأميركية وتركيا والاتحاد الدولي للبرلمانيين والصناديق المالية، جميعهم طالبوا بعودة الديمقراطية وعمل المؤسسات في تونس،.
وأشار الكاتب والمفكر التونسي، إلى أن أغلب المنظمات المعروفة في مجال الشفافية والحوكمة وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير والدفاع عن القانون، كلها تطالب وبقوة بالتراجع عن الإجراءات الاستثنائية.
وقال إن الإماراتيين والسعوديين وغيرهم من الذين ربما يسلكون نهج تمويل الانقلاب خارج الأطر الدستورية ومؤسسات الدولة أن يتحملوا التبعات القانونية والأخلاقية لذلك.
يشار إلى أن المصرفي البارز عبد الكريم اللسود، رئيس التمويل والمعاملات الخارجية في الهيئة المنظمة للرقابة المالية التونسية، أكد مؤخراً أن البنك المركزي التونسي يجري “محادثات متقدمة” مع السعودية والإمارات للحصول على مساعدات مالية للبلد الذي يعاني من ضائقة مالية.
ومنذ إقدام الرئيس التونسي قيس سعيد، على إعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، المتمثلة في حل البرلمان وإقالة الحكومة، وغيرها، والتي عدها قانونيين وخبراء انقلاباً على الدستور والقانون، كشفت تقارير عن ضلوع الإمارات في الأحداث ووقوفها وراء الانقلاب وتمويله.
وأعلنت السعودية عبر وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، دعمها لقرارات سعيدة، قائلة إنها ترى ما يجري في تونس “أمرًا سياديًا”، وفي أغسطس/آب الماضي، قالت الرئاسة التونسية، إن السعودية تعهدت بتقديم المساعدة لتونس، في إشارة إلى دعمها لسعيد ضد خصومه الإسلاميين.