شدوى الصلاح
يبدو أن تعاطي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مع الملف الإيراني، واستنزاف السعودية في حرب طويلة الأمد في اليمن، وتعنت الحوثي في القبول بمبادرات الحل، ومعاناة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من عزلة دولية، أسباب دفعته لمغازلة الإدارة الأميركية ومهادنة الحوثي وإيران.
في لقائه أمس الأول للحديث عن رؤية 2030، وصف بن سلمان إيران بأنها دولة جارة يريدها مزدهرة ويتبادل المصالح معها، وأن بلاده تطمح أن تكون لديها علاقة طيبة ومميزة معها وذلك رغم تهديداته لها في أكثر من مناسبة بنقل معركته مع الحوثي للداخل الإيراني.
وفي تلميح إلى وجود حوار سعودي إيراني غير معلن عبر الشركاء، قال بن سلمان إن الرياض تعمل مع شركائها لحل إشكالياتها مع طهران، وهو ما تعاقب مع كشف وكالات أميركية وبريطانية وفرنسية في 18 أبريل/نيسان الجاري، عن مفاوضات إيجابية جرت في بغداد بين سعوديين وإيرانيين.
ورغم نفي البلدين لصحة المباحثات، التي تحمل محاولة لإصلاح العلاقات بينهما بعد 5 سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية في 2016، لكن نفيهما اقترن بإعلانهما الترحيب بالحوار، وتواصل بما أعلنه صراحة ولي العهد في لقاءه أمس الأول عن أهمية التوافق مع إيران.
ورافق ذلك أيضا إعلان المبعوث الإيراني في العراق إيرج مسجدي إن بلاده تدعم وساطة بغداد للتقريب بين طهران والدول التي حدثت معها بعض الخلافات.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادرها قبل أسبوع، أن السعودية وإيران تخططان لعقد المزيد من المباحثات المباشرة، هذا الشهر، دون تحديد موعد دقيق، مشيرين إلى أن التوقيت الدقيق يعتمد على تحقيق تقدم في مفاوضات فيينا.
وتتعلق المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية، بإحياء “الاتفاق النووي الإيراني” بين إيران وأميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، بعد انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه في 2018، وفرض عقوبات اقتصادية على طهران.
تلك المفاوضات التي تم استئنافها أمس الأول الثلاثاء، وسط رفض إيراني لطلب قدمته المملكة في 20 أبريل/نيسان 2021 للمشاركة فيها، ورد المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زاده، بإن موقف السعودية من الاتفاق النووي غير بناء، ونصحها بالعودة للحوار الإقليمي.
ولم يتدخل الرئيس الأميركي في الأمر، في استكمال لسياسة إدارة الظهر التي يتبعها منذ وصوله للسلطة في 20 يناير/كانون الثاني 2021، في التعامل مع السعودية، وتجاهل بن سلمان، مما دفع الأخير لاتخاذ خطوات للتقارب مع إيران في استمرار لمحاولة كسب رضا بايدن.
ورغم ما هو معلن من سياسة حادة من جانب بايدن خلال مناظرات الرئاسية وحملاته الانتخابية، وطوال 100 يوم من فترة حكمه، التي سبقها إبان فترة ترشحه للرئاسة، بوصفه في أحد خطاباته للمملكة بالمنبوذة، إلا أن ما يبدو أن المسار السياسي الفعلي مختلف.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قالت إن بايدن كمرشح لم يدع مجالاً للشك في رأيه حول كيفية تعامل إدارته مع السعودية، وقال إن خطته تهدف لجعل السعوديين “يدفعون الثمن وجعلهم في الواقع منبوذين كما هم”.
وتعهد بايدن بقطع توريد الأسلحة للرياض ورفع أشكال الدعم للسعوديين في حرب اليمن ووصفها بالكارثة الإنسانية، وتأديب ولي العهد السعودي على تورطه في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وفي ظل إبحاره في تنفيذ وعود حملته الانتخابية، بدأ الرئيس الأميركي عهده بتجاهل “بن سلمان” والتواصل مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، في اعتزام لضبط العلاقات الأميركية مع السعودية -بحسب ما أعلنته المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي-.
وفي إطار مراجعة إدارة الرئيس بايدن لقرارات نظيره السابق دونالد ترامب، المقرب من ولي العهد السعودي، عقلت واشنطن بيع أسلحة للرياض -وفق ما أفادت الخارجية الأمريكية الأربعاء 27 يناير/كانون الثاني 2021-.
وبعد شهر بالضبط من ذلك القرار الذي مرر على أنه إجراء روتيني إداري تتخذه غالبية الإدارات الجديدة، أعلنت واشنطن الجمعة 26 فبراير/شباط 2021 تقرير استخباراتي يؤكد إجازة بن سلمان اعتقال أو قتل جمال خاشقحي، وتأيده تدابير عنيفة لإسكاته باعتباره تهديداً للمملكة.
وبين الحدثان، أعلنت واشنطن الخميس 4 فبراير/شباط 2021، إنهاء” الحرب في اليمن ووضع حد للدعم” ولمبيعات الأسلحة الأميركية للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في هذا البلد منذ مارس/آذار 2015.
وبعد قرابة الأسبوعين من ذلك، وتحديداً في 16 فبراير/شباط 2021، ألغت الإدارة الأميركية تصنيف جماعة الحوثي اليمنية منظمة إرهابية أجنبية الذي فرضته إدارة ترامب في آخر يوم لها في السلطة منتصف يناير/كانون الأول 2021.
ورغم كل ما قيل على لسان الخبراء والمراقبين بأن كل القرار الأميركية السابقة تضغ بن سلمان في عزلة سياسية وأن بايدن يسعى لتقليم أظافره وما إلى ذلك من تلميحات لاتجاه العلاقات بين واشنطن والرياض نحو الأسوأ، إلا أن الخطوات الأميركية الفعلية لم تذهب إلى أياً من ذلك.
فقد تعهد بايدن بالحفاظ على أمن المملكة، وأدان الهجمات الصاروخية المتتابعة التي استهدف بها الحوثي الداخل السعودي، وأعلن أن إدارته تبذل جهودًا حثيثة لحل الأزمة اليمنية، وعيين مبعوثاً دبلوماسياً خاصاً بشأن اليمن.
وامتنعت إدارة بايدن عن اتخاذ أي إجراءات عقابية تجاه ولي العهد وروج إلى أن ذلك لم يكن خياراً مطروحاً من الأساس، رغم إدانة التقرير الاستخباراتي له، وتباينت طريقة دفاع الإدارة الأميركية عن نفسها أمام الرأي العام والكونغرس.
وساقت الإدارة الأميركية مبررات وحجج مختلفة بين الاحتفاظ بحق الرد، وترك المجال مفتوحاً أمام التفاهمات المشتركة، والحديث عن ضرورة الحفاظ على التعاون مع السعودية في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة إيران، مع الزعم بمراقبة ما سيفعله الأمير السعودي في المستقبل.
وزعمت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، بأن الإدارات الأميركية في التاريخ المعاصر لم تفرض عقوبات على قادة حكومات أجنبية تجمعنا بها علاقات دبلوماسية وحتى تلك التي لا تجمعنا بها علاقات دبلوماسية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، إن بن سلمان سيقود بلاده لفترة طويلة، وأنه يجب على الولايات المتحدة التعامل معه ومع وعلينا العمل مع قادة حول العالم شاركوا أو قاموا بأمور في بعد الأحيان قد نعترض عليها أو نستهجنها ولكن نقوم بها لدفع مصالحنا وقيمنا.
ولأن الموقف الأميركي يعد منح لولي العهد صك براءة وضمان عدم معاقبته، فقد عمد الأمير السعودي لمقارعة باقي التحديات بالعزف على الوتر الأهم بالنسبة لواشنطن وهو مغازلة إيران وإنهاء حرب اليمن، وإرسال رسائل صريحة لواشنطن بأن الرياض راغبة في مهادنة طهران.
وقال ولي العهد السعودي في لقاءه أمس الأول، إن ثمة توافقاً بنسبة تفوق 90% بين السعودية وإدارة بايدن وتعمل المملكة على إيجاد حلول وتفاهمات حول نسبة الخلاف المتمثلة في 10% المتبقية، مؤكداً أن الولايات المتحدة حليف استراتيجي للمملكة.
وبدا بن سلمان متعقلاً وجانحاً للسلم في حديثه عن الحوثي بعد حرب استنزاف للمملكة استمرت 6 سنوات وتسببت في تشويه سمعة المملكة على المستوى الإنساني والحقوقي، وخلفت أكبر أزمة إنسانية.
وتصاعدت حدتها مؤخراً بتكثيف الحوثي استهدافه للداخل السعودي بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية طالت مؤسسات حيوية، ما دفع بن سلمان لإطلاق مبادرة لإنهاء الحرب ف في مارس/آذار 2021 ووقف شامل لإطلاق النار تحت مراقبة أممية، إلا أن الحوثيين رفضوها.
وجدد بن سلمان في لقاءه أمس الأول، دعوة الحوثي للجلوس على طاولة المفاوضات مقابل وقف إطلاق النار والدعم الاقتصادي وإعطاءهم كل ما يريدونه، مغازلاً الحوثي بأنه يمني ولديه نزعة العروبية واليمنية.
بدورها، قالت المعارضة السعودية الدكتورة مضاوي الرشيد، إن إدارة بايدن يبدو أنها أغفلت بن سلمان تمامًا في مفاوضاتها مع إيران، فغير خطاب المواجهة حول التهديد الإيراني واعتمد لغة المصالحة.
ورأت في سلسلة تغريدات لها على حسابها بتويتر، أن الأمر يبدو وكأن بن سلمان يبكي بصوت عالٍ ليقول إنني هنا، من فضلك يابايدن امنحني فرصة ثانية.
وأشارت مضاوي إلى أن بن سلمان اختار استجداء الحكومة العراقية للتوسط بينه وبين عدوه اللدود الإيرانيين -يساعده على خسارة الحرب في اليمن ضد حلفاء إيران الحوثيين-.
وقال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمود شعبان، إن ولي العهد السعودي يواجه أزمة شرعية كبيرة أمام دول العالم بسبب قضية خاشقجي، لذلك كانت تصريحاته الجديدة مرنة وأقرب إلى التسليم بالأمر الواقع.
وأوضح في حديثه مع “الرأي الآخر” أن الأمير السعودي يشعر بالعزلة الدولية بعد وصول جو بايدن إلى السلطة وتشدد الإدارة الأميركية في التعامل مع الملف السعودي وتهميش دوره مما دفعه لمغازلة الإدارة الأميركية.
وأضاف شعبان أن بن سلمان يحاول تقديم نفسه أمام الرأي العام العربي والعالمي بأنه الباحث عن التفاهم والسلام مع أكبر خصم سياسي وعسكري له في المنطقة وهو إيران، مشيراً إلى أن تصريحاته بشأن إيران تأتي استكمالا لمحاولات سعودية إيرانية تم التفاهم عليها مؤخراً.
وبين أن مغازلة بن سلمان للإدارة الأميركية تأتي في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات بين البيت الأبيض وطهران من أجل العودة مرة أخرى للتفاوض حول مستقبل الملف النووي.
ورأى الباحث في العلوم السياسية أن بن سلمان يود الإعلان عن أن موقف بلاده يطابق موقف الإدارة الأميركية في نظرتها للملف الإيراني، وعلى بايدن أن يضع يده في يد السعودية “ولي العهد” من أجل التقدم في الملف النووي مع طهران.