لم يتوقف النظام المصري عن انتهاكاته بحق الصحفيين والتضييق عليهم بالسجن والغرامة في قضايا نشر، وتجديد حبسهم تعسفيا واتباع إجراءات غير قانونية بحق العشرات منهم دون تحقيق فعلي، وإصدار أحكام بالحبس تصل إلى المؤبد بعد تعرضهم لمحاكمات جائرة.
وتُترجم هذه الانتهاكات عداوة النظام المصري الشديدة لحرية الصحافة، ورغبته في قمع كل الأصوات المختلفة عن روايته الرسمية الهزلية، في إطار فرض سياسة الصوت الواحد، وعدم احترام نصوص الدستور التي كفلت حرية الصحافة واستقلالها وتنوعها.
وتثبت الانتهاكات المتواصلة لحرية الصحافة وحقوق الصحفيين في مصر، اتساع الهيمنة الأمنية على القطاع الإعلامي برمته واستهداف الصحفيين، والتي أوصلت مصر إلى المنطقة السوداء في مؤشر حرية الصحافة العالمي، والمرتبة الثالثة عالمياً في حبس الصحفيين بعد الصين وميانمار.
ووصلت أوضاع الصحافة والصحفيين المصريين إلى هذا الحال في ظل صمت تام من جانب نقابة الصحفيين، ضد ما يتعرض له منتسبيها من انتهاكات وملاحقات أمنية مستمرة، تنوعت بين الحبس لفترات تتجاوز العامين، مرورًا بتدويرهم من قضية لأخرى.
ليس ذلك فحسب، بل يتعرض الصحفيون في مصر إلى محاكمات استثنائية، ويصدر بحقهم أحكام بالحبس لسنوات بتهمة النشر، إضافةً إلى ممارسات تصفية المؤسسات، بالإضافة إلى تردي أوضاع الصحفيين الاقتصادية وتدني رواتبهم.
وفي ظل عدم وجود إحصاءات رسمية تكشف عدد الصحفيين القابعين في سجون النظام المصري، تتباين الأرقام المعلنة من قبل المؤسسات والمنظمات المعنية برصد حرية الصحافة، إذ قدّرهم المرصد العربي لحرية الإعلام في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بـ 65 صحفياً معتقلاً.
وأفاد تقرير خاص للجنة حماية الصحفيين بأن العام الحالي فقط شهد اعتقال 25 صحفياً، وبعضهم صدر بحقه أحكام قضائية نهائية، وبعضهم بقرارات حبس احتياطي، وبعضهم جرى تدويره على قضايا جديدة بعد انتهاء فترات حبسهم الاحتياطي.
وبحسب اللجنة، فإن الكثير منهم يعاني أمراضاً خطيرة تستلزم علاجهم في مستشفيات متخصصة، لكن إدارة السجون تتعنت وترفض نقلهم إلى المستشفيات للعلاج إلا على نفقاتهم الشخصية.
ووفق جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام، فإن مصر تقبع في المرتبة 166 (من أصل 180 بلداً) في مؤشر حرية الصحافة، مشيرة إلى أن أكثر من مئة صحفي قيد الاحتجاز أو ضحايا الاعتقال التعسفي.
وسبق للمنظمة ذاتها، أن انتقدت في تقرير لها بداية العام الجاري، وضع حرية الصحافة في مصر بعد مرور 10 سنوات على اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني 2011، مشيرة إلى أن نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي يفرض قبضة من حديد على الصحفيين ووسائل الإعلام.
ولفتت إلى أن مصر أصبحت من أكبر سجون العالم بالنسبة إلى الصحفيين، حيث يقبع 32 صحفيًا خلف القضبان حاليًا، مستنكرة حالة التصعيد القمعي الذي يطال وسائل الإعلام في البلاد وموجة الاعتقالات التي شملت ما يفوق مئة من الصحفيين.
المنظمة أشارت إلى حجب السلطات المصرية لأكثر من 500 موقع إخباري، في حين أن ما يقرب من نصف وسائل الإعلام الأكثر شعبية في مصر، باتت خاضعة الآن لسيطرة الدولة، سواء من خلال وكالاتها الرسمية أو عبر أجهزة المخابرات.
كل ذلك وغيره، يحدث في ظل ادعاء الحكومة المصرية التزامها بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي وعدت خلالها بتحسين حالة حقوق الإنسان، لكن الممارسات العملية التي تبعت هذا الإعلان جاءت مضادة له تماما بحدوث المزيد من الانتهاكات في مجال حرية الإعلام.
ووثّق المرصد العربي لحرية الإعلام، خلال نوفمبر/تشرين الثاني 30 انتهاكًا بحق الصحفيين المصريين المعتقلين في زنازين السيسي، وتصدّرت القائمة انتهاكات المحاكم والنيابات بـ20 انتهاكًا، ويليها انتهاكات السجون بـ3 انتهاكات.
ورصد أيضا إصدار النظام المصري قرارات إدارية تعسفية، ومنع الصحفيين من التغطية والاعتداءات، بانتهاكين لكل منهم، وفي المرتبة الأخيرة يأتي حجب المواقع الصحفية بانتهاك واحد.
ولم يكتف النظام الحاكم في مصر بقمع الإعلام، وملاحقة الصحفيين والإعلاميين المعارضين داخل مصر فقط، بل واصل ضغوطه لوقف الإعلاميين بالخارج، ومنع الإعلامي هيثم أبو خليل وحسام الغمري عن الظهور على قناة الشرق.
ليلحقا بزميليهما معتز مطر وهشام عبد الله في القناة ذاتها، بالإضافة إلى الإعلاميين محمد ناصر وحمزة زوبع من قناة مكملين الفضائية.
وخلال الشهر الماضي، قضت محكمة جنح أمن دولة طوارئ مصر القديمة بمعاقبة الصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس بالسجن أربع سنوات مع الشغل وتغريم كل متهم مبلغ 500 جنيه بتهمة نشر أخبار كاذبة في القضية 957 لسنة 2021.
وكانت النيابة العامة وجّهت للمتهمين تهم ارتكاب جرائم الاشتراك مع جماعة أنشأت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها.
وأطلق عدد من المنظمات الحقوقية مثل هيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية “أمنيستي” ومفوضة الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان، بيانات تطالب السيسي، بعدم التصديق على تلك الأحكام.
وطالب حوالي 700 صحفي ببينهم نقيبان سابقان بالإضافة لـ١٢ عضوًا بمجلس النقابة، في بيان، الرئيس المصري بعدم التصديق على الحكم، ولكن النظام القمعي المصري لم يستجب لهذه المطالب.
وتتعمد السلطات المصرية الالتفاف على التشريعات التي تحدد مدة الحبس الاحتياطي بسنتين، وفرض شروط على الإفراج عن الأشخاص الذين يكملون مدة محكومتيهم.
ومن الأمثلة على هذا النهج، الوضع الذي يعاني منه المصور الصحفي المصري محمود أبو زيد، والمعروف باسم شوكان، والحائز على الجائزة العالمية لحرية الصحافة التي تقدمها لجنة حماية الصحفيين.
ويضطر أبو زيد إلى قضاء جميع لياليه محتجزاً لدى الشرطة منذ الإفراج عنه من سجن طرة في 4 آذار/ مارس 2019، ومُنع من إدارة ممتلكاته المالية والعقارية لمدة خمس سنوات.
ومن أشكال الانتهاكات التي يمارسها القضاء المصري ظاهرة إعادة تدوير الصحفيين على ذمة قضايا جديدة، بتوجيه اتهامات جديدة ضدهم أثناء حبسهم بالتحايل على القانون الذي يحدد مدة عامين فقط للحبس الاحتياطي كحد أقصى.
ويتعرّض عدد كبير من الصحفيين والمصورين لذلك رغم أنهم مرضى ويحتاجون لرعاية طبية، منهم أحمد أبو زيد الطنوبي الصحفي بجريدة الطريق، الذي أخلى سبيله من إحدى القضايا قبل عدة شهور، وقبل مغادرة محبسه فوجئ بصدور حكم غيابي ضده بالحبس عشر سنوات من محكمة عسكرية أثناء حبسه.
وهناك العديد من الصحفيين الذين يعانون أمراضاً في محبسهم دون توفير الرعاية الطبية لهم مثل الصحفي جمال الجمل والذي يعاني آلاما شديدة في الرقبة والعمود الفقري، والكبد، والصحفي بجريدة الشعب عامر عبد المنعم، والصحفي بجريدة العربي هشام فؤاد.
ولم تسلم الصحفيات المصريات من قمع السلطة التي ألقت بهن خلف القضبان ومن بينهن علياء عواد الصحفية بشبكة رصد، وشيماء سامي من الشبكة العربية، ودعاء خليفة الصحفية بجريدة الدستور، وإسراء عبد الفتاح الصحفية بجريدة التحرير.
وتعاني أسر الصحفيين المعتقلين بشدة من إجراءات الزيارة أو معرفة معلومات عن ذويهم، وأكدت السيدة إيمان زوجة الصحفى المعتقل أحمد سبيع أنها لا تعلم شيئاً عن زوجها المعتقل، مُشيرة إلى أن المحامين لا يستطيعون رؤيته لأنه لا يحضر جلسات المحاكمة.
وأعربت زوجة الصحفي محمد سعيد، المعتقل في سجن القناطر بمحافظة القليوبية، عن حزنها الشديد، قائلة: “ثلاث سنوات ومحمد خلف القضبان، لا نعلم عنه شيئاً بعد اعتقال السلطات المصرية له في 31 مايو/أيار 2018.