شدوى الصلاح
وصف بالفاسد والتابع للسلطة والمتآمر والهزلي والمنفذ لجرائم قتل خارج القانون.. إنه القضاء المصري، الذي قضى أمس الإثنين 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، بسجن الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، 5 سنوات وبغرامة مالية قدرها 200 ألف جنيه.
وحكم على المحامي والحقوقي محمد الباقر، والصحفي والمدون محمد إبراهيم رضوان -المعروف بـ”أكسجين”- بالسجن 4 سنوات، بدعوى اتهامهم بـ”الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار وبيانات كاذبة داخل البلاد وخارجها”.
جاءت تلك الأحكام بعد يومٍ واحدٍ من الحكم بالسجن المؤبد (25 عامًا) على نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمود عزت القائم السابق بأعمال المرشد محمد بديع، وذلك في القضية المعروفة إعلاميا بـ”التخابر مع حماس”.
ما يثبت أن النظام المصري يتعامل مع جميع المعارضين له، أيا كانت انتماءاتهم سواء إسلامي أو علماني يساري أو ليبرالي، على أنهم إرهابيين، حتى بات ذلك هو الوضع القائم تحت حكم العسكر القائم منذ سبع سنوات، ويستخدم القضاء ككرباج يجلد به معارضيه.
الحكمان أعادا للأذهان التساؤلات عن مدى عدالة القضاء المصري وأهليته لإصدار أحكامٍ يقضي أصحابها أعمارهم خلف أسوار السجون، أو تدفعهم للانتحار للخلاص من الظلم الواقع عليهم، وفق ما سبق وهدد به علاء عبدالفتاح، للمطالبة بتحسين أوضاع اعتقاله.
كان عبدالفتاح، قد سلم رسالة لأهله في سبتمبر/أيلول 2021، أعرب فيها عن مخاوفه أن يقضي عمره كله داخل السجن، وتحدث عن أوضاع اعتقاله السيئة وحبسه دون نشاط ذهني وسوء حالته النفسية، فيما أشار محاميه حينها إلى تجاوزه مدة الحبس الاحتياطي القانونية.
منظمة العفو الدولية، بادرت بوصف الحكم الصادر بحق عبدالفتاح وباقر وأكسجين، أمس، بأنه تزييف للعدالة، وتذكير ببطش السلطات المصرية بالمعارضين، مطالبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بإلغاء هذه الأحكام الآن وإطلاق سراحهم فوراً.
تلك التوصيفات للأحكام، سبق وأطلقتها منظمات حقوقية، بعد 4 أشهر من تولي السيسي رسميا حكم مصر، في يوليو/تموز 2014، بعد انقلابه العسكري في يوليو/تموز 2013، أبرزها اتهام المنظمة العربية لحقوق الإنسان، في بريطانيا، القضاء المصري بإصدار أحكام مسيسة.
وأكدت في أكتوبر/تشرين الأول 2014، أن أحكام القضاء المصري تهدر حقوق المعتقلين المعارضين، وتنتهك كل معايير العدالة الجنائية في القانونين الدولي والمحلي، وتسلب الناس حياتهم دون حق، ما يجعله قتلاً خارج إطار القانون في حال تنفيذه.
لم يقتصر انتقاد القضاء المصري على المنظمات الحقوقية فقط، بل طاله الهجوم من أحزاب خارجية، وصحف أجنبية، فقد وصفه حزب “جبهة العمل الإسلامي” الأردني، بأنه مسيس وينحرف عن مساره، وأحكامه بعيدة عن روح القانون.
جاء ذلك إبان الحكم على الرئيس الشرعي الراحل محمد مرسي، بالسجن 20 عاما في قضية أحداث الاتحادية”، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وكانت صحيفة واشنطن بوست الأميركية قد قالت عقب محاكمته الأولى، إن النظام القضائي مسيس ويشوبه الفساد والخلل العام.
يحدث كل ذلك، وسط إصرار السيسي، على الادعاء أمام الجمعية العامة الأمم المتحدة، بأن “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” التي أطلقتها حكومته تعد “خير دليل” على سعيها لتعزيز حقوق الإنسان -بحسب قوله-.
الناشط الحقوقي أسامة رشدي، رأى أن الحكم الصادر أمس بحق المصريين الثلاثة، يعكس مدى تأزم النظام المصري الذي يحدث العالم بأن لديه استراتيجية لتعزيز حقوق الإنسان، بينما يمارس سياسة إرهاب الدولة ضد كل صاحب رأي ويغلق بشكل كامل المجال العام.
وقال في حديثه مع الرأي الآخر، إن “الحكم الجائر وصادر من محكمة استثنائية تفتقد لأدنى معايير وضمانات المحاكمة العادلة، وتستند على اتهامات ملفقة انتهكت حقوقهم الأساسية والدستورية كحقهم في التعبير أو ممارسة مهنة المحاماة”.
وشدد رشدي، على ضرورة إنهاء هذه الحقبة السوداء في تاريخ مصر والإفراج عنهم وعن كل سجناء الرأي والسياسيين.
السياسي المصري عمرو عبدالهادي، وصف الحكم بحق عبدالفتاح والباقر وأكسجين، بالظالم، مشيرا إلى أنه صدر بعد معاناه وضغط غربي، لأن حبسهم مفتوح المدة كان أشد قتلا من هذا الحكم الذي قضوا معظم مدته في السجن.
وأكد في حديثه مع الرأي الآخر، أن ظلم تلك الأحكام لم يرفع إلا بسقوط هذا النظام، متوقعا ألا ينصفهم الغرب لأن السيسي جعل كل من هو ضده نزيل المعتقلات وأسير صحيفة سوابق ظالمة لا يستحقها إلا هو نفسه.
وأضاف عبدالهادي، أن السلطة القضائية أصبحت لإنفاذ حاجة العسكر والسيسي منذ ٢٠١٣، بموافقتها على انتهاك الدستور والقانون ولا مجال للكلام عن استقلالها بعد ارتكابها الجرم الأكبر بضلوعها في محاربة ثورة يناير والانقلاب على الدستور.
واستنكر ترتيب السلطة القضائية للانقلاب العسكري منذ ٢٠١١، وتولي رئاسة الجمهورية في فترة ما بعد الانقلاب.
واتهم الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل، السلطة التنفيذية في مصر المنوط بها إنفاذ القانون، بارتكاب جريمة مروعة باعتقال السياسيين بقرارات إدارية، مؤكدا أن الجريمة الأكبر تتمثل في قضاء يصدر أحكاما مسيسة ويهدر العدالة رغم أنه منوط بتنفيذها.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر: “الجميع يعلم أن علاء عبدالفتاح ومحمد باقر وأكسجين، لا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولديهم موقف منها، لكن النظام المصري يكرس فكرة أن كل من يتحدث عن حقوق الإنسان في مصر ينتمي للإخوان المسلمين”.
ووصف أبو خليل، ذلك بـ”العبث”، مؤكدا أن جزء كبير من القضاء طاله الفساد، وجزء آخر مسيس، والبعض يعاني من مشاكل، إلا أن السلطة العسكرية الغاشمة تستعين بهذه الأجزاء لبسط سيطرتها وتنحي الشرفاء.