شدوى الصلاح
قال رئيس مؤسسة قرطبة للتحاور بين الثقافات أنس التكريتي، إنه لا شك أن المعركة الروسية الأوكرانية فارقة وليست مواجهة هامشية أو ثانوية نظراً لأن الأقطاب المتصارعة كبيرة الحجم، إما أنها دول عظمى كأمريكا أو كبرى كروسيا من الطرف الآخر.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أنه في حال وقوع مواجهة شاملة ستبقى روسيا محصورة في شرق أوكرانيا وربما تتقدم وتنقسم أوكرانيا إلى شرق وغرب مثلما كانت ألمانيا الغربية والشرقية، ونعود إلى فترة الحرب الباردة وتُعزل روسيا دولياً.
وأضاف التكريتي: “ربما تبقى روسيا والصين يمثلان المربع الشرقي مع بعض الدول الأصغر مثل كوريا الشمالية، بالإضافة إلى الدول المحيطة بروسيا المتمثلة في الاتحاد السوفيتي سابقاً”.
وحذر من أن ذلك إذ حدث سيذوق العالم مرارة هذا النظام الجديد على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الجيوسياسية والعسكرية وما إلى آخره، مشيرا إلى أنه بالنسبة لدول المنطقة العربية فإن روسيا متداخلة في أهم الملفات المتعلقة بالمنطقة.
ولفت التكريتي، إلى أن على رأس هذه الملفات “سوريا وليبيا” وبعض المناطق الأخرى التي تتدخل فيها إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال حلفائها كإيران، محذرا من لجوء روسيا إلى تفجير هذه الملفات لإرباك المشهد بالنسبة للغرب في حال محاصرتها بطريقة خانقة.
وألمح إلى اختلاف التوقعات بشأن الطرق التي قد تفجر بها روسيا المشهد منها تفجير حالة سوريا التي هي بالأساس متفجرة، أو دفع النظام السوري لاستهداف مواقع بها مصالح غربية، أو تحريك أعوانه وحلفائه من الإيرانيين وغيرهم لتسديد بعض الضربات للسعودية والإمارات وربما مصر.
وأكد التكريتي، أن لا أحد يستطيع استبعاد أو ترجيح أيا من الاحتمالات، متوقعا أن تشهد المنطقة العربية كأكثر أنحاء العالم أزمة اقتصادية، فيما ستعاني الشعوب من غلاء أسعار الأساسيات كالخبر والرز وغيرهم من السلع التي يتم استيرادها من أوكرانيا وروسيا.
ورجح ذلك نتيجة تأثر خطوط الإمداد وربما انقطاعها، قائلا إن من سيعاني هو المواطن العادي الذي سيتعرض لغلاء فاحش، بالإضافة إلى أن الطبقة المتوسطة في البلدان العربية التي تتلاشى ستشهد ارتفاع في أسعار الطاقة والغاز والبترول.
وبين التكريتي، أن ذلك سيؤثر بشكل كبير ليس فقط على أصحاب المركبات، ولكن على كل الجوانب لأن المركبات التي توصل البضائع ستتأثر، وبالتالي سترفع أسعارها وإيجاراتها نتيجة تأثر خطوط الإمداد، وبالتالي سترتفع الأسعار بالنسبة للمواطن العادي.
وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة في حالة احتدام الحرب الروسية على أوكرانيا، فقدان للحالة الأمنية مما سيوثر على الجميع، وستزيد الأنظمة الديكتاتورية من قمعها وشموليتها في حكم شعوبها.
وقال التكريتي، إنه بالمقابل ربما نشهد نوعاً من انفراج بعض الآفاق مما يتيح لبعض الفاعلين على الأرض إما من الثوار، أو الأحزاب، أو الحركات، أو التيارات، فرصة الحركة في أماكن لم تكن متاحة لهم الآن.
وأشار إلى أن القاعدة تقول “إنه في حال تصارع الكبار يجد الفاعلين الهامشيين أو الثانويين مساحات جديدة لهم لم تكن متوفرة في السابق”، لافتا إلى أن إمكانية استثمار القوى الفاعلة لهذه المساحات يبقى أمر تكشفه الأيام القادمة.
وبالنسبة لدول الخليج، رأى التكريتي، أن زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إلى روسيا ولقاءه الرئيس فلاديمير بوتين، ومن ثم تأكيده له في مكالمة هاتفية في أعقاب الحرب التي يشنها على أوكرانيا استقرار سوق الطاقة محاولة لترقيع حالة القلق التي تشعر بها دول الخليج.
وتابع: “ربما دول الخليج لا تريد المراهنة على حصان دون آخر، فهي لا تعلم إذا كان الغرب بإمكانه احتواء التمدد الروسي أم أن روسيا قادرة على مواجهة التيار العالمي المتحالف ضدها، فلذلك تحاول الإمارات على وجه الخصوص إمساك العصا من المنتصف”.
واستطرد التكريتي: “هذا ربما ينفع لفترة مؤقتة لكن من الصعب استمراره، وفي لحظة ما سيكون على دول الخليج أن تقرر مع أي طرف تقف”.
وذّكر بأن الغول الصيني يتمدد من خلال الدبلوماسية الناعمة والإعمار والإنشاء والموانئ البحرية وطريق الحرير الجديد والعبور من أقصى شرق آسيا إلى إفريقيا مرورا بأواسط آسيا وباكستان وأفغانستان والمضائق التي تمر بالخليج ثم بعد ذلك إلى وسط إفريقيا”.
وأكد التكريتي، أن ذلك سيشكل تحدي للمنطقة العربية بشكل عام والدول الخليجية خاصة الفاعلة في أسواق الطاقة والنفط والمال والاستثمار الدولي.