شدوى الصلاح
لم تترك السلطات الإماراتية موطئ قدم يضر المسلمين في كافة بقاع الأرض إلا وكانت فاعلة فيه، واليوم تصعد حربها ضد مسلمي الأويغور، ليس فقد بدعم الحكومة الصينية الشيوعية في سياستها ضدهم وإنما بملاحقة الهاربين من بطشها وتسليمهم لها وابتزازهم بذويهم وإجبارهم على التجسس لصالح بكين.
هذا ما كشفه تحقيق أجرته شبكة سكاي نيوز البريطانية، خلصت فيه إلى أن الإمارات أرض صيد جيدة لأجهزة الأمن الصينية تتمكن عليها من استهداف الأويغور والمنتقدين لسياستها في الخارج، مشيرا إلى أن مسؤولين صينيين رفيعي المستوى يجرون استجوابات في “مواقع سوداء” في الخارج -في إشارة إلى الإمارات-.
و”الموقع الأسود” مصطلح عسكري يشير إلى مكان تنفذ فيه مشاريع غير معترف بها ويعد ظاهرة شائعة في الصين.
تقارير حقوقية ومواقف سياسية رسمية كثيرة معلنة تعضد ما جاء في تحقيق الشبكة البريطانية، أبرزها لقاء ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع رئيس الصين شي جين بينغ، في بكين يوليو/تموز 2019، الذي ثمن خلاله جهود الصين فيما أسماه “حماية حقوق الأقليات العرقية ومصالحها”، وإعلانه الاستعداد لتوجيه ضربة مشتركة لما وصفها بالقوى الإرهابية المتطرّفة.
كان ولي عهد أبو ظبي يعني بتصريحاته “حركة تركستان الشرقية الإسلامية” التي تتّهمها بكين بتحريض الأويغور على الانفصال؛ وهي التصريحات التي قابلها الجانب الصيني بترحيب واسع وعّدها دعما لحملته الأمنية في إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة، خاصة أنها جاءت آنذاك في وقت تسعى فيه بكين لحشد الدعم الدولي لسياساتها ضد الأويغور.
ما يعني أن الإمارات انتقلت من مرحلة المجاملات إلى مرحلة التأييد والدعم، في مجاملة وتواطؤ يمثل “طعنة في الظهر للمسلمين الصينيين” وينسجم مع الحرب التي تشنها السلطة الإماراتية على كل مظاهر الإسلام في الشأن العام في أرجاء العالم والسعي لاقتلاعه كله -بحسب ما قاله أستاذ الأخلاق السياسية الدكتور محمد مختار الشنقيطي-.
وقبل قرابة الأسبوع من زيارة بن زايد لبكين، كانت بلاده ضمن 37 دولة أخرى وجه سفرائها رسالة إلى الأمم المتحدة أيّدوا فيها سياسة الصين تجاه الأويغور وغيرها من الأقليات في إقليم شينجيانغ؛ بينهم السعودية وسوريا وباكستان وسلطنة عمان والكويت وقطر والبحرين ومصر والجزائر، وذلك ردا على رسالة وجهتا 21 دولة ندّدت فيها بالممارسات الصينية في الإقليم.
وفي يونيو/تموز 2021، كشفت شبكة “سي أن أن” أن دولا عربية بينها الإمارات استجابت لمطالب الصين وقامت بترحيل مسلمين من الأويغور انتهوا في معسكرات الاعتقال في إقليم شنجيانغ، ناقلة شهادات على لسان ذوي أويغورين تم ترحيلهم تفيد بأن ذراع الصين الطويلة وصلت الإمارات؛ ما يعني أن الأويغور باتوا مقموعين داخل الصين وخارجها.
وفي أغسطس/آب 2021 كشفت وكالة “أسوشيتيد برس” الأمريكية، عن وجود سجن سري تديره الصين في دبي، ويستخدم لاحتجاز أفراد من أقلية الأويغور، مستندة في ذلك على رواية معتقلة صينية سابقة تعاملت معها كأول دليل على أن الصين تدير “موقعًا أسودًا تنفذ به مشاريع غير معترف بها” خارج حدودها.
وفي أعقاب ما كشفته المعتقلة الصينية للوكالة الأمريكية، أكدت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، أن الإمارات تحولت إلى مركز صيني شرق أوسطي “لاصطياد” المنشقين والمسؤولين المتهمين بالفساد وترحيلهم إلى الصين؛ كما قالت إنها أصبحت مركزاً لجمع المعلومات الاستخباراتية الصينية حول الأويغور في الشرق الأوسط”.
جاء ذلك في مقال للكاتب فلاديمير سكوسيريف، نقل فيه عن الخبير في لغة الأويغور، عبدالولي أيوب، قوله إن ثلاثة أويغور أخبروه أنهم أجبروا على التجسس في تركيا، وجاؤوا إلى دبي للحصول على المال وبطاقات “SIM” للهواتف من وكلاء صينيين.
ورغم وجود أدلة متزايدة عن انتهاكات الصين بحق الأويغور حتى صنفت بأنها تمارس “إبادة جماعية بحقهم”، إلا أنها تنفي ذلك، وتتباهي بأن سياساتها في التعامل مع ملف الأويغور تلقى تأييد دول خليجية، إذ أكدت في منتصف يناير/تشرين الثاني 2022، حصولها على دعم في عدد من القضايا من بينها معاملتها لمسلمي الأويغور في عدة دول خليجية.
وكانت صحيفة واشنطن بوست، قد قالت إن تلاقي المصالح مع الصين سبب صمت دول إسلامية على قمع الأويغور، مشيرة إلى أن العلاقات الاقتصادية تفسر مواقف تلك الدول المتخاذلة مع الصين تجاه قمعها للمسلمين والصامتة أمام التقارير التي تثبت ذلك القمع.
فالعلاقات الإماراتية الصينية تنامت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، ما أفضى لتعاون في مختلف المجالات، كما تعد الإمارات أكبر شريك تجاري غير نفطي للصين في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين أكثر من 50 مليار دولار أمريكي، مع زيادته إلى أكثر من 200 مليار دولار.
وكان ولي عهد أبو ظبي من أبرز الحاضرين لافتتاح دورة “بكين للألعاب الأولمبية الشتوية 2022” التي أقيمت في 4 فبراير/شباط الجاري، على وقع توترات سياسية دولية ومقاطعة دبلوماسية بسبب الانتهاكات الصينية لحقوق الإنسان، إذ لم ترسل العديد من الدول بينها أمريكا مسؤولين حكوميين كبادرة احتجاج على سجل الصين الحقوقي السيئ.
وسبق الأولمبياد دعوات لمقاطعتها وتضيع الفرصة على الصين لتلميع صورتها عالميا في غسيل رياضي تلجأ إليه الحكومات الديكتاتورية التي تمارس القمع بحق شعوبها؛ حيث تواجه بكين اتهامات بارتكاب جرائم مروعة ضد الأويغور، من خلال فرض عمالة قسرية واحتجاز الآلاف في معسكرات الاعتقال وتنفيذ عمليات تعقيم قسري واستهداف ثقافة الأويغور.
وبدوره، قال الحقوقي البارز الدكتور أسامة رشدي، إن تحول الإمارات كمركز لعمليات الاستخبارات الصينية لاستهداف أقلية الأويغور فاق كل الحدود، ويعد عمل مشين وفيه خذلان وغدر بأناس ينتظرون من العرب والمسلمين أن يكونوا أول المتعاطفين مع قضاياهم الإنسانية.
وأشار في حديثه مع الرأي الآخر، إلى أن الأويغور يتعرضون لكافة أنواع الضغوط البوليسية والثقافية والتي تستهدف دينهم وعرقهم وأصولهم، خاصة وأن العالم كله يتعاطف معهم ويدين الانتهاكات الصينية بحقهم، متسائلا: “ماذا تحتاج الحكومة الإماراتية لتبيع هؤلاء وتتآمر عليهم بدلا أن تكون عونا عليهم؟”.
وحث رشدي على فضح سلوك النظام الإماراتي للجميع كما يفعل بعض الضحايا الأويغور، مشددا على ضرورة وقف الإمارات وغيرها من دول المنطقة تعاونها في انتهاك حقوق المسلمين في الصين لتملق الحكومة الصينية التي بدأت توسع نفوذها في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن دول المنطقة تتماهى مع السياسات الصينية وتعمل في ركابها بعد أن أتسع نفوذها كداعم ومزود لهم بالأسلحة والطائرات المسيرة والتجارة وغيرها من المصالح التي ما كان يجب أن تكون سببا في هذا السلوك المشين.
وكتب رشدي على حسابه بتويتر، إن نظام بن زايد لم يترك مؤامرة تستهدف المسلمين إلا وكان فارسها وزعيمها ولم يترك حتى الأويغور المسلمين المضطهدين الذين نصبوا لهم مصائد عبر المطارات الإماراتية لاعتقالهم وجلب المخابرات الصينية للتحقيق معهم وتهديدهم وترحيلهم وتجنيدهم للتجسس على غيرهم.