قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن الحكومة المصرية بدأت ما لا يقل عن خمس محاكمات في “محكمة أمن الدولة طوارئ” ضد حقوقيين، ونشطاء، ومعارضين سياسيين بارزين بشأن جرائم مزعومة متعلقة بالتعبير، قبل إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إنهاء حالة الطوارئ في البلاد، مطالبة السلطات بوقف هذه المحاكمات الجائرة فورًا أمام محاكم خاصة لا تسمح بالاستئناف.
وأوضحت المنظمة أنه في 20 ديسمبر/كانون الأول، يُتوقع صدور حكم في قضية الناشط علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدون محمد “أوكسجين” إبراهيم بتهم “نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد”.
وأشارت إلى أنه في 15 ديسمبر/كانون الأول، أُرجِئت محاكمة 31 عضوا فعليين ومزعومين في المنظمة الحقوقية البارزة “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات” إلى 26 ديسمبر/كانون الأول.
وقال جو ستورك نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة إن: “محاكمة الحقوقيين والمنتقدين السلميين في هذه المحاكم الخاصة لمعارضتهم السلمية هي ظلم فادح لأن سلطة الرئيس الواسعة على هذه المحاكم تقوض استقلاليتها وحيادها”.
وأكد أن “مسارعة الحكومة إلى استخدام محاكم الطوارئ قبل إعلان إنهاء حالة الطوارئ، بعد حبس هؤلاء الأشخاص احتياطيا بشكل غير قانوني لسنوات، يؤكد أن القمع الشرس بحق المنتقدين السلميين ما يزال سائدا في مصر”.
وأكدت المنظمة الحقوقية أن “ما لا يقل عن 48 حقوقيا، وناشطا سياسيا، ومعارضا محتجزين ظلما وقضوا أشهر وسنوات محبوسين احتياطيا أُحيلوا إلى محاكم الطوارئ لمحاكمتهم، قبل أن يرفع الرئيس حالة الطوارئ”.
ولفتت إلى أن “الخطوة تشير إلى عزم الحكومة على إخضاع هؤلاء المعتقلين للقواعد الاستثنائية لهذه المحاكم”.
واعتُقل عبد الفتاح، والباقر، وإبراهيم في سبتمبر/أيلول 2019 وحُبِسوا احتياطيا لأكثر من عامين، بما يتجاوز الحد الأقصى بموجب القانون المصري.
وقال محامون وأقارب لـ هيومن رايتس ووتش إنهم اكتشفوا أن القضية أحيلت إلى محكمة أمن الدولة طوارئ للمحاكمة في 15 أكتوبر/تشرين الأول، قبل 10 أيام من إعلان السيسي إنهاء حالة الطوارئ التي كانت تشمل البلاد بأكملها.
ومن بين الذين أُحيلوا مؤخرا إلى محاكم الطوارئ المدير التنفيذي لـ “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات” عزت غنيم، الذي اعتقل وأخفي قسرا في مارس/آذار 2018.
وأحال المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا خالد ضياء، عبد غنيم مع 30 متهما آخر في تلك القضية إلى محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ في 23 أغسطس/آب.
كما أحال ضياء أيضا عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق ورئيس “حزب مصر القوية”، إلى محاكم الطوارئ لمحاكمته في 25 أغسطس/آب، بعد أن كان محبوسا احتياطيا منذ فبراير/شباط 2018.
وأحيل النائب السابق في البرلمان زياد العليمي إلى محاكم الطوارئ في 25 تموز/يوليو، وكان محبوسا احتياطيا منذ يونيو/حزيران 2019.
ولا تخضع أحكام محاكم الطوارئ للاستئناف أمام محكمة أعلى، لكنها تتطلب الموافقة النهائية من الرئيس السيسي أو من يسميه.
وأكدت المنظمة الحقوقية أن “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادقت عليه مصر، يضمن حق كل شخص مُدان بجريمة في استئناف القرار ومراجعة إدانته وعقوبته من هيئة قضائية مستقلة.
وتنص “المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا” على أن الحق في اللجوء إلى هيئة قضائية أعلى هو أحد “العناصر الأساسية لمحاكمة عادلة”.
وشدد ستورك على أن “إحالة هذه القضايا إلى محاكم الطوارئ – مباشرة قبل إنهاء حالة الطوارئ في مختلف أنحاء مصر – هي محاولة سافرة من الحكومة المصرية لحرمان هؤلاء النشطاء والسياسيين المعروفين من العدالة”.
وأشار إلى أن “هذا التلاعب القانوني يكشف عن مهزلة النظام القضائي المصري في التعامل مع المعارضة السياسية”.
ولفتت المنظمة إلى أن محاكمة أمن الدولة طوارئ بحق علاء عبد الفتاح، ومحمد الباقر، ومحمد إبراهيم شابتها انتهاكات عديدة للمحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة، فضلًا عن حجزهم في ظروف مروعة بمجمع سجون طره، وتعذيبهم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وضعت السلطات المصرية تعسفًا عبد الفتاح، والباقر، وأبو الفتوح على قائمة الإرهاب، فيما رفضت محكمة النقض طعونهم في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وفي 11 سبتمبر/أيلول، وهو اليوم الذي أصدر فيه الرئيس السيسي “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” في مصر، بدأت في محكمة أمن الدولة محاكمة المدير التنفيذي للمجموعة عزت غنيم، و30 آخرين بزعم ارتباطهم بالمنظمة بتهم القيادة، أو العضوية، أو التمويل، أو الدعم لمنظمة إرهابية، وهي القضية التي يُحاكم فيها 17 متهمًا غيابيًا.
واتهمت نيابة أمن الدولة العليا أيضا غنيم وثلاثة آخرين باستخدام حسابات المجموعة على “فيسبوك”، و”تويتر”، و”يوتيوب” لتوثيق وفضح التورط المزعوم للشرطة في الاحتجاز التعسفي للأشخاص؛ وقتل الآخرين وتعذيبهم وإساءة معاملتهم؛ والإهمال الطبي المتعمد للسجناء.
كما تشمل لائحة الاتهام بحق الأربعة انتقاد السلطات القضائية لإصدارها أحكام الإعدام دون أدلة والافتقار إلى ضمانات الإنصاف في المحاكمات الجنائية.
ووثّقت هيومن رايتس ووتش ظروف الاحتجاز التعسفية التي واجهها المتهمون، حيث ترفض سلطات السجون دوريا السماح بزيارات السجون والرعاية الطبية الضرورية جدا.
وفي يونيو/حزيران 2019، اعتقلت السلطات النائب السابق زياد العليمي والصحفيَّين هشام فؤاد وحسام مؤنس لتخطيطهم لتشكيل ائتلاف سياسي لخوض انتخابات 2020 البرلمانية.
وقال محامون لـ هيومن رايتس ووتش إن القضية أحيلت إلى محكمة أمن الدولة طوارئ للمحاكمة في 25 يوليو/تموز بعد أن ظلوا محبوسين احتياطيا لأكثر من عامين.
وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني، حكمت محكمة جنح طوارئ أمن الدولة المصرية على العليمي بالسجن خمس سنوات وفؤاد ومؤنس بالسجن أربع سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، ولا يوجد ما يشير إلى تصديق الرئيس السيسي على الحكم.
كما اعتقلت السلطات المصرية في فبراير/شباط 2018 عبد المنعم أبو الفتوح بتهمتَي “نشر أخبار كاذبة” وقيادة جماعة أسست على خلاف القانون، وحبسته احتياطيا لأكثر من ثلاث سنوات.
وفي 25 أغسطس/آب، أحالت السلطات قضيته إلى محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ للمحاكمة، التي بدأت في 24 نوفمبر/تشرين الثاني.
وشدد المنظمة الحقوقية على أن “الحبس الانفرادي المطول يصل إلى حد المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، ويمكن أن يرقى إلى مستوى التعذيب بموجب المعايير القانونية الدولية”.