قالت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية إن عمليات الهدم التي تجري في مدينة جدّة السعودية “سمة من السمات الاستبدادية لولي العهد محمد بن سلمان”، مشيرة إلى تخوفات بشأن تهميش المدينة لصالح الرياض.
وذكرت الصحيفة أن نهج بن سلمان “لا يحتمل أي معارضة ولو قليلة، إذ اعتقل معارضين، بمن فيهم نشطاء وأكاديميون، وحاسب البعض بطريقة خاطئة”.
وقال رجل أعمال متقاعد للصحيفة: “إنه مثل العلاج بالصدمة”، في إشارة إلى بن سلمان.
وأضاف رجل الأعمال “النكتة هنا هي أن شخصًا مهمًا حلّق بالطائرة فوق جدة ونظر إليها بازدراء وقال: غيّرها الآن”.
وأشارت الصحيفة إلى أن جدة معروفة بالنهج الليبرالي نسبيًا تجاه الأعراف الاجتماعية، ولطالما كان شعارها “جدة مختلفة”.
وذكرت أن بعض أكبر الشركات المملوكة للعائلات في السعودية خسرت في عهد محمد بن سلمان، مثل مجموعة بن لادن، التي كانت ضحية لحملة عام 2017، وهي حملة شهدت اعتقال كبار رجال الأعمال وحتى الأمراء في فندق ريتز كارلتون بالرياض، بذريعة مكافحة الفساد، لكن معارضون قالوا إنها لتثبيت قوة بن سلمان في الحكم.
وعمليات الهدم، التي يمكن أن تؤثر على حوالي نصف مليون شخص، هي أحدث خط تصدع لأولئك الذين يساورهم القلق بشأن مستقبل المدينة.
وقال أكاديمي محلي طلب عدم الكشف عن هويته: “إنها جهود متضافرة لقتل جدة”.
وعلى الرغم من الميزانية البالغة 20 مليار دولار- وهي جزء بسيط مما يتم إنفاقه على المشاريع في العاصمة- إلا أن الأكاديمي يخشى أن يتم تهميش جدة لصالح الأعمال التجارية في الرياض.
ويقول المسؤولون إن العاصمة، التي تريد الحكومة تحويلها إلى واحدة من أكبر اقتصادات المدن في العالم، هي الأنسب للتوسع.
وأدى هدف مضاعفة عدد سكان الرياض إلى حوالي 15 مليونًا بحلول عام 2030 إلى تفاقم المخاوف في جدة من أن المدينة، التي شهدت بالفعل انتقال البنوك والمكاتب الحكومية إلى الرياض، ستخسر.
وقال سعيد الشيخ، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأعمال والتكنولوجيا وكبير الاقتصاديين السابق في البنك الأهلي التجاري، إن هذه المخاوف في غير محلها.
أما “أبو أحمد”، الذي كان يملك متجرًا قديمًا لبيع المشروبات الحلوة في جدة، فقال إن ابنه انتقل، مثل العديد من الشباب، إلى الرياض بحثًا عن عمل.
وأضاف أبو أحمد “لقد أعطاني هذا”، وهو يسحب كنزة سوداء من كيس بلاستيكي عليه شعار “موسم الرياض”.
وفي الوقت الحالي، لا يزال القلق قائما، إذ قالت كريستين ديوان باحثة مقيمة كبيرة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “أعتقد أن هذا مؤشر على التغيير الأوسع في السعودية الذي تحركه الدولة من أعلى إلى حد كبير”.
وأضافت “إذا نظرت إلى وضع جدة، فلا شك في أن تطوير المدينة قد تم إهماله [حتى الآن]. السؤال هو ما إذا كان هناك أي مجال للمساهمة العامة ومشاركة المجتمع” في ذلك.
وأعلنت الحكومة السعودية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إقامة مشروع وسط جدة برعاية ولي العهد، بميزانية تقارب 500 مليار ريال.
والمشروع جزء من خطة تنفذها السلطات بزعم التخلص من “العشوائيات”.
وتسببت حملة الهدم في جدة حتى الآن بتشريد عشرات آلاف السعوديين، مع بقاء الكثيرين منهم دون مأوى، ورغم ذلك اكتفت السلطات بالقول إنها ستنظر في طلبات المتضررين وتدرس أحقيتهم.
وتم هدم ما لا يقل عن 10 أحياء بالكامل حتى الآن، مع استمرار العمل في حوالي 10 مناطق أخرى.
وتستهدف الخطة نحو 60 منطقة تقع معظمها في الجزء الجنوبي من المدينة ومن المتوقع أن تستمر لأشهر.