شدوى الصلاح
أسهل الطرق للقضاء على المعتقلين، إيداعهم مع مرضى نفسيين، أو متطرفين لديهم أوامر بتصفيتهم ثم التحفظ على جثثهم وإصدار التقارير لاستيفاء الأوراق ومن ثم يصبح المعتقل مجرد عدداً مضافاً لمعدلات الوفيات.. هذا ما تفعله السلطة السعودية بحق المعتقلين في سجونها، وتخرج للإعلام مرتدية عباءة محاربة التطرف التي ترتكب تحتها أبشع الانتهاكات.
وبرز استخدام السلطات السعودية لهذا التكتيك مع العلماء والدعاة والكفاءات الوطنية المؤثرة في المجتمع الموجودين بالمعتقلات، في تغيير لتكنيك القتل البطيء بالإهمال الصحي المتعمد والتعذيب الجسدي، وسط تجاهل الدعاة والشيوخ والعلماء ممن بقي خارج المعتقلات، بالإضافة إلى صمت هيئة كبار العلماء بالمملكة على تجاوزات السلطة.
القائمين على حساب معتقلي الرأي المعني بمواكبة أخبار المعتقلين في المملكة، طالبوا في تغريدة أمس الأحد بالحرية للأكاديمي السعودي بجامعة طيبة الشيخ الدكتور إبراهيم هائل اليماني، المعتقل ضمن حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد ثلاثة أشهر من وصوله لولاية العهد، والتي عرفت باعتقالات سبتمبر/أيلول 2016.
وأوضحوا أن أخبار اليماني منقطعة منذ نقله إلى إحدى الزنازين المودع بها بعض المتطرفين وتهديدهم له بالقتل، محملين السلطات مسؤولية الحفاظ على حياته؛ وأطلقوا منتصف ديسمبر/كانون الأول2021، حملة إلكترونية تهدف إلى إنقاذه، تفاعل معها آلاف المغردين مطالبين بالكشف عن مصيره.
وكان القائمين على حساب معتقلي الرأي، قد رصدوا أبرز الانتهاكات التي تعرض لها اليماني، ومنها الإهمال الصحي المتعمد، وعدم منحه إفراجا مؤقتا لحضور دفن والده وجنازته في 2020، ووضعه في الحبس الانفرادي، وحرمانه من الزيارات والتواصل مع أهله، ومحاكمته في جلسات سرية، ومنع الأدوية ومسكنات الآلام عنه، ومؤخرا نقل إلى زنزانة المتطرفين.
منظمة القسط لحقوق الإنسان، استبقت الحملة الإلكترونية بإيضاح أنها علمت من مصادرها عن تعريض حياة اليماني للخطر، وذلك بعد نقله إلى زنزانة بها أربعة تكفيريين، هددوه بالقتل مرات عدة كما حدث مع الإصلاحي الراحل موسى القرني من قتل متعمد داخل محبسه.
وأعربت في بيان لها 14 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن قلقها من احتمالية تعرض اليماني لما تعرض له القرني، خاصة أنه تعرَّض سابقًا للإهمال الطبّي وتدهورت حالته الصحية كثيرًا، مشيرة إلى أنه أخطر إدارة سجن الحائر بالتهديد الذي تعرَّض له، وبالخطر الذي يتربص حياته، إلا أنّ إدارة السجن تجاهلت شكواه.
وأشارت القسط إلى أن السلطة تتّبع أساليب عدَّة في الانتقام من الإصلاحيين والناشطين الحقوقيين في السجون، إمّا بالإهمال الطبّي، مثلما حدث مع الراحل الدكتور عبدالله الحامد؛ وما أدى إلى وفاته في أبريل/نيسان 2020، أو بنقلهم إلى زنازين بها مرضى نفسيون مثلما حدث مع الدكتور محمد القحطاني وخالد العمير.
محمد القحطاني هو أكاديمي وناشط سعودي، وأحد مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية حسم، وأحد المدافعين عن حقوق الإنسان منذ عقود، وكان مقرباً من الأكاديمي السعودي الراحل عبدالله الحامد، ومعتقل أيضا في سجن الحائر بعد الحكم عليه بالسجن 10 سنوات عام 2013، على خلفية نشاطه الحقوقي والإصلاحي.
خاض معركة الأمعاء الخاوية عدة مرات، ودخل في إضراب عن الطعام احتجاجا على ظروف احتجازه المتردية والتضييق عليه فيما يتعلق بالتواصل مع عائلته، أبرزها في ديسمبر/كانون الأول 2020، وكرره في أغسطس/آب 2021، احتجاجا على سوء معاملته، واحتجازه في عنبر خاص بسجناء الأمراض النفسية، المحتاجين للمستشفيات وليس للسجون.
وكانت زوجته مها القحطاني، قد كشفت أن أحد المرضى النفسيين تسبب يوم 13 أغسطس/آب 2021، بإشعال حريق في الجناح الذي يتم احتجاز زوجها فيه، موضحة أنه “لولا لطف الله ثم قدرة السجناء على إطفاء الحريق لحلت كارثة كبيرة”.
الناشط خالد العمير، معتقل منذ يونيو/حزيران 2018 بعد تقديمه شكوى للديوان الملكي ضد مسؤولين عن تعذيبه أثناء قضائه حكمًا سابقًا بالسجن ثماني سنوات، على خلفية مطالبته بإطلاق سراح المعتقلين، ومحتجز بسجن الحائر، ومحكوم بالسجن تسع سنوات، يتلوها منع من السفر مدة مماثلة.
وفي 18 أغسطس/آب 2021، كشفت “القسط” النقاب عن محاولة قتل تعرض لها العمير، من سجين آخر رغم عدم احتكاكه أو معرفته بهذا السجين من قبل، وذلك في 30 يوليو/تموز 2021، ليختفي ذاك السجين عن الأنظار ولم يرهُ مجددًا، داعية للتحقيق في الحادثة، خاصة وأن السجن مراقب بالكاميرات، وتستطيع الجهات المسؤولة اكتشاف ملابسات الاعتداء.
هذا إن كان المسؤولين لديهم رغبة بالأساس في الكشف عن ما يحدث داخل السجون، وليس التكتم، وتجاهل المطالبات بالتحقيق كما حدث مع اليماني، الذي لا يعلم أحد حتى الآن مصيره وما فعله به المتطرفين داخل محبسه، رغم التحذيرات الحقوقية والإعراب عن الخوف بأن يلقى نفس مصير القرني.
الدكتور موسى القرني، لقب بشيخ الحقوقيين وهو أحد إصلاحي جدة وأكاديمي ومحامي، اعتقل في فبراير/شباط 2007، مع مجموعة مكونة من تسع أفراد، وتم الزج بهم في القضية التي عُرفت فيما بعد بـ “خلية الاستراحة” أو “إصلاحيو جدة” لتقديمه لائحة إلى الملك عبد الله -العاهل السعودي آنذاك- تطالب بالحرية والعدالة، والمساواة، والتعددية، والديموقراطية.
وقد حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً، في محاكمة افتقرت إلى أدنى معايير المحاكمة العادلة، وحُرم فيها المعتقلون من التمثيل القانوني أو الدفاع عن أنفسهم، وكشفت مصادر حقوقية مقربة منه أنه لاقى صنوفًا من التعذيب بنوعيه الجسدي والنفسي قادته إلى أمراضٍ عقلية ونوباتٍ من الجنون خلال تعذيبه داخل محبسه بسجن ذهبان.
وأعلنت وفاته في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعدما قضى 15 سنة؛ ورفض السلطات تسليم جثمانه، وأكدت القسط تعرضه للتعذيب لمرات عدة، قائلة إنها ثبت لها تعمد السلطات الإضرار به بإعطائه أدوية نفسية غير مناسبة وتعريضه لظروف قاسية لإلحاق الضرر به، مشككة في طبيعة الوفاة، فيما كشفت منظمة سند الحقوقية أنه قتل ضرباً داخل محبسه.
ونشر رئيس مجلس إدارة منظمة سند الحقوقية المعارض السعودي الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، وثيقة تثبت وفاة القرني، بسبب ضربه في الرأس والوجه، مشيراً إلى أن عادل الصبحي مدير سجن ذهبان -سيئ السمعة الذي يقع في مدينة جدة غرب المملكة-، تعمد سجن القرني مع التكفيريين.
وأوضح الغامدي، أن محاولات جرت مع إدارة السجن لنقل القرني مع كبار السن أو في الانفرادي لأنه مهدد بالقتل، وسبق أن ضربه الغلاة بتحريض من الصبحي، ثم اعتُدي عليه أخيرا وضرب في وجهه حتى مات؛ وطالبت منظمته بتدخل عاجل من المنظمات الدولية لإجراء تحقيق شامل يكشف حقيقة هذه الانتهاكات.
وفي تصريحات للرأي الآخر، قال المستشار القانوني وخبير حقوق الإنسان ناصر يحيى، إن ما تكشف في وثيقة الطب الشرعي بشأن تعرض القرني، للضرب على الرأس والوجه، مما أسفر عن وفاته، يعد عملية قتل غير مباشر من قبل سلطات السجن، مستنكرا قتله باستخدام النزلاء التكفيريين كسلاح قتل.
وأضاف أن سلطات السجن تحاول بذلك إبعاد الشبهات عنها وربما إلقاء التهم على الغير، وأنه بغض النظر عن سبب الوفاة المباشر، فبلا شك ساهم التعذيب والإهمال الطبي والأمني الذي تعرض له القرني، في تدهور وضعه الصحي وتعرضه لجلطات، مما أودى بحياته.
ووصف المستشار القانوني، عدم تسليم جثمانه بأنه “تستر وتشفي بروح القتيل وإذلالاً لأهله الذين لم يسلموا من الإهانات طوال سنين سجن القرني ويبدو كمحاولة لإخفاء آثار التعذيب والإهمال الطبي الذي تعرض له”، موضحا أن امتناع السلطة عن تسليم الجثمان بدون مبرر “انتهاكاً للنظام ولكرامة المتوفى وحقوق أهله”.