شدوى الصلاح
قال المفكر التونسي الدكتور أنور غربي، المستشار السابق لرئيس الجمهورية التونسي المنصف المرزوقي، إن تونس أصبحت بعد مرور أكثر من 3 أشهر ونصف من استيلاء الرئيس التونسي قيس سعيد، على كل السلطات التنفيذية والتشريعية، عبارة على مركب تائه في المحيطات وبدون وجهة محددة والمؤونة تكاد تنفذ والقائد يفتقد للمعرفة ولعلم القيادة.
وأشار في حواره مع “الرأي الآخر” إلى أن الرئيس التونسي مصر على مواصلة السير والإبحار في الأعماق واستهلاك ما تبقى من وقود، وهو غير مستعد لسماع نصيحة من لهم خبرة ودراية بالبحر، مواصلا مساعيه للسيطرة أيضا على القضاء الذي ما زال أغلبه يقاوم تدخلاته وتوجيهاته لوزيرة العدل باتجاه ملفات محددة يراها هو أولوية.
وأضاف غربي: “أخيرا بدأ ركاب المركب يحتجون ويطالبون بوجهة محددة اتقاء الهلاك الجماعي، ويعرضون المساعدة ويسعون لفرضها لأن حياتهم أصبحت في خطر، فالبلاد تعيش وضعا غير مسبوق ناتج عن تحلل وتفكك وتعطيل عمل المؤسسات والهيئات الدستورية، وغياب أي رؤية أو إرادة معلنة للحل”.
ولفت إلى أن الدبلوماسية في حالة شلل وعطل شبه كاملة أنتجت مواقف غريبة عن الأداء الدبلوماسي التونسي عبر التاريخ المعاصر، وأدى لعزلة دولية وريبة متزايدة من الشركاء التقليديين للبلاد، وأصبحت تونس محل تندر وسخرية بعدما كانت محل إعجاب واحترام.
** كيف ترى سياسات قيس سعيد بعد ثلاث شهور ونصف من انقلابه؟
– الرئيس مصر على تسيير الدولة عبر المراسيم الرئاسية في خرق واضح وجسيم لدستور البلاد الذي ما زال يعتبره نظريا مرجعا ويقسم عليه وزراءه، في حين أنه لم يعد مفعلا في أغلب فصوله.
– لكن بالرغم من سيطرة الرئيس على كل السلطات فإن الثابت أن الرجل ما زال بعد مرور أكثر من سنتين على وصوله للرئاسة عبر الانتخابات، يتحدث ويخطب ويبدي رأيه في كل الأمور بما يوحي وكأنه بعيد عن القرار أو المسؤول الأول في الدولة .
– ما زال ينظر بعين الناقد والرافض للأحزاب، ويعتبر البرلمان وكل المنظمات والمؤسسات غير ذات جدوى ويرى أن البديل عنها هو نظام مجالسي شبيه بما كان سائدا مع اللجان الشعبية زمن معمر القذافي في ليبيا.
– هو يرى ما يحمله من تصورات قادرة على حل كل مشاكل تونس وأيضا إنقاذ البشرية من أزماتها إذا تبنت الطرح “المجالسي” وتخلت عن إدارة الشأن السياسي في شكله الحالي عبر الحكومة و الأحزاب والبرلمان والمجتمع المدني.
– سعيد يردد دائما في الداخل أو حتى خلال تنقلاته للخارج صيغ فضفاضة دون تحديد ما يقصد، ومنها الحديث عن “تعاون وفق رؤى مبتكرة” أو “اعتماد مقاربة جديدة” أو ” إرساء رؤى وتصورات جديدة تعزز مسار التعاون” أو ” وجوب وضع مفاهيم جديدة لآليات عمل سياسي غير تلك التي كانت معتمدة في الماضي” أو “العزم على تطوير العلاقات وفق مقاربة جديدة بناء على طموحات الشعب”.
– لقد اعتمد الرئيس على تأويل خاص به للدستور واستشهد بوجود “خطر داهم” لم يحدد طبيعته، ولكن وبعد أن أصر على تسيير البلاد بمفرده وعبر مراسيم رئاسية فوق الدستور تبين اليوم بأن الخطر أصبح الآن حقيقي وجاثم.
** وما دور الساسة والإعلامين في كل ما يفعله سعيد؟
– في تونس تكونت مجموعات وأحزاب منها “الحشد الشعبي” و “الشعب يريد” للدفاع عن أراء وأفكار الرئيس وانتشرت في البلاد صفة “المفسرون” وهم “المتطوعون ” للظهور الإعلامي وتوضيح ما يرغب الرئيس في إيصاله للناس رغم أنه يخاطب الجميع بنفس اللغة وليس لهؤلاء المفسرون أي تواصل مفضل مع الرجل.
– الرئيس لم يقدم أي حوار صحفي للداخل التونسي ولكنه أجرى عدد من الحوارات وأعطى تصاريح لوسائل إعلام فرنسية وإماراتية وسعودية، كما أنه ألقى كلمات وخطب طويلة أمام ضيوفه، ولكنه لم يسمح لأي واحد منهم سواء تونسيون أو أجانب بالكلام في حضور الكاميرا.
** وما دور الفريق الحكومي المعين بمرسوم رئاسي؟
– الفريق يعود للرئيس في كل شئ ولا يمكن لهم اتخاذ أي قرار لدرجة أن رئاسة الحكومة أعلنت عن تعيين مستشارة في مجال الإعلام، وفي نفس اليوم تم الإعلان عن التراجع بعد تدخل الرئيس بسبب مواقف سياسية سابقة للمستشارة الإعلامية.
** ما تقيمك للبيانات الرئاسية التي يصدرها سعيد؟ وهل حقق أي مما أعلن خلالها؟
– بيانات الرئاسة عبارة على رغبات وتمنيات وربما ما يطمح إليه الرئيس ولكنها لم ترتقي إلى مستوى التنزيل والفعل، ومنها ما كان أعلن عنه ووعد به وبشكل متكرر وبلغة قطعية وحازمة من أنه سيقع.
- إنشاء عدد من المشاريع في مجالات خدماتية حددها بدقة نوعيتها وأماكن تنفيذها ومردوديتها ومزاياها ولكن وإلى اليوم لا توجد بوادر جدية للتنفيذ أي مشروع.
- تخفيض الأسعار ولكن غلاء المعيشة وصل إلى مستويات غير مسبوقة
- التخفيض في سعر الأدوية ولكن الأسعار زادت .
- التصدي لمحتكري عدد من المواد منها الحديد، ولكن سعر الحديد ارتفع بشكل كبير والمصنع الذي شهر الرئيس بصاحبه فتح بحكم قضائي .
- محاسبة المئات من رجال الأعمال وإلزامهم بتمويل مشاريع في المناطق الداخلية و الجنوب ولكن لم يقع الإعلان عن أي مبادرة للتنفيذ
- التفاوض مع الأوروبيين لحماية حقوق التونسيين، ولكنه قبل بترحيل المئات منهم في سابقة تاريخية وفي مخالفة صريحة لحقوق المهاجرين.
- احترام حقوق الناس والحريات ولكن تضاعفت حالات الاعتداءات على الصحافيين والنواب والقضاة ومنع رجال أعمال من السفر وكذلك التضييق على تنقلات الناس بين المدن.
- عدم التدخل في القضاء ولكن القضاء العسكري هو من يحاكم المدنيين وأول خطوة اتخذها كانت عزل مدير القضاء العسكري، كما أن الهيكل النقابي والإداري للقضاء المدني نشر بيانات عديدة يرفض فيها الضغوطات السياسية على القضاة.
- حماية المبلغين عن الفساد ولكن ما وقع هو عدم تفعيل الهيكل الإداري المختص لدى رئاسة الجمهورية بتلقي الإبلاغ عن شبهات الفساد المحالة إليه من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بل جمد عمل هيئة مكافحة الفساد وبقي مصير عشرات الآلاف من الملفات والمعطيات الشخصية مجهولا.
- محاسبة أو مساءلة المئات من رجال الأعمال الذين أشار إليهم مراراً باعتبارهم على قائمة الفساد، ولكن إلى اليوم لم يحصل أن دعي أي واحد منهم للمساءلة.
- ترشيد الموارد والشفافية في الإنفاق والتسيير ولكن تم تجديد على الأقل 4 عقود لشركات فرنسية في مجالات الطاقة دون وجود أي جهة رقابية وكذلك وقع منح عقود لشركات في إطار التحضير للقمة الفرنكفونية ودون احترام الإجراءات المعمول بها.
- التقشف والدعوة لمساعدة الدولة ولكن الرئيس يواصل استعمال المال العام والإنفاق في أبواب لا علاقة لها بعمله كرئيس بل بعضها يساهم في تعطيل مصالح الناس والدورة الاقتصادية، منها إفراغ الأماكن التي يقصدها الرجل من المرتادين أو الحرفاء، مثل المساجد والمقاهي والمخابز، وحتى المعارض كما يعاب عليه الاستعمال المفرط للأجهزة الأمنية وقدراتها في تنقلاته وأصبح موكبه يعد عشرات السيارات في وضع غير مألوف بالمرة في تونس.
- إطلاع الشعب على أبواب الصرف ومردودها، والحال أنه وقع إنفاق كبير على تنقلات الرئيس للخارج دون أي مردودية للدولة، ودون إمضاء اتفاقيات اقتصادية جديدة، علما بأن الرئيس لا يصطحب معه وزراء، بل يقتصر دائما على وزير الخارجية الذي كان مستشارا لديه وأصبح أحد المنفذين الأوفياء لرغباته دون الآخذ في الاعتبار مصالح البلاد وتواصل الدولة.
** كيف ترى كل هذه الخروقات؟
– انحرف بالبلاد ديمقراطيا بشكل فظيع وتفرد فرد بالسلطة لم يكن أحد يتوقعه، مما أدى بالإضرار بصورة البلاد المنهكة اقتصادياً واجتماعياً وخلق لها أزمة سياسية حادة غير مسبوقة منذ الثورة .
** كيف ترى الإعلان عن ميزانية تكميلية بأمر رئاسي هذا الأسبوع؟
– اتفق تقريباً كل الخبراء على اعتبارها سابقة مخيفة وغير مسبوقة منذ استقلال البلاد .
– الميزانية التي نشرت بمرسوم ودون أدنى نقاش لا تحتوي على أي تفصيلات ولا تعطي إجابات عن مصادر الدخل، سواء الداخلي أو الخارجي، مما يزيد من المخاوف من إقدام البنك المركزي على طبع الأوراق المالية دون تغطية حقيقية لقيمتها في التداول، ومما سيزيد من التضخم بسرعة ويفاقم الأزمات ويعقد الحلول ويفقد الثقة في الأسواق التونسية ويضعف الاستثمار.
– هذا وتقدر قيمة العجز في ميزانية 2021 بحوالي 3 مليار دولار، ولا أفق أو وضوح في كيفية سد العجز الحالي أو توفير ميزانية سنة 2022 التي من المفترض أن تكون جاهزة خلال أسابيع.
** لماذا تجاهلت دول الخليج وعلى رأسهم السعودية سعيد؟ ولماذا لم تسانده وتدعمه اقتصاديا مثلما فعلت مع رئيس الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي؟
– من الصعب في ظل هذه الأجواء أن تقدم أي دولة أو جهة على توفير ما تحتاجه الدولة التونسية في غياب الشفافية وعدم وضوح المسار السياسي والاجتماعي في البلاد.
– السلطات السعودية مثلا لديها تحديات داخلية وخارجية كبيرة ولا أعتقد أنها تقدم على التدخل المباشر والعلني في الشان التونسي عبر دعم طرف على حساب طرف أخر، خاصة أن المنظومة الدولية قالت رأيها في موضوع التعامل مع السلطات القائمة ووضعت شروطا للتعامل، أهمها تحديد دور الجيش في ما وقع وربط أي تدخل مالي بخارطة طريق سياسية واضحة ومحددة تسمح بعودة المؤسسات والمسار الديمقراطي وتحقيق الاستقرار والاستدامة في عمل المؤسسات.
– هناك أسباب عديدة تجعل السلطات السعودية غير متحمسة أو جاهزة حالياً للاستثمار في مشروع سعيد وإبقاءه أطول فترة ممكنة في السلطة، وربما يمكن تلخيص الأسباب في عدد من النقاط منها:
- انتظار نتائج المهلة التي حددها الكنغرس الامريكي بشهر ونصف لمعرفة حجم تورط المؤسسة العسكرية في ما وقع وخاصة في علاقة بتعطيل مجلس نواب الشعب
- عدم تأزيم الامور أكثر مع المنظومة الدولية وانتظار ما ستقوله الاطراف بخصوص الوضع في تونس ومالاته
- عدم وجود جهة ضامنة ذات مصداقية خاصة أن المؤسسة العسكرية لم تتورط في الانقلاب بشكل مباشر وانه لا يوجد طرف يعول عليه لاستدامة المسار الذي انتهجه قيس سعيد
- تجربة السعودية المريرة مع نظام معمر القذافي مع وجود بوادر قوية لاستنساخ التجربة من طرف قيس سعيد وجماعته
- التخوف الكبير من تأثير الدور الإيراني في دائرة صنع القرار في قرطاج وهو الأمر الذي يزعج السعوديين أكثر من أي شئ أخر خاصة أن تجاربهم مع الحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي وغيرها من المجموعات مريرة وقاسية ومكلفة.
- عدم المجازفة أكثر بمصالح البلاد والعائلة الحاكمة خاصة أن السلطات تسعى لإغلاق الملفات المفتوحة وتسعى للعب أدوار سياسية متقدمة في المنطقة
** ماذا عن باقي دول الخليج؟ وماذا عن الإمارات تحديداً؟
– الكويتيون يشعرون بالقلق على استثماراتهم في تونس ويسعون للحصول على ضمانات خاصة أن الأوضاع تدار حالياً بطريقة لا تساعد الآخرين على فهم حقيقة ما يجري، والبرلمان الكويتي لا أتصوره يوافق على أي دعم لجهات غير واضحة أو تابعة لمحور التطبيع العربي.
– القطريون شريك مهم جداً لتونس منذ الثورة وإلى اليوم، فواضح أنهم فوجئوا بالطريق الذي تسلكه السلطات الحالية، وهم الذين فتحوا لهم مجالات كبيرة في السابق ورحبوا كثيراً بزيارة قيس سعيد للدوحة منذ أشهر.
– كما أن النهج الذي يسلكه قيس سعيد في توجيه الدبلوماسية التونسية يثير الريبة والتوجس لدى القطريين وكل من يقف مع مخرجات الربيع العربي.
– البحرين تأثيرها محدود وغالبا تسير في المسار السعودي.
– بقيت الإمارات التي سبق وأعلنت أكثر من مرة هذه السنة بأنها سوف تركز على أوضاعها الداخلية، ومع ذلك تبقى الداعم الأكبر إعلاميا ولوجستيا وخارجياً لقيس سعيد، وسارع حكامها لزيارة الرئيس بعد استيلائه على كل السلطات.
– لا ننسى أن الخطة التي ينفذها سعيد حالياً تتماهى مع السياسة الإماراتية المعلنة بالتصدي للديمقراطية وحكم الصندوق في عالمنا العربي ولكن لديها فاعلين آخرين في المشهد التونسي والذين لديهم الاستعداد لتنفيذ وتحقيق كل ما يطلبه الإماراتيون، والذي أعلن الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي أن تكلفة الدعم الإماراتي مكلفة جداً، مشيراً للنموذج المصري الذي لا يمكن تطبيقه في تونس.
** ما الآثار الاجتماعية المترتبة على انقلاب سعيد؟
– على المستوى الاجتماعي زادت الاحتجاجات الموطنية بالرغم من عدم الـتأطير النقابي، وظهر جليا عجز الرئيس وحكومته عن إيجاد حلول لمشاكل الشعب وتبين أنه توجد فعلا إكراهات في السياسة، وأن النزوات الفردية والرغبات شئ وإدارة الشأن العام على مستوى دولة شأن مختلف.
– تبين اليوم أن استعداء الجميع والتفرد بالرأي وعدم الأخذ في الاعتبار محدودية موارد الدولة وفهم التوازنات الدولية والسخرية من المؤسسات المالية يؤثر بشكل مباشر على حياة الناس وأن الشعارات لا تطعم جائعاً ولا تداوي مريضاً ولا تقدم خدمة لمحتاج.
– نسبة البطالة وصلت إلى 18 بالمائة ومظاهر الفقر أصبحت بارزة مع تفكك مؤسسات الدولة وغياب المراقبة والمحاسبة على التجاوزات، كما تضاعفت الأسعار في الأسواق، وتدهورت الخدمات المقدمة للمواطن، وبرزت أشكال جديدة وغير مألوفة من العنف في العديد من المجالات منها القطاعات التعليمية والطبية و حتى في وسائل النقل.
– الأخطر هو تهديد السلم الأهلي وبروز الولاءات الجهورية والقطاعية مصحوبة بالعنف في الخطاب المجتمعي والازدراء، ورفض الأخر، وتقسيم الناس على أسس غريبة وغير مألوفة للتونسيين الذين عرفوا بالتسامح والتعايش والليونة في التعامل فيما بينهم.
** وما أسباب ظهور هذا الخطاب؟
– يرجع ذلك إلى أسلوب الرئيس وطريقته هو شخصيا في تقسيم المجتمع إلى صالحين وهم اتباعه، والآخرين الذين يصر على تجاهل قوتهم في الشارع ومحولاته الدائمة لتقزيم خصومه ووصفهم بنعوت شتى، منها الحشرات والفيروسات والشياطين والمخمورين والفاسدين، مع الاستماتة في إلصاق تهم الفساد دون تقديم أي ملفات للقضاء، وهو ما يساهم في بث مشاعر الريبة والشك بين أفراد المجتمع.
– يواصل الرئيس شحن جزء من المجتمع بخطابات أسبوعية مغلفة بطابع ديني، ولكنها تستعمل مصطلحات هجومية وعنيفة وغير مألوفة تقسم الشعب وتزيد من مسافة التباعد من خلال بث صفحة الرئاسة لكلماته عند ترؤس مجالس وزرائه الذين عينهم وأخذوا التفويض منه وأدوا القسم أمامه، ولا يسمح لهم بالكلام للتونسيين أو لوسائل الإعلام.
** ألا يجرم القانون التونسي هذا النوع من الخطابات؟
– ربما قلة خبرة سعيد بإدارة شؤون الناس أو عدم إطلاعه على التزامات تونس الدولية تجعله غير مدرك بأن خطاباته التحريضية والمنفرة يجرمها القانون التونسي، وأيضا كلما تكلم يضيف انتهاكا جديدا للاتفاقيات والعهود التي أمضت عليها تونس على امتداد عشرات السنين.
**ماذا تقصد بالانتهاكات الجديدة؟
– طالب سعيد الأسبوع الماضي من المواطنين دعم الدولة وأعلن أنه سيكون مؤتمنا على أموالهم وسيراقب مجالات صرفها حتى لا يضيع منها قرشا واحدا وهذا ما راه البعض يعبر عن “المزاج الشعبوي ” والذي يمكن أن يمنطق على تسيير ميزانية عائلي وتقليدي، ولكن لا يمكن أن يكون بديلا لتسيير مؤسسة فضلا عن دولة.
– في نفس الوقت أعلن أن التونسيين سيعولون على أنفسهم وإمكانياتهم الذاتية وهو الأمر الذي رأى فيه الكثيرون دغدغة لمشاعر البسطاء ولشريحة مجتمعية ترى في الرئيس أنه يعبر عنها وسيساعدها للخروج من الخصاصة والحرمان والتهميش، ولكن تلك الخطابات لا تساهم في بناء الدولة وتسيير مؤسساتها أو إصلاحها.
** كيف يمكن للتونسيين الخروج من كل هذه المأزق التي ورطهم فيها سعيد؟
– حتى لا تنهار الدولة و لا يصبح الخطر دائم على التونسيين جميعا العمل على حماية الديمقراطية التونسية وإرجاع مؤسسات الدولة، وإلزام الفاعلين التونسيين بالتوجّه إلى انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها بعد إقرار القانون الانتخابي المودع في أدراج قصر قرطاج.
– لا يوجد من بديل كما يطالب الكثير من الفاعلين غير التوجه لحوار وطني وشامل حول الملفات الاستراتيجية الكبرى وبمشاركة كل الفاعلين في الشأن العام من أحزاب ومنظمات وطنية ومدنية دون إقصاء.
** وما الملفات المفترض طرحها في الحوار الوطني؟
– الإصلاحات الاقتصادية الاجتماعية بما يؤسس لإرساء منوال تنموي عادل ومتكافئ يقاوم الفقر ويقطع مع الفساد، ونظام الامتيازات والاقتصاد المغلق.
– وأيضا الإصلاحات السياسية التي تضمن الاستقرار في الديمقراطية باعتبارها النظام الأقدر على ضمان تلبية تطلعات الشعب التونسي في الكرامة والحرية والعدالة بين الجميع.
** هل طرح ذلك من قبل؟
– نعم هذا ما طالبت به خارطة الطريق التي تقدم بها ائتلاف “مواطنون ضد الانقلاب” كأرضية عمل مشتركة تخرج البلاد من أزمتها وتعيد الأمل للمواطن.
** ما بنود هذه الخارطة؟
تتلخص في نقاط محددة هي:
– عودة مجلس نواب الشعب المنتخب ليتولى فورا تعديل نظامه الداخلي بما يضمن حسن سيره وحوكمته وفرض الانضباط داخله بما يمكنه من انجاز المهام الأساسية التالية:
- استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.
- إرساء هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وتجديد عضوية أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات .
- العمل على إتمام المسار القانوني لإرساء باقي الهيئات الدستورية لاسيما هيئة الاتصال السمعي البصري .
– تشكيل حكومة إنقاذ وطني حائزة على شرعية تمكنها من بناء الثقة مع كل الفاعلين الاقتصاديين وطنيا ودوليا وفق برنامج اقتصادي يوقف نزيف المالية العمومية ويجنب البلاد مخاطر الانهيار الانفجار الاجتماعي.