أعربت 15 منظمة حقوقية دولية عن عميق قلقها بشأن تبني دولة الإمارات مؤخرًا قانونًا جديدًا لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، مؤكدة أنه “يهدد بشدة ويقيد بشكل غير ملائم الحق في حرية التعبير (على شبكة الإنترنت وخارجها) والحق في حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي”.
ودخل قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، الذي تم تبنيه بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لعام 2021، حيز التنفيذ في 2 يناير 2022 ليحل محل القانون الاتحادي السابق رقم 5 لعام 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
وأكدت المنظمات، في بيان وصل موقع “الرأي الآخر”، أن النص الجديد لا يعالج الأحكام الإشكالية لسابقه، بل على العكس، يقيد الحيّز المدني وحرية التعبير داخل الإمارات ويحافظ على تجريم الأفعال المحمية بموجب القانون الدولي.
وقالت المنظمات إنها “تشعر بالقلق من أن المصطلحات الفضفاضة والغامضة المستخدمة، ولاسيما فيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بـ “أمن الدولة”، إذ تمنح السلطات الإماراتية سلطة تقديرية مفرطة لتجريم وفرض عقوبات سجن طويلة على الأفراد الذين يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي”.
وأضافت المنظمات “كما يسمح القانون بتجريم عمل الصحفيين والمبلغين والنشطاء والنقاد السلميين، ويعرض أولئك المنخرطين في أنشطة مشروعة لعقوبات سجن قاسية وغرامات باهظة”.
ودعت المنظمات السلطات الإماراتية إلى إلغاء القانون على الفور أو تعديل أحكامه بشكل كافٍ بحيث يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
تعريفات غامضة وفضفاضة
وبموجب المادة 1 من القانون الجديد، يُعرَّف “المحتوى غير القانوني” بأنه المحتوى الذي يهدف من بين أشياء أخرى إلى “الإضرار بأمن الدولة أو بسيادتها أو أيًا من مصالحها […] أو خفض ثقة العامة في […] سلطات الدولة أو أي من مؤسساتها”.
وذكرت المنظمات أن “هذا التعريف الغامض لا يفي بمعايير الوضوح القانوني والقدرة على التنبؤ ولم تتم صياغته بدقة كافية للسماح للأفراد بتنظيم سلوكهم وفقًا لذلك”.
وأوضحت أن “استخدام المصطلحات الفضفاضة وغير الدقيقة مثل الإضرار بـ “أمن الدولة” وتقليل “ثقة العامة” في الدولة يمكّن السلطات بشكل فعال من حظر جميع أنواع الخطابات عبر الإنترنت التي قد تنتقد السلطات أو حكام الإمارات”.
وأضافت “في الواقع، تفرض المادة 53 من القانون غرامة كبيرة تتراوح بين 300.000 و10.000.000 درهم (حوالي 81.678 دولارًا أمريكيًا إلى 2.723.000 دولار أمريكي) على أي فرد يستخدم الإنترنت أو حسابًا إلكترونيًا لتخزين “محتوى غير قانوني” أو مشاركته.
ورأت المنظمات أن “الأمر الأكثر إثارة للقلق، على غرار أحكام قانون 2012 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، فإن المادة 20 من النص الجديد تفرض عقوبة بالسجن مدى الحياة على أي فرد “أنشأ أو أدار موقعًا إلكترونيًا أو أشرف عليه أو نشر معلومات أو برامج أو أفكار تتضمن أو تدعو إلى قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة”، وبالتالي إسكات وتجريم وحظر أي شكل من أشكال المعارضة السياسية داخل دولة الإمارات”.
تقلص الحيّز المدني وحريات الصحافة
وتحظر المادة 22 من القانون وتفرض عقوبة بالسجن على استخدام الإنترنت لمشاركة أي منظمة أو مؤسسة، مستندات أو تقارير أو بيانات من شأنها “الإضرار بمصالح الدولة أو أجهزتها الحكومية أو الإساءة إلى سمعتها أو هيبتها أو مكانتها”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المادة 43 تجرم وتعاقب بالسجن السب والقذف، والتي تعتبر بموجب نفس المادة، ظرفا مشدداً للجريمة عند توجيهها ضد موظف عام.
ومع ذلك، فإن المادتين 22 و43 لا تحددان الحد الأقصى أو الحد الأدنى لعقوبات السجن المنسوبة إلى مثل هذه الأفعال.
وقالت المنظمات: “وبالتالي، فإننا نشعر بالقلق إزاء استخدام مثل هذه المصطلحات الغامضة والفضفاضة وغياب عقوبة قصوى تمكن السلطات فعليًا من فرض عقوبات غير متناسبة على الأفعال المحمية بموجب المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
كما أبدت المنظمات الحقوقية قلقها من أن السلطات الإماراتية ستستخدم هذه المادة لاستهداف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون على تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث داخل الإمارات.
وأشارت المنظمات إلى أن “المادة 22، المدرجة أصلاً في قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2012، استخدمت أيضًا من قبل السلطات القضائية الإماراتية للحكم على المدافع الإماراتي عن حقوق الإنسان، أحمد منصور بالسجن 10 سنوات، وما زال محتجزًا بشكل تعسفي حتى الآن”.
كما تُجرّم المادة 25 من قانون 2021 “السخرية” أو “الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو إحدى سلطاتها أو مؤسساتها أو أي من قادتها المؤسسين أو علم الدولة أو عملتها”، وتعاقب المادة 28 استخدام الإنترنت لنشر المعلومات أو البيانات التي “تتضمن الإساءة إلى دولة أجنبية”.
وفي ضوء قمع السلطات المستمر ضد المدافعين الإماراتيين عن حقوق الإنسان والنقاد السلميين والمعارضين السياسيين، اعتقدت المنظمات أن “المواد المذكورة أعلاه ستعمل على تشجيع السلطات الإماراتية على إسكات أي شكل من أشكال المعارضة أو ممارسة الحق في حرية التعبير في الدولة، المحمية بموجب المادة 30 من دستور الإمارات”.
وإلى جانب ذلك، قالت المنظمات إنها تشعر بالقلق من أن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد سيمكن السلطات من خنق عمل الصحفيين في الإمارات.
وأضافت “على سبيل المثال، تحظر المادة 19 نشر ومشاركة أي محتوى أو بيانات أو معلومات “لا تتوافق مع معايير المحتوى الإعلامي الصادر من الجهات المعنية” وتخضع هذه الأفعال لعقوبة سجن لا تزيد عن سنة واحدة”.
وذكرت أنه “وبموجب المادة 44 من القانون، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر على “الاعتداء على خصوصية شخص أو حرمة الحياة الخاصة أو العائلية” باستخدام الإنترنت أو أي جهاز إلكتروني لـ”نشر الأخبار أو صور إلكترونية أو صور فوتوغرافية أو مشاهد أو تعليقات أو بيانات أو معلومات ولو كانت صحيحة وحقيقية بقصد الإضرار بالشخص.”
وعبّرت المنظمات عن خشيتها من أن ذلك “يمكّن السلطات الإماراتية من استخدام هذه الذريعة لتجريم النقد أو تقييد جميع أشكال الصحافة التي قد تنتقد أي مسؤول حكومي أو عام”.
تجريم “الأخبار الكاذبة”
بالإضافة إلى ذلك، فإن المادة 52، التي تحمل عنوان “نشر الشائعات والأخبار الزائفة”، تفرض عقوبة بالسجن لمدة عام واحد كحد أقصى، على استخدام الإنترنت أو أي جهاز إلكتروني لنشر “إشاعات كاذبة” تتعارض مع “ما تم الإعلان عنه رسميًا” من قبل الدولة.
كما تجرم “بث أي دعايات مثيرة من شأنها تأليب الرأي العام أو إثارته أو تكدير الأمن العام […] أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة”.
وأيضاً، يتم زيادة عقوبة السجن إلى سنتين إذا كان أي من الأفعال الموجهة ضد “إحدى سلطات الدولة أو مؤسساتها أو إذا ارتكبت بزمن الأوبئة والأزمات الطوارئ أو الكوارث”.
وشددت المنظمات على أن “تجريم الأفعال الغامضة وغير الدقيقة، مثل ” تأليب الرأي العام أو” تكدير الأمن العام”، والتي قد تخضع لتفسير واسع من القاضي، لا يفي بمعايير الوضوح القانوني والقدرة على التنبؤ؛ وبالتالي، يمكن استخدام مثل هذه المصطلحات الفضفاضة لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والمبلغين عن المخالفات والصحفيين أو النشطاء الذين يسعون لنشر معلومات قد لا تتماشى مع المصالح السياسية للدولة أو حكامها، ولن يؤدي ذلك إلا إلى تقييد الحيّز المدني المتقلص بالفعل في الإمارات”.
الحق في حرية التجمع السلمي
وعلى غرار قانون عام 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، يجرم قانون 2021 الجديد الأفعال المشروعة المحمية بموجب الحق في حرية التجمع السلمي.
وتُجرم المادة 26، على سبيل المثال، استخدام الإنترنت “للتخطيط أو التنظيم أو الترويج أو الدعوة لمظاهرات أو مسيرات” دون الحصول على موافقة مسبقة من السلطات المختصة.
وفي نفس المادة، يفرض القانون غرامة تتراوح من 200.000 إلى 1.000.000 درهم (حوالي 54.450 دولارًا أمريكيًا إلى 272.260 دولارًا أمريكيًا) على مثل هذه الأفعال، بالإضافة إلى عقوبة السجن، دون تحديد الحد الأقصى لعقوبات السجن بشكل صحيح المنسوبة لمثل هذه الأفعال.
وذكّرت المنظمات أن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي أكدوا أن حرية التجمع السلمي “حق وليس امتيازًا، ومن ثم فإن ممارستها لا ينبغي أن يخضع لترخيص مسبق من السلطات”.
كما أكد هؤلاء أنه “في حالة الإخفاق في إخطار [السلطات] بشكل صحيح، يجب ألا يتعرض المنظمون أو القادة المجتمعيون أو السياسيون لعقوبات جنائية أو إدارية تؤدي إلى غرامات أو سجن”.
وقالت المنظمات: “وعلى هذا النحو، فإن تنظيم تجمع دون الحصول على موافقة من السلطات يجب، من باب أولى، ألا يؤدي إلى أي عقوبات جزائية أو غرامات”.
وفي ضوء جميع المواد الإشكالية الواردة في قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2021 والعواقب الوخيمة الشديدة لهذا القانون على حرية التعبير وحرية التجمع السلمي، مع المساهمة في تقليص الحيّز المدني في دولة الإمارات، دعت المنظمات السلطات إلى إلغاء القانون أو تعديله بشكل كبير وجعله يتماشى مع المعايير والقوانين الدولية لحقوق الإنسان.
الموقعون:
أكسس ناو (Access Now)
القسط لحقوق الإنسان
أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB)
منظمة المادة 19 (Article 19)
جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات (AVT-UAE)
سيفيكوس (CIVICUS)
الديمقراطية الآن للعالم العربيDAWN) )
مركز مناصرة معتقلي الإمارات (EDAC)
المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان (ECDHR)
مركز الخليج لحقوق الإنسان (GCHR)
الحملة الدولية للحرية في الإمارات (ICFUAE)
المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان (ICJHR)
الخدمة الدولية لحقوق الإنسان (ISHR)
منّا لحقوق الإنسان (MRG)
مراسلون بلا حدود (RSF)