شدوى الصلاح
تثبت الرواية الرسمية السعودية دوما أنها كاذبة من رأسها حتى أخمص قدميها، خاصة مع وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، وتبني الجهات الحكومية رسم صورة مثالية للرأي العام المحلي والدولي بشأن حل أزمة البطالة وإنقاذ العاطلين.
يترافق الإعلان عن موسم الرياض، تأكيد رئيس الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ، أن فعالياته ستوفر عدد من الوظائف الشاغرة، أبرزها أن الموسم الحالي الذي انطلق منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سيوفر 100 ألف وظيفة موزعة على 13 مدينة سعودية.
وهي نفس العبارات والوعود التي أطلقها رئيس الهيئة المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان، في دعاياته لموسم الرياض بنسخته الأولى، والتي يروجها إعلاميا منذ تأسيس هيئة الترفيه في 2016، على اعتبار أنه يهدف إلى توفير عشرات الآلاف من فرص العمل.
وبحسب رواية الهيئة العامة للإحصاء، في سبتمبر/أيلول الماضي، فإن معدل البطالة في المملكة انخفض إلى أدنى مستوى له خلال الربع الثاني من 2021، ليصل إلى 11.3%، في أدنى مستوى له خلال 10 سنوات، لتتبعه بإحصاء آخر عن استقرار معدل البطالة.
تلك الرواية الرسمية يرفضها السعوديين ويعربون عن استيائهم منها، عبر تفاعلهم على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وإطلاق وسوم عدة أبرزها #تجمع_العاطلين #ايقاف_موسم_الرياض_مطلب، فضلا عن تغريدات الناشطين على حساباتهم الشخصية.
ففي مارس/آذار الماضي، نشر موقع بلومبيرغ تقريرا عن تنامي البطالة بالمملكة، استند خلاله على نموذج لأخصائي الحاسوب عبد اللطيف الجرفان، الذي يحمل درجة الماجستير من جامعة أمريكية، ارتدى روب التخرج، ووقف يبيع الشاي المنزلي على جانب الطريق.
وظن الشاب البالغ من العمر 32 عاما أن يجذب تصرفه الزبائن، ولكن خلال ساعات، انتشر مقطع فيديو له على وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع الناشطون للحديث عن البطالة واستنكارهم لها وصب غضبهم على ولي العهد السعودي.
وقبل أسبوع تداولوا مقطع فيديو لسعودي يعرض أولاده الأربعة للتبني بسبب سوء الأوضاع المعيشية التي يعاني منها، مطالبا من يستطيع توفير حياة كريمة لأولاده الذين تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 13عام، بالتكفل بهم بعد أن عجز عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وقال المواطن السعودي صاحب الفيديو المنشور، إنه لا يستطيع تحمُل رؤية أولاده في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي يُعاني منها هو وزوجته، بسبب قلة دخله، وذلك في الوقت الذي تسيطر السلطة السعودية على المال دون رقابة شعبية وتحرم الشعب منه.
فضلا عن تخصيصها ميزانيات ملياريه ضخمة لفعاليات موسم الرياض دون دراسة اقتصادية أو تدقيق مالي، قدرها مراقبون عقب فعاليات الموسم الأول بـ27 مليار ريال سعودي، صرفت على عقود لاعبين ومغنيين ومصاريف تشغيلية، وليست أصولا.
فيما كشف تركي آل الشيخ، أن الدخل المبدئي للهيئة من موسم الرياض الماضي تعدّى 6 مليار ريال سعودي؛ فيما تجاوز الدخل غير المباشر والتغير في التدفقات النقدية من “مدى”، خلال الفترة الزمنية للموسم، 4 مليارات ريال.
فإذا طرح إجمالي الدخل 10 مليار ريال، من إجمالي الصرف المقدر بـ27 مليار ريال، يكون الموسم قد خسر 17 مليار ريال، وهو ما لا يذكر في البيانات الرسمية ولا في تصريحات المسؤولين، ومقياسا على تغيب حقيقة الهدر في الصرف على الترفيه، تغيب حقيقة البطالة.
رئيس المجلس التنفيذي لحزب التجمع ناصر العجمي، عقب على الأرقام المعلنة بشأن البطالة، قائلا إن هناك إشكاليات قديمة في طريقة حساب معدل البطالة، تجعله يكون أقل بكثير مما هو عليه، متوقعا أن المعدل الحقيقي ضعفين أو ثلاثة أضعاف المعلن عنه.
وأشار في حديثه لـ”الرأي الآخر” إلى أن هناك إعلانات شبه شهرية مع كل مشروع جديد بأنه سيوفر مئات الألوف من الوظائف، لكن في الواقع لا وجود لها ولا يحس بها الشعب.
وأكد العجمي، أن الحكومة السعودية مهما حاولت التلاعب بمعدل البطالة، فالمواطنين يلتمسون وجودها في بطالة أقاربهم.
وفي أعقاب ترويج النظام في المرة الأولى لانخفاض معدلات البطالة، أكد حزب التجمع الوطني السعودي المعارض، أن السلطات فشلت فشلًا ذريعًا في الحد من البطالة، وأخفقت في ملف التوظيف وتستهتر بمعاناة أبناء وبنات الشعب.
وأضاف أن السلطات أثبتت أن ما أطلقته من وعود خلال السنوات الماضية، للاستهلاك الإعلامي والترويج الغربي، لتهدئة المواطنين وامتصاص غضبهم وإدمانهم على المسكنات والحلول المؤقتة والجزئية بالداخل، وبيع المشاريع الوهمية وحملات الإلهاء خارجياً.
واستنكر الحزب عدم وجود شفافية كافية تسمح للمواطنين بمعرفة الحقيقة، وعدم السماح للمجتمع المدني بمراقبة أداء السلطات، ودون الاعتراف بحق المجتمع ومؤسساته وممثليه في المشاركة في حل هذه المشكلة.
وسبق أن قال ولي العهد أن الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، تهدف إلى خفض معدل البطالة إلى 7 % بحلول 2030، إلا أن خبراء الاقتصاد أكدوا أن طموح ولي العهد السعودي لتخفيض البطالة على نحوٍ حاد لا يمكن تطبيقه وأنه بعيد عن المنطق.
واستنكر عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض سعيد الزهراني، تصريحات بن سلمان، قائلا إن من يظن أن ولي العهد يسعى لخفض معدلات البطالة فهو “واهم”.
وأكد في حديث سابق له مع “الرأي الآخر”، أن بن سلمان لا يريد حل أزمة البطالة لأنها وسيلة إلهاء فعالة يستخدمها لإبقاء الشعب مشغول في البحث عن لقمة العيش، مشيرا إلى أن الأحداث تزيده يقيناً أن بن سلمان لا يهتم بالعاطلين.
وذكر الزهراني، بمقابلة سابقة لرئيس هيئة الترفيه قال فيها “ماني فاضي للسعودة الآن”، قائلاً إن ما قاله آل الشيخ انعكاس لأوليات بن سلمان.
واستطرد: “لو كان بن سلمان فعلا حريص على شباب الوطن المعطلين لما شاهدناه يزج بالاقتصاديين بالمعتقلات في الوقت الذي نحن بحاجة لهم أكثر من أي وقت مضى”، مندداً باعتقال عصام الزامل وجميل الفاسي لمخالفتهم للرأي الواحد.