شدوى الصلاح
روايات شهود العيان تكون دوماً هي الأقرب للتصديق، لذلك تتجاهل السلطات الإماراتية المطالبات الحقوقية بتمكين لجانٍ أمميةٍ من زيارة سجونها والاطلاع على أوضاع المعتقلين، وتظن أنها بذلك تحكم سيطرتها على سجونها وتضمن بقاء الحقيقة طي الكتمان، حتى تصطدم بقضايا وصلت إلى الإعلام الخارجي مما يضعها في حرج يدفعها للتعامل معها.
روايات البريطانيين المفرج عنهم بعفو أميري أو بتدخل دبلوماسي أو بضغط دولي تثبت مدى بشاعة الممارسات غير الأخلاقية التي تنتهجها السلطات الإماراتية في سجونها بحق المقيمين، بداية من توقيفهم مروراً بالتحقيق معهم وانتزاع الاعترافات وصولاً لإصدار أحكامٍ تعسفية وزجهم في سجون موبوءة وانتهاك حقهم في التواصل مع ذويهم والمحامين.
نسرد في هذا التقرير بعضٍ من الروايات التي طرحت إعلامياً على لسان بريطانيين معتقلين سابقين في سجون الإمارات، تحدثوا عن معاناتهم وما عايشوه من تعذيب وتنكيل واغتصاب وتحرش وصعق بالكهرباء وانتزاع إفادات وإجبار على التوقيع على اعترافات مكتوبة باللغة العربية، بالإضافة إلى استمرار معاناتهم النفسية بعد الإفراج عنهم.
طاولة الطاهي
صحيفة ميترو البريطانية كشفت في مقال لها عن معاناة الطاهي البريطاني لوك توللي، البالغ من العمر 43 عاما، قضى 19 شهراً في سجون الإمارات بتهمة “باطلة” في قضية تجارة مخدرات رفعت ضده هو واثنين من أصدقائه في أغسطس/آب 2019، وأطلق سراحه مؤخراً.
وذكرت أنه عانى أكثر من عام في زنازين مزدحمة أثناء وباء كورونا، لأن الشرطة أساءت تفسير نص تم إرساله إليه من شخص يطلب حجز طاولة لـ10 أشخاص واعتبرته رمزاً للمخدرات، ونقلت عنه روايته التي أوضح فيها أن الشرطة الإماراتية اقتحمت بيته بلباس مدني ولم تبرز مذكرة تفتيش، وركلت الباب، وأمسكت به، وسألته عن 10 جرامات من الكوكايين.
وقال الطاهي البريطاني، إن الشرطة الإماراتية فتشت منزله لمدة تصل إلى ساعتين ولم يجدوا أي شيء يربطه بأي جريمة، وأمسكوا به ووضعوا يده وراء ظهره وقيدوه وخلعوا قميصه ولكموه في بطنه، وهددوه برميه من الشرفة، وأثناء التحقيقات هددوه بالصعق بالكهرباء، وأعطى إفادة مكتوبة بالعربية للتوقيع عليها.
وأضاف أنه أصيب بكورونا بينما كان محتجزًا في غرفة بها 60 سريرًا بطابقين برفقة الكثير من النزلاء الذين ينامون على الأرض، قائلا: “لا أحد يعرف ما الذي يحدث.. لقد سمعنا جميعًا من الخارج أنها حالة حظر صحي.. وبعضنا أصيب بكورونا، والبعض ماتوا”.
محلول شيشة
“بيلي هود” مدرب كرة قدم بريطاني (24 عامًا)، اعتقل في الإمارات بزعم حيازته محلول “شيشة إلكترونية”، ويقضي حكمًا وراء القضبان في أحد أكثر سجون دبي شهرة بعد أن حكم عليه بالسجن لمدة 25 سنة، وقالت عائلته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إنها تخشى على سلامته لأنه لم يتواصل معهم بعدما تعهد بفضح انتهاكات رجال الشرطة في الإمارة.
وأوضحت عائلته أنه تعرض للضرب بشكل متكرر لمدة خمسة أيام متتالية بينما حاول الضباط إجباره على الاعتراف بجرائم المخدرات التي أكد أنها ليست له، مشيرة إلى أنه وقع فقط على اعتراف تهريب مخدرات مكتوب باللغة العربية، لأن المسؤولين أخبروه أنهم سيتوقفون عن ضربه إذا فعل ذلك.
وأخبر بيلي محاميه أن الشرطة هددته بالصعق الكهربائي وقالوا إنهم مهتمون به فقط بسبب شيء رأوه على وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك سمح لهم بتفتيش سيارته وشقته لإثبات براءته.
مشجع كرة
علي عيسى أحمد (28 عامًا) مواطن بريطاني، اعتقل في الإمارات لارتدائه علم قطر أثناء مباراة فاز فيها المنتخب القطري على نظيره العراقي في 22 يناير/كانون الثاني، ضمن مباريات كأس آسيا 2019 التي استضافتها أبو ظبي، والتي جاءت في أعقاب الأزمة الخليجية وحصار الإمارات وثلاث دول أخرى لقطر منذ يونيو/حزيران 2017، والذي انتهى مطلع 2021.
أحمد أعلن مقاضاة ستة مسؤولين إماراتيين كبار قال إنهم مسؤولون عن تعذيبه وسجنه دون وجه حق، مشيرا إلى تعرضه لإساءات عنصرية وأضرار نفسية وإهانة وتعنيف كادت تحمله على الانتحار، بالإضافة إلى التعذيب بالضرب، والصعق بالكهرباء والطعن والحرق، والإيذاء المتعمد والإهمال أثناء الاحتجاز.
وشملت لائحة الادعاء التي تقدم بها أحمد، على ستة مسؤولين إماراتيين، بمن فيهم المستشار صقر سيف النقبي، رئيس نيابة أمن الدولة في أبوظبي، واللواء فارس خلف المزروعي، القائد العام لشرطة أبوظبي، واللواء أحمد ناصر أحمد الظاهري، الرجل الثاني في قيادة أمن دولة أبوظبي.
اغتصاب بالقوارير
رجل الأعمال البريطاني “دافيد هيغ” الذي كان مديراً سابقاً لنادي ليدز البريطاني لكرة القدم، كشف عن تعرضه للتعذيب خلال احتجازه في إمارة دبي دون وجه حق لقرابة عامين، والذي وصل حد صعقه بالكهرباء والاغتصاب والضرب والتعذيب الشديد، مشيرا إلى احتجازه إثر تلفيق قضية له بسبب خلاف تجاري مع شخص مقرب للحكومة الإماراتية.
وأضاف أنه تعرض لصنوف العذاب بهدف دفعه للتنازل عن حقوقه المالية، قائلا: “لا أعرف كيف تم إيقافي دون إثباتات أو تحريات، وتعرضت منذ اليوم الأول للضرب والركل حتى فقدان الوعي، وكُسرت عظامي، وتعرضت حتى للاغتصاب باستعمال قوارير المشروبات الغازية؛ حيث تم إدخالها في مناطق حساسة”.
وأوضح أنه أمضى أشهر في المستشفى بعد إطلاق سراحه، وقرر بعدها عدم السكوت وفضح ممارسات السلطات الإماراتية؛ فقد كان شاهداً على تعذيب مئات مثله، قائلا: “الرهيب في الأمر هو ما رأيته يفعلونه بالناس هناك (في المعتقلات)، بصفة منتظمة”.
ذريعة التجسس
طالب الدكتوراه البريطاني ماثيو هيدجز، قضى 7 أشهر في سجن انفرادي بالإمارات، وتعرض للتعذيب والتخدير وعصبت عيناه وأجبر على الوقوف طوال اليوم بالأغلال، واعترف مجبرا بأنه كان يتجسس لإنهاء عذابه، واتهم أحمد ناصر الريسي، الذي عين مؤخرا رئيسا للإنتربول، بتعذيبه حين كان مسؤولا عن السجون.
ماثيو أعفى عنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لكنه أصيب باضطراب ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب، عقب استجوابه وقضاءه فترة حبس انفرادي، ومازال مدمناً الأدوية التي أجبره سجّانوه على تناولها، ويعاني توتراً شديداً، ونوبات ذعر، وإرهاقاً دائماً وعدم رغبة في مغادرة المنزل.
اعتقل ماثيو وهو في طريقه لمغادرة دبي بعد رحلة بحثية استغرقت أسبوعين، عن قضايا الأمن بالشرق الأوسط، وهو موضوع أطروحته للحصول على درجة الدكتوراه، وأدين بتهمة “محاولة الحصول على معلومات سرية عن الإمارات”، وحُكم عليه في البداية بالسجن مدى الحياة قبل أن يحصل على عفو.
حيازة كوكايين
الطالب البريطاني في كلية الطيران بالإمارات أحمد زيدان، سجن في الإمارات منذ 2014، وحكم عليه بالسجن 9 سنوات بتهمة حيازة 4 غرامات من الكوكايين في سيارة كان يستقلها، وأفرج عنه في 2017، لكنه اتهم السلطات الإماراتية بتعذيبه للاعتراف بحيازته للمخدرات، ووضعه في سجن انفرادي بسبب شكواه من سوء الأوضاع.
وكانت عائلته قد طالبت المنظمات الحقوقية ووزارة الخارجية البريطانية، إبان فترة اعتقاله بالتدخل، إلا أن المساعي فشلت، فدخل في إضراب عن الطعام لمدة 3 أيام، وطلب عفواً من حاكم الشارقة لأنه كان معتقلاً في سجن في إمارة الشارقة، وأكد والده أن ابنه يعامل في الإمارات كمواطن درجة ثالثة لأن اسمه ليس أجنبي.
وعقب الإفراج عنه قال والده إن ابنه “منهك نفسيا وجسديا ويحتاج إلى الراحة ليسترجع لياقته ويتعافى من نوبات الصرع التي كانت تصيبه في السجن، ولا شيء يعوضه عن معاناة السجن النفسية والمادية”.