خلص تحقيق أجرته شبكة سكاي نيوز إلى أن الصين تستهدف الأويغور والمعارضين في الخارج، وتضغط على دول أخرى لاعتقالهم وترحيلهم، حتى أن مسؤولين صينيين رفيعي المستوى يجرون استجوابات في “مواقع سوداء” في الخارج.
ويعمل العملاء والشرطة الصينيون بشكل روتيني في الخارج، في محاولة للتعرف على الأويغور الذين فروا من الصين، وتم إجبار البعض على التجسس لصالح الحكومة الصينية، والآخرون، الذين احتُجزوا في بلد ثالث، يختفون ببساطة.
وأثارت حملة القمع التي شنتها الصين ضد الأويغور والأقليات الأخرى في شينجيانغ، مع وجود أدلة على الاحتجاز الجماعي والعمل القسري والانفصال الأسري والتعقيم القسري، إدانة دولية.
وتشير المقابلات مع سبعة أشخاص إلى أن حملة القمع الصينية لا تقتصر فقط على شينجيانغ، بل هي دولية بالكامل.
وأصبحت دولة واحدة على وجه الخصوص أرض صيد سعيدة لأجهزة الأمن الصينية، وهي الإمارات، وفق تحقيق سكاي نيوز.
جيسور بورونكي هو رجل أويغوري، أصله من أورومتشي في شينجيانغ، حيث كان يعمل في لجنة الحزب الشيوعي الصيني المحلية، وغادر الصين في عام 2009 واستقر في هولندا.
وفي أغسطس 2019، تلقى رسالة فجأة بأن صديقا قديما من شينجيانغ يريد الاجتماع في دبي لمناقشة شيء مهم.
ما لم يعرفه جيسور هو أن زوجته السابقة، التي عاشت أيضًا في هولندا، كانت مُبلغة عن الانتهاكات، ولديها معلومات مهمة عن القمع في شينجيانغ.
وقال لشبكة سكاي نيوز: “قبل المغادرة، ذهبت إلى منزل زوجتي السابقة لأخبرها أنني سأذهب إلى دبي”.
وأضاف “أخبرتني زوجتي السابقة أن لديها وثيقة مهمة للغاية، وتساءلت عن سبب ذهابي إلى دبي”.
وأوضح “في كاشغر (مدينة في شينجيانغ) كان هناك معسكر، وتتعلق الوثيقة التي بحوزتها بقائمة تضم أكثر من 800 شخص وتواريخ ميلاد وعناوين منازل لأشخاص في المخيم”.
وعلى الرغم من مخاوف زوجته، وافق جيسور على عرض تذكرة للذهاب إلى دبي.
في المطار، استقبله صديقه وبعض الرجال الآخرين، وقالوا فيما بعد إنهم عملوا من أجل الأمن القومي الصيني.
وقال جيسور: “كان يعلم أنني ذهبت إلى منزل زوجتي السابقة لرؤية أطفالي”.
عندما قابل جيسور هؤلاء الأشخاص قالوا له: “في جهاز الكمبيوتر الخاص بها (زوجته السابقة)، هناك مستند نريده، إذا تعاونت معنا، وهذا سهل للغاية، فلن تعمل بجد في المستقبل، يمكننا أن نمنحك عمولة جيدة جدًا”.
وأضاف “أعطاني صديقي مفتاح USB لأقوم بإدخاله في كمبيوتر زوجتي السابقة حتى يتمكنوا من أخذ الملف”.
وتابع “عندما غادرت دبي، سألتهم عن أي مشكلة إذا مررت عبر الفحص الأمني ومعي مفتاح USB فقالوا إنه لا توجد مشاكل، وفعلوا ذلك كثيرًا”.
أخذ جيسور المفتاح إلى هولندا، وسلمه إلى أجهزة الأمن الهولندية.
استمر الصينيون في الاتصال لكن جيسور تجاهلهم، لكن كان من المستحيل تجاهل مكالمة فيديو واحدة لوالدته، التي لا تزال في الصين.
وقال له رجل يعمل في الأمن القومي الصيني “والدتك ليست بصحة جيدة، إذا تعاونت معنا، يمكنك مقابلتها قريبًا جدًا”.
وأضاف جيسور “أختي وأخي وأمي كلهم بأيديهم”.
وفي حالة أخرى، كان وانغ جينغيو مراهقًا عندما أعرب عن دعمه للمتظاهرين في هونغ كونغ في عام 2019، قبل أن ينتقد جيش التحرير الشعبي الصيني في عام 2020.
تم اعتقال والدي جينغيو في مسقط رأسه تشونغتشينغ في الصين، وكان هو يعيش في تركيا في ذلك الوقت، لكنهم جاءوا من أجله بعد ذلك، في أبريل من العام الماضي.
وقال جينغيو لشبكة سكاي نيوز: “كنت أقيم في فندق باسطنبول، وبينما كنت نائمًا، أجرى رجل صيني مكالمة هاتفية بمكتب استقبال الفندق وقام مكتب الاستقبال بالفندق بتحويل المكالمة إلى غرفتي، فقال لي المتصل: أنت مجرم.. سأقتلك، غيّرت الفندق وحدث الشيء نفسه مرة أخرى”.
كان جينغيو خائفًا وخطط للذهاب إلى الولايات المتحدة، ومر برحلته عبر دبي.
لكن في طريقه إلى بوابة مغادرة المطار إلى الولايات الأمريكية، سحبه ضابطان جانباً وأمروه بالذهاب معهم.
في مركز الاحتجاز، سُمح له بإجراء مكالمة؛ فاتصل بصديقته وو هوان.
قال: “طلبت منها الحضور إلى دبي لتدفع للمحامي، وتفعل شيئًا، وتساعدني”.
وصلت وو في اليوم التالي ليتم احتجازها أيضًا في مركز شرطة دبي، ثم في مركز الاحتجاز ثم في مكان آخر تمامًا.
قالت: “في 30 مايو، على الأرجح، جاء اثنان من الصينيين وأخذوني إلى غرفة الاستجواب، بعد أن قاموا بتقييد يدي ووضعوني في سيارة”.
وأضافت “أخذوني إلى فيلا ذات مظهر طبيعي، ولكن في الداخل، تم تقسيمها إلى العديد من الغرف الفردية الصغيرة وكانت الغرف مقفلة بأبواب حديدية، مثل السجن”.
وذكرت وو أنها رأت الأويغور داخل نفس الموقع الأسود، الذي قالت إنها تعتقد أنه في مكان ما في ضواحي المدينة.
وقالت لشبكة سكاي نيوز: “ذات يوم، عندما حان وقت تناول الطعام، رأيت فتاة تصرخ: لماذا حبستني؟ أريد العودة إلى تركيا، هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها شخصًا آخر بجانبي في الداخل، وبدت الفتاة وكأنها من شينجيانغ”.
وقال كل من وانغ جينغيو وو هوان إن المسؤولين الصينيين استجوبوهم على الأراضي الإماراتية.
وقال وو هوان “في رأيي، جاءوا من القنصلية الصينية، معظمهم على الأقل. في الوقت الحاضر، أعرف شخصًا واحدًا فقط، كان القنصل العام للقنصلية اسمه لي زوهانغ”.
كما تعرف وانغ على القنصل العام الصيني.
وأضاف “ذات مرة، أعتقد أنه في الزيارة الثالثة، قال لي القنصل العام لي زوهانغ: إذا وقّعت على هذه الوثيقة، في الأول من مايو، سنرسلك إلى قوانغتشو”.
والأويغور هم مجموعة من الناس- معظمهم من المسلمين- يعيشون بشكل رئيسي في منطقة شينجيانغ في الصين، ويعيشون هناك منذ مئات السنين.
واتُهمت الصين بحجز نحو مليون من الأويغور في مراكز في شينجيانغ لتغيير عقيدتهم.
وفي أبريل الماضي، أعلن نواب في المملكة المتحدة أن الأويغور والأقليات العرقية والدينية الأخرى في منطقة شينجيانغ الصينية يتعرضون للإبادة الجماعية.
وبعد الإعلان عن محنتهما، وتدخل ناشطين أمريكيين، تم الإفراج عنهما.
وقال وو هوان لشبكة سكاي نيوز: “إنه أمر مخيف للغاية”.
وأضاف “أنا بحاجة إلى تمزيق وجوههم المنافقة وإخبار العالم أجمع بهذه الأشياء.. دع العالم بأسره يعرف وجوههم القبيحة”.
والإمارات هي محور كل قصص الأشخاص الذين تحدثوا خلال تحقيق سكاي نيوز.
وفي السنوات الأخيرة، كانت الصين تعانق الدولة الشرق أوسطية الصغيرة بشدة.
كما وقعت الإمارات على مبادرة الاستثمار في الحزام والطريق الصينية، وتعد الصين الآن واحدة من أكبر شركائها التجاريين.
وقالت رادها ستيرلنغ، من مؤسسة “محتجز في دبي”، التي تساعد ضحايا الظلم الأجانب في الإمارات، لشبكة سكاي نيوز “الإمارات والصين هما أقوى شريكين تجاريين”.
والصين لديها أكثر من 6000 شركة تعمل في الإمارات، وهي أقوى حليف للإمارات من الناحية المالية”.
وأضافت ستيرلنغ “ليس ذلك فحسب، فكلاهما دول استبدادية، وكلاهما يمارس الرقابة ويتقاسمان الأمن”.
وفي نفس السياق، انتقل كل من أمانيسا عبد الله ونيغار يوسوب من الأويغور إلى تركيا مع اشتداد حملة القمع الصينية، لكن حتى هناك، لم تكن أسرهم آمنة.
في اسطنبول التقت نيغار بزوجها حسين، وبعد زواجهما، اعتقلت السلطات التركية حسين، وقالت إنه ليس لديه الحق في الإقامة في البلاد، وتم إرساله إلى مركز للعودة إلى الوطن.
بعد شهر، اتصل بزوجته، قائلاً إن ضابطي شرطة صينيين زاره.
وقالت نيغار لشبكة سكاي نيوز: لقد عرضوا عليه إما إعادته إلى الصين أو العمل معهم للتجسس على مجتمع الأويغور في تركيا”.
وأضافت “قالوا له: ستكون أعيننا وآذاننا وتخبرنا بما يفعله الأويغور”.
طلب حسين من تركيا ترحيله إلى الإمارات بدلاً من ذلك، مع خطة للذهاب من هناك إلى أوروبا، وكانت نيغار تذهب وتلتقي به في دبي”.
قالت: “آخر مرة سمعت فيها صوت زوجي كانت في 12 أكتوبر 2017، اتصل بي، ليس عبر واتساب لأنه ممنوع في دبي، وقال إن الشرطة الصينية تبحث عني، وربما يتم القبض علي، ولا أعرف ما هو مصيري”.
وتابعت “قال لي: أنا أوكل أطفالي إليكم. أشعر بالخجل من الموقف ولأنني تركتكم بلا حماية”.
وقالت: “يمكنك أن تحزن على شخص ما عندما يموت، والألم يمر، ولكن أن يختفي فجأة رجل، زوج، أب لطفلين.. هل مات، هل هو على قيد الحياة؟ أين هو؟ لا أعرف شيئًا”.
وبعد مرور عام، سافرت أمانيسا وزوجها أحمد وابنهما أيضًا إلى دبي لشراء ملابس للرضيع الذي كانا يتوقعانه.
وسرعان ما احتُجز أحمد في مركز للشرطة ثم نُقل.
وقالت أمانيسا لشبكة سكاي نيوز: “اتصل بي زوجي.. صوته كان يبكي، قال: لقد أخذوني إلى مكان آخر، أخذوا البول والحمض النووي وأحضروا جواز سفري يريدون ترحيلي إلى الصين”.
وساعد محامٍ أمانيسا، وأخبرها أن زوجها محتجز من الإنتربول في أبو ظبي.
وقالت: “ذهبت إلى هناك. لم يطلعونا على أوراق المحكمة وقالوا على زوجك أن يرحل وسنرحله، لأن الصين تريده”.
وكان آخر اتصال لها من زوجها في فبراير 2018.
وأضافت “طلب التحدث إلى ابني موسى، وقال له: اعتني بأمك. إنها حامل. أنت ابني، عليك أن تظل قويًا حتى أعود، ثم انقطع الهاتف ولم أكن أبدًا قادرة على التحدث معه مرة أخرى”.
ووفقًا لمجموعة حقوقية، تم اعتقال أو ترحيل 292 من الأويغور من دول العالم العربي بناءً على طلب الصين منذ عام 2001.