في ظل تعامل حكومة الانقلاب في مصر مع مطالبات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، باتخاذ إجراءات إصلاحية تجاه الأوضاع الحقوقية المتردية، بالتجاهل مرة أو باعتبار الأمر تدخلا في الشأن المصري و”تسيس” للملف الحقوقي للضغط على الدولة ، ادعى رئيس الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، بأن مصر حريصة على حقوق الإنسان من منظور فكري ومعتقدات تمارسها، حول عدم التمييز على أي أساس ديني أو غيره، متجاهلا الانتقادات الموجهة للسُلطات المصرية، والتي يعتبرها تدخلا في الشأن المحلي.
يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أمس الإثنين، توقف نشاطها بعد ما أكد مدير الشبكة جمال عيد، أن السُلطات المصرية أوصلت رسالة للشبكة مفادها حظر العمل على حرية التعبير وأوضاع السجون، وهما النشاطان الرئيسيان للشبكة منذ إنطلاقها.
ولم يكن تصريح السيسي عن حقوق الإنسان هو الأول من نوعه الذي يصدر عن دولة الانقلاب، التي لا تكف عن زعم مراعاة الحقوق والحريات، وكان أخرها تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لشهر سبتمبر/أيلول 2021.
وادعت حكومة الانقلاب في التقرير، احترام حقوق الإنسان والحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية، نافية عن نفسها الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها أجهزة الأمن المصرية على مرأى ومسمع من الجميع.
وفي المقابل، دعت منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في نوفمبر/تشرين 2021، الحكومة المصرية إلى التوقف عن الادعاءات الكاذبة والمضللة الواردة في التقرير، مؤكدين أن الملف الحقوقي في مصر يعاني خروقات فادحة.
وطالبت المنظمات الحقوقية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برفع التقرير من جميع منصات الأمم المتحدة الإلكترونية، مشددين على ضرورة فتح تحقيق في ملابسات صياغة ونشر هذا التقرير المجافي للواقع المصري وتقديم نتائجه للعموم.
وفي مايو/أيار 2021، طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، السلطات المصرية بتنفيذ 7 إجراءات لوقف ما وصفوه بـ”التدهور غير المسبوق” في أوضاع حقوق الإنسان.
ودعت الخمس منظمات في بيان إلى الآتي: “الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية، وإنهاء الحبس الاحتياطي مفتوح المدة، ووقف تدوير السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون، ورفع حالة الطوارئ المفروضة بالمخالفة للدستور”.
كما حثت المنظمات في بيانها، مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات والأفراد والمصريين في الخارج والمنظمات الدولية، إلى متابعة تنفيذ هذه الإجراءات والإصلاحات لوقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الشعب المصري.
وبينما يصرح المسؤولون في مصر، بأنه لا يوجد معتقلي رأي أو سجناء سياسيون، والتغني بأن القضاء مستقل، يقبع في السجون والمعتقلات ما يقارب الـ60 ألف سجين بينهم السياسيين والصحفيين والحقوقيين، بقائمة تُهم مُعدة مُسبقا تشمل الإضرار بمصالح الوطن ونشر أخبار كاذبة وتهديد الأمن والإرهاب.
وتهتم الصحف الدولية بالانتهاكات الحقوقية والاعتقالات التي تطال حقوقيين مصريين بارزين، وتطالب بوضع حد للأكاذيب المتداولة عن مراعاة الحريات وحقوق الإنسان في مصر، والتوقف عن استخدام الأساليب الاستبدادية لمواجهة المعارضين.
صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قالت إنه “بعد 7 أعوام من حملة لسحق أي نقاش نقدي، زاد النظام المصري مرة ثانية من حملته القمعية ضد المجتمع المدني”، مشيرة إلى اعتقال مسؤولين بارزين في عدد من المنظمات الحقوقية المصرية.
وعلقت صحيفة لوموند الفرنسية، على حملة اعتقالات نوفمبر/تشرين الثاني 2020 للحقوقيين، ووصفتها بأنها هجوم جديد على المجتمع المدني في مصر، التي يمكث في سجونها 60 ألف سجين سياسي.
أما في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أكدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن الحكومات الغربية ومنظمات حقوق الإنسان ظلت على مدى السنوات الماضية، تطالب السيسي بالتوقف عن قمع معارضيه، واعتقال الآلاف من الناشطين والصحافيين.
ومنذ انقلاب السيسي في يوليو/تموز 2013، على الرئيس الشرعي محمد مرسي، يقبع في السجون عشرات الآلاف من المعتقلين المتهمين بانضمامهم إلى الإخوان المسلمين، التي اعتبرتها السلطات حركة إرهابية، ومع أي أزمة اقتصادية أو اجتماعية تحدث، تهرع أجهزة الأمن إلى اعتقال المئات، في ظل إحكام السيطرة التامة على الإعلام.