شدوى الصلاح
انتقد الأكاديمي والباحث التونسي الدكتور نبيل المصعبية، اعتزام الرئيس التونسي قيس سعيد المنقلب منذ يوليو/تموز 2021، حل المجلس الأعلى للقضاء، ودعوته الشعب للتظاهر في ذكرى اغتيال شكري بلعيد للمطالبة بحل المجلس، قائلا إنه يتبع الطريقة “السيساوية” للحصول على تفويض شعبي -في إشارة إلى رئيس الانقلاب المصري عبدالفتاح السيسي-.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن سعيد أطلق نداء من داخل أروقة وزارة الداخلية لإعطائه تفويضاً شعبياً لحل المجلس الأعلى للقضاء خلال مسيرة لإحياء الذكرى التاسعة لاغتيال الشهيد شكري بلعيد، مؤكدا أنه يواصل مساره الانقلابي بمزيد من الإجراءات التي تحاك حرفياً داخل الغرف المظلمة بمنطق إذا انقلبت فافعل ما شئت.
واستنكر المصعبية، وصف سعيد المجلس الأعلى للقضاء بأنه “أصبح من الماضي” لأنه رديف قوله إنه من الآن فصاعدا أنا المتحكم الأوحد في القضاء ولا استقلال له بعد الآن وأن العدالة في تونس صارت من الماضي، موضحا أن ذلك يعني أنه منحل فعلياً في نظره منذ اليوم الأول لانقلابه، يوم نصّب نفسه رئيسا للنيابة العمومية قبل أن يتراجع لاحقاً.
وأضاف: “على قدر ما في هذا الإعلان الجديد من جرأة على المؤسسات وانتهاك فاضح للأعراف إلا أنه لم يكن مفاجئا بعد أن مهد له سعيد بسيل من التصريحات المهينة للقضاء، الطاعنة في نزاهته وبعد أن أبطل في مرسوم سابق جميع المنح والامتيازات التي يتمتع بها أعضاء المجلس تنكيلا بهم وإذلالا لكرامتهم.
وأوضح المصعبية، أن الدستور ينص في فصله ١١٤ على أن المجلس الأعلى للقضاء هو الضامن لحسن سير القضاء واحترام استقلاله، وهو بمنطق الإدارة جهاز حوكمة وليس جهاز تنفيذ، قائلا إن من باب المغالطة الوقحة للشعب تحميل المجلس مسؤولية تأخر البت في القضايا أو التلكؤ في إيقاف المشتبه بفسادهم أو التسرع في إطلاق سراح المشتبه بإرهابهم، كما دأب على ذلك المنقلب في تصريحاته المتكررة.
وأشار إلى أن قرارات المجلس الأعلى للقضاء تتعلق أساسا بالمسار المهني للقضاة من ترقيات ونقل وتأديب، وهو من أرقى ثمار دستور ٢٠١٤ وأكثرها صلابة في ضمان استقلال القضاء عن نفوذ السلطتين التنفيذية والتشريعية وضمان توفير مناخ مهني سليم يحقق من خلاله القضاة واجبهم الوطني في حفظ العدالة وترسيخها دون أن يكونوا عرضة للترهيب أو الابتزاز.
يشار إلى أن سعيد أعلن فجر أمس الأحد 6 فبراير/شباط 2022، أنه سيمضي في إصدار مرسوم مؤقت للمجلس الأعلى للقضاء، قائلا: “فليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي من هذه اللحظة، وأنه يخدم أطرافاً معينة بعيداً عن الصالح العام وتباع فيه المناصب، بل ويتم وضع الحركة القضائية (التعيينات) بناء على الولاءات.
وتأتي إجراءات سعيد استكمالا لانقلابه وبذلك يحكم سيطرته على السلطات الثلاث “التشريعية والتنفيذية والقضائية”، فيما نفى رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر، وجود أي آلية قانونية أو دستورية مشروعة تسمح لسعيد بحل المجلس، واتهمه بتحريض المواطنين على المجلس والقضاة بعدما دعاهم للتظاهر.
وبدوره، رفض المجلس قرار سعيد والمساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية، ووصف القرارات بأنها إهدار مفاجئ لكافة ضمانات استقلالية القضاء وتقويض واضح للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها، مستنكرا اتهامه بالتقصير في البت في القضايا لأنه ليس وحده المكلف بالفصل فيها والمسؤول عن مآلها.
ودعا في بيان أصدره في أعقاب قرارات سعيد، القضاة إلى التمسك بمجلسهم باعتباره الضمانة الوحيدة التي تقيهم من خطر المساس باستقلاليتهم في أداء واجبهم وخطر تعريضهم للضغط.
فيما أعلن البرلمان التونسي المُجمدة اختصاصاته، رفضه للخطوة التي يعتزم سعيد اتخاذها، مشددا على أن “أي إصلاح (للقضاء) له أسسه الدستورية وشروطه القانونية”.
وقالت رئاسة البرلمان، في بيان، إنها “تتابع الإساءة المتواصلة منذ أشهر من قبل سعيد في حق المجلس الأعلى للقضاء، وما صحب ذلك من تحريض متواتر على القضاة”، مشيرة إلى أن ذلك يأتي في سياق التفكيك المنهجي لمؤسسات الديمقراطية ودولة القانون عن طريق المس من استقلالية القضاء ووضع اليد عليه وضرب أهم ضمانة لإقامة العدل.
كما حذرت جمعية القضاة التونسيين (مستقلة)، رئيس البلاد من المساس بالمجلس الأعلى للقضاء، وتعهدت بـ”الخطوات النضالية اللازمة لحماية استقلال القضاء ومؤسساته، معلنة رفضها كل محاولات المساس بالسلطة القضائية وبالمجلس الأعلى للقضاء من قبل رئيس الجمهورية والتجييش والتهديد والدعوات للعنف ضدّ القضاة وضدّ المجلس وأعضائه.
وأعلنت 4 أحزاب تونسية هي “التيار الديمقراطي والتكتل والجمهوري وائتلاف الكرامة”، رفضها لإعلان سعيد، داعية “سائر القضاة والأحزاب الديمقراطية والمنظمات المدنية للتصدي لهذه المحاولة المفضوحة لإخضاع القضاء لسلطة الانقلاب”.