وُضعت سلحفاة البحر على طاولة التشريح المعدنية، وكانت قشرتها رمادية ومعدتها مشدودة، بعد أسبوع من العثور عليها مُلقاة على شاطئ كلباء، وهي مدينة على الساحل الشرقي للإمارات.
وأصبح ساحل المدينة ملوثًا بأكوام من القمامة التي وصلت من مقالب القمامة القريبة، إذ تنتشر على الشاطئ أكياس بلاستيكية، وأربطة وأغطية الزجاجات، وفي كثير من الأحيان السلاحف النافقة.
في البداية، استخرج فادي يغمور، الخبير البحري، نحو 200 سلحفاة لبحث أسباب وفاتها، لكن بعد ذلك، أصبح الجاني واضحًا، إذ إنه البالونات المنكمشة والرغوة البلاستيكية، وبعض الأشياء الأخيرة التي أكلتها السلحفاة.
هذه السلحفاة هي واحدة من 64 سلحفاة جُمعت من شواطئ كلباء وخورفكان في إمارة الشارقة، ليتم تحليلها في مختبر يغمور.
نشر الخبير البحري وفريقه من الباحثين دراسة جديدة في نشرة التلوث البحري تهدف إلى توثيق الضرر والخطر الناجم عن رمي البلاستيك الذي انتشر استخدامه في جميع أنحاء العالم وفي الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الحطام البحري الآخر.
وعند التخلص منه، يسد البلاستيك الممرات المائية ويخنق الحيوانات، ليس فقط السلاحف البحرية ولكن الحيتان والطيور وجميع أنواع الحياة.
وجدت الدراسة أن 75٪ من جميع السلاحف الخضراء النافقة و57٪ من جميع السلاحف ضخمة الرأس في الشارقة أكلت الحطام البحري، بما في ذلك الأكياس البلاستيكية وأغطية الزجاجات والحبال وشبكات الصيد.
وكان البحث الوحيد في المنطقة، والذي نُشر في عام 1985، وجد أن أيًا من السلاحف التي خضعت للدراسة في خليج عُمان آنذاك لم تأكل البلاستيك.
وقال يغمور: “عندما تحتوي غالبية السلاحف البحرية على مواد بلاستيكية في أجسامها، فأنت تعلم أن لديك مشكلة كبيرة. إذا كان هناك وقت للاهتمام بالسلاحف، فقد حان الوقت الآن”.
وربما نجت السلاحف من الانقراض الجماعي الذي قتل الديناصورات منذ ملايين السنين، لكنها اليوم تختفي في جميع أنحاء العالم.
وتؤدي الكميات المتصاعدة من القمامة إلى تلويث بيئة العالم، حيث قدرت دراسة منشورة في Science Advances قبل خمس سنوات أن 12 مليار طن متري سوف تتراكم بحلول عام 2050.
هذا مجرد واحد من التهديدات المتعددة التي خلقها البشر للسلاحف البحرية، بما في ذلك ارتفاع درجات حرارة البحر، والنمو الساحلي المفرط والصيد الجائر، لكنها ربما تكون الأكثر وضوحًا، كما يتضح من المشهد المروع في مختبر كلباء.
تم العثور على كمية هائلة من الحطام داخل السلاحف النافقة في الشارقة، بينها 325 قطعة في سلحفاة واحدة، و32 قطعة من شبكة صيد في أخرى، ويمكن أن تسبب انسدادات قاتلة وتمزقات وتراكم الغازات في الجهاز الهضمي.
ووجدت الدراسة أيضًا أن السلاحف البحرية الخضراء كانت أكثر ميلًا لتناول الأكياس البلاستيكية والحبال العائمة، والتي تشبه نظامها الغذائي من الحبار وقنديل البحر.
ويسعى دعاة الحفاظ على البيئة في الإمارات، بما في ذلك فريق يغمور وآخرين في هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة، إلى حماية السلاحف في الدولة من التهديدات.
وقال عبد الكريم فتان، مدير العمليات في مركز القرم مانجروف: “إذا فقدنا هذه السلاحف، سيموت النظام البيئي”.
ويواجه دعاة حماية البيئة مهمة شاقة في الإمارات، وهي واحدة من أعلى الدول فيما يتعلق بمعدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون وإنتاج القمامة في العالم بالنسبة للفرد.
وعلى مدى العقود الماضية، ارتفع استخدام البلاستيك والنفايات مع تحول الإمارات بسرعة كبيرة من مدن صحراوية جافة إلى مركز أعمال معروف بثقافته الاستهلاكية.
وكانت تحلية المياه كثيفة الكربون هي المحرك الرئيسي للنمو، وأدى بناء الجزر الاصطناعية الضخمة في دبي قبل عقد من الزمان إلى جرف الرواسب التي دمرت الشعاب المرجانية الطبيعية ومواقع تعشيش السلاحف على طول الساحل، وفقًا لدراسات بيئية من ذلك الوقت.
وقال كريستيان هندرسون عالم البيئة السياسية في الشرق الأوسط بجامعة ليدن في هولندا: “كل شيء يشير إلى تدهور كبير وضغوط على النظام البيئي البحري للخليج العربي”.
وأضاف “لقد كان تطوير المناطق الحضرية المعتمدة على السيارات سريعًا للغاية، دون أي نوع من الاعتبارات البيئية على الإطلاق”.
وتعهدت الإمارات في الخريف الماضي بأن يكون صافي انبعاثات الكربون صفراً بحلول عام 2050، لكن لا يزال من الصعب قياس الهدف وقد واجه شكوكًا.
ويقول الخبراء إن أزمة النفايات في الإمارات تتفاقم فيما تدفع السلاحف الثمن النهائي.