أعلنت المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع أنها منحت الجنسية لعدد غير محدد من الأجانب الذين يمكن أن تساعد خبراتهم البلاد في تنوعها بعيدًا عن النفط، وهو تحول كبير بعد قرار مماثل من الإمارات المجاورة في وقت سابق من هذا العام.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن البرنامج يستهدف الأشخاص ذوي “القدرات المتميزة” والخلفيات في “التخصصات النادرة”، مشيرة إلى أن المملكة ستركز على تجنيس الأجانب في مجالات تشمل الشريعة والطب والعلوم والثقافة والرياضة والتكنولوجيا. بهدف تعزيز وتيرة التنمية وتعزيز جاذبيتها للاستثمار ورأس المال البشري.
بهذه الخطوة، أصبحت السعودية ثاني دولة خليجية تضفي الطابع الرسمي على عملية تهدف إلى منح المغتربين حصة أكبر في الاقتصاد بعد أن أعلنت الإمارات عن برنامجها الخاص بالتجنيس للأجانب الاستثنائيين في يناير.
وقال خبراء إن الخطوة السعودية جددت الجدل الدائر حول الجهود المبذولة في السعودية ودول الخليج الأخرى لحل قضية البدون.
وأضاف الخبراء أن قضية البدون أصبحت مشكلة مزمنة أثرت على صورة دول المنطقة وسجلها الحقوقي.
ويشكل المهاجرون ثلث السكان في المملكة، لكن مع آليات محدودة للغاية لمنح الإقامة الدائمة أو الجنسية، لا يتمتعون إلا بقدر ضئيل من الاستقرار على المدى الطويل.
وحتى في الوقت الذي يعمل فيه المسؤولون على جذب المزيد من الأجانب المتعلمين تعليماً عالياً، تحتفظ الحكومة للسعوديين بالعديد من الوظائف التي كان يشغلها مهاجرون من ذوي الدخل المنخفض من دول عربية وآسيوية وإفريقية أخرى، كجزء من جهد لمعالجة بطالة المواطنين التي تزيد عن 11٪.
لكن مراقبون قالوا إن الإصلاحات الاجتماعية التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز يمكن أن توفر فرصة ثمينة لحل قضية البدون. وقد يتماشى ذلك مع الصورة التي تسعى المملكة الجديدة إلى تطويرها، بقوانين جديدة تلتزم بحقوق الإنسان، بما في ذلك القوانين المتعلقة بالمرأة والقضاء.
وبينما تتجنب السعودية أي نقاش حول قضية البدون، تعمل دول مثل الإمارات وقطر بشكل متزايد على تجنيس السكان عديمي الجنسية، مما يخلق سابقة على المستوى الإقليمي. حيث يرى خبراء أن التحركات القطرية والإماراتية قد تحرج السعودية والكويت، خاصة وأن الرأي العام المحلي في البلدين غير متحمّس لفتح ملف الجنسية.
وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال خطاب ألقاه في 26 أكتوبر إن بلاده ستعدل قريباً قوانين الجنسية الخاصة بها لتجنس السكان عديمي الجنسية مثل أفراد قبيلة المرة. جاء ذلك بعد انتقادات في الداخل والخارج بشأن استبعاد قبيلة المرة من الترشح أو التصويت في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
يُذكر أن البدون في الخليج العربي هم في الغالب من بدو الصحراء الذين فشلوا في التسجيل كمواطنين عندما بدأت دول الخليج في الحصول على استقلالها، فيما ينتمي بعض البدون أيضًا إلى قبائل عابرة للحدود.
ويقدر عدد البدون الذين يعيشون في جميع أنحاء الخليج العربي بما بين 170.000 و 350.000، يقيم معظمهم في الكويت والسعودية. ومع ذلك، لا يمكن الحصول على أرقام دقيقة لعدم وجود إحصاءات رسمية.
وعلى مدى عقود، رفضت دول الخليج العربي منح الجنسية لهؤلاء السكان من أجل الحفاظ على التوازنات القبلية أو الطائفية داخل حدودها. إلى جانب ذلك، شككت بعض الحكومات منذ فترة طويلة في الولاءات الوطنية للبدون الذين يعيشون داخل حدودها.
ويعتقد مراقبو شؤون الخليج أن فتح قضية التجنيس في السعودية وبقية دول الخليج العربي، في سياق استقطاب الخبرات، يمكن أن يوفر مناخًا ملائمًا لنقاش سياسي ومجتمعي حول توسيع هذا النهج ليشمل البدون.
كما يوفر الزخم الجديد أيضًا فرصة ثمينة للسلطات للاستماع إلى مطالب البدون وإدراك معاناة الأشخاص عديمي الجنسية، سيما جيل الشباب الذي يعاني من مشكلة الهوية.
يشير تقرير صادر عن مركز ستراتفور للدراسات والأبحاث الجيوسياسية الإستراتيجية إلى أن الكويت والمملكة العربية السعودية كانتا أبطأ في تجنيس مجموعات البدون الأكبر بكثير، مما يجعل من غير المحتمل أن يحصل البدون هناك على الجنسية بالسرعة التي يحصل عليها المقيمون في قطر أو الإمارات العربية المتحدة.
ويضيف التقرير أنه على الرغم من الحوافز المشجعة لبرنامج التأشيرة الذهبية ومرسوم الجنسية الجديد لذوي الخبرة الاستثنائية، إلا أن المملكة العربية السعودية لديها تراجع يعيق تجنيس البدون، حيث تقيس خطواتها وفقًا للموقف العام المحافظ تجاه التغيرات الاجتماعية والثقافية السريعة.
ولا يستبعد التقرير أن البدون، الذين أُبعدوا من نظام الرعاية الاجتماعية من المهد إلى اللحد، سيعترضون على تجنيس السكان الجدد، الذين سيتنافسون معهم على الوظائف والخدمات الحكومية.