كان من السهل على دول الخليج التي تحميها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة أن يكون اختيار الأطراف في أزمة أوكرانيا سهلاً، لكن العلاقات المتنامية مع موسكو تجبرها على تحقيق التوازن.
ومع تسارع العالم لإدانة الغزو الروسي لجارتها الأصغر، التزمت دول مجلس التعاون الخليجي الثرية، بما في ذلك السعودية والإمارات، الصمت إلى حد كبير.
ويقول خبراء الشرق الأوسط إن تحفظهم أمر مفهوم بالنظر إلى ما يحدث.. الطاقة والمال والأمن.
وقالت آن جادل، الخبيرة والمساهمة في معهد مونتين البحثي الفرنسي: “ليست العلاقات الاقتصادية فقط هي التي تنمو، ولكن أيضًا العلاقات الأمنية بين هذه الدول وموسكو”.
وامتنعت الإمارات، الجمعة، مع الصين والهند عن التصويت في مجلس الأمن الأمريكي على مطالبة موسكو بسحب قواتها.
وقبل ساعات من شن روسيا هجومها البري والبحري والجوي المكثف على أوكرانيا يوم الخميس، كانت الإمارات “شددت على عمق الصداقة” مع موسكو.
والسعودية لم تتفاعل مع الغزو، مثل الإمارات والبحرين وسلطنة عمان، فيما اكتفت الكويت وقطر بإدانة أعمال العنف ولم تصل إلى حد انتقاد موسكو.
ولأكثر من سبعة عقود، لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في الشرق الأوسط الذي مزقته الصراعات، حيث عملت بشكل خاص كمدافع عن حكومات الخليج، وهي المنطقة الغنية بالنفط، ضد التهديدات المحتملة مثل إيران.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت واشنطن في الحد من ارتباطاتها العسكرية في المنطقة، حتى مع تعرض أقرب حلفائها (السعودية والإمارات) لهجوم من الحوثيين في اليمن.
وتعرضت منشآت شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط لهجمات في 2019 من الحوثيين.
وقالت جادل إن دول الخليج “تدرك أنها بحاجة إلى تنويع تحالفاتها للتعويض عن الانسحاب المتصور للولايات المتحدة من المنطقة”.
وشهدت السعودية والإمارات، وهما حليفان للولايات المتحدة وتستضيفان القوات الأمريكية، تغيير علاقاتهما مع واشنطن إلى علاقة “حب وكراهية” بشأن صفقات الأسلحة وقضايا الحقوق.
وتسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018 داخل قنصلية المملكة في اسطنبول في توتر العلاقات مع الرياض، وهددت الإمارات بإلغاء صفقة ضخمة لطائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35.
وقال أندرياس كريج خبير الشرق الأوسط وأستاذ مشارك في كينجز كوليدج لندن: “يُنظر إلى روسيا على أنها حليف أيديولوجي، في حين أن خيوط حقوق الإنسان الأمريكية المرتبطة بدعمها أصبحت قضية أكثر من أي وقت مضى”.
وأضاف “كان هناك تكامل للاستراتيجية الكبرى بين موسكو وأبو ظبي عندما يتعلق الأمر بالمنطقة. فكلاهما قوى معادية للثورة وكانا حريصين على احتواء الإسلام السياسي”.
وعلى الرغم من التعاون الأمني المتزايد مع روسيا، المتورطة بشكل مباشر في الصراع السوري والليبي، يقول كريج إن معظم دول مجلس التعاون الخليجي “ستظل تضع بيضها الأمني في سلة الولايات المتحدة”.
لكنهم “بدأوا في تنويع العلاقات مع المنافسين والخصوم الأمريكيين في مجالات أخرى”، وفق كريج.
وتظهر الأرقام الرسمية أن التجارة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي قفزت من حوالي 3 مليارات دولار في عام 2016 إلى أكثر من 5 مليارات دولار في عام 2021، معظمها مع الإمارات والسعودية.
ولطالما كان يُنظر إلى الإمارات، ولا سيما دبي، على أنها نقطة جذب للاستثمار الروسي، ووجهة لقضاء العطلات للنخبة الروسية.
وبصفتها لاعبًا رئيسيًا في أسواق الطاقة، ترتبط معظم دول مجلس التعاون الخليجي بروسيا.
وتقود الرياض وموسكو تحالف أوبك +، حيث تتحكمان بصرامة في الإنتاج لزيادة الأسعار في السنوات الأخيرة.
وقالت إيلين والد، الزميلة البارزة في مركز الأبحاث في أتلانتيك كاونسل، إن “الأعضاء العرب في أوبك في موقف صعب دبلوماسيًا، حيث من الواضح أن الحفاظ على اتفاق “أوبك +” الذي يسيطر على الإنتاج “في مقدمة اعتباراتهم”.
وأضافت “تخشى دول الخليج الإضرار بهذه العلاقة وتسعى للحفاظ على المشاركة الروسية في أوبك +.. إذا تركت روسيا المجموعة، فمن المحتمل أن ينهار الاتفاق بأكمله”.
وعلى الرغم من دعوات بعض مستوردي النفط الرئيسيين لمنتجي الخام لتعزيز الإمدادات والمساعدة في استقرار الأسعار المرتفعة، لم تبد الرياض، أكبر مصدر للنفط في العالم، أي اهتمام.
وقالت والد: “التزام الصمت بشأن العمل الروسي في أوكرانيا ربما يكون أفضل مسار لهذا في الوقت الحالي”.
وأضافت “لكن هذا الموقف البراغماتي قد يصبح غير مقبول إذا تم الضغط على موقفهم من قبل القادة الغربيين”.