عندما تأسست المملكة العربية السعودية في عام ١٩٣٢ بنظامها الملكي حددت مسارها بكل وضوح كنظام أبوي يمنع المشاركة السياسة ويفتقر للدستور، ويجهل الشعب ما لهم وما عليهم.
من هنا بذرت عملية الصدام والمغالبة، بين الملك المؤيد من قبل علماء السلطة والشعب المجرد من قياداته أو نوابه، وبعد تسعين سنة لا زلنا نعاني من نظام سلالي استعاد ملك آبائه وأجداده كما تذكر الروايات التاريخية عندما قتل عبدالعزيز زوج شقيقته نورة (عجلان) وهو خارج من صلاة الفجر.
ما هو مشروع الدولة الوليدة؟ بكل وضوح هدف واحد هو الحفاظ على بقاء كيان الدولة وديمومته بيد عبدالعزيز وأبنائه وهذا ما تعارف عليه شفهيا بين أبناء عبدالعزيز؛ فقد أوصى بأن يكون الحكم من سعود الابن الكبير إلى أصغر الأبناء حمود وهو ما دون في أول وثيقة “النظام الأساسي للحكم” الوثيقة كتبت بعد سبعين عاما من التأسيس.
ولم تنقطع الاعتقالات أو القتل والتصفية في صفوف كل من يقف في وجهة ملوك آل سعود ومشروع البقاء دون تغيير ودون مراعاة متغيرات العصر بانعدام الأمية وانفتاح الناس على الإعلام الحر وانتشار الثقافة السياسية بفضل السفر ومخالطة المثقفين من الوافدين العرب في السعودية.
مقاومة آل سعود للمطالب الشعبية أفرزت أنظمة مفرغة من محتواها مثل نظام مجلس الشورى ونظام المناطق والانتخابات البلدية، الاكتفاء بعبارات شفهية تقول دستورنا شرع الله واحيان دستورنا الكتاب والسنة دون تقنين وتفصيل، في النهاية يتجسد مشروع الدولة بمتعة الملك وحاشيته بالمال والجاه والسلطة وعلى من حوله من قطط سمان وأسرة شاركت عبدالعزيز الانتصارات على أقاليم الجزيرة العربية، فلا مشروع للدولة السعودية سوى التمتع بثروات البلد وإدارة الدولة عبر ردود أفعال على محاولات التغيير.
النظام المتعارف عليه بعد موت الملك، ينصب الملك الجديد فتصبح الأرض والسكان والسماء والنظام بيده، يعمل على جمع قدر من الأموال ويبني قصور ويعد الشعب بالمشاريع الإسمنتية الجبارة، إلا أن وصول الملك سلمان للحكم غير الأعراف المتبعة عند الملوك السابقين، ابتدأ بتعين ابنه محمد ولي للعهد برغم العلل الصحية الظاهرة عليه، وقيل إنها آثار يخلفها تعاطي نوع من.. وقيل آثار مرض تعالج منه في الصغر كما سربت ذلك المخابرات الألمانية وتسبب في توتر العلاقات بين الدولتين.
ولي العهد الأقل تعليما بين أشقائه وليس الأكبر أو الأعقل، التعيين في ولاية العهد ينبئ بكارثة، وقد حلت مع تلاشي مراكز القوة في الدولة المكونة من نايف في الداخلية وسلطان في الدفاع وعبدالله في الحرس الوطني والملك في الديوان الملكي.
والأمر المزلزل لأسرة آل سعود تحول خط الوراثة الأفقي للخط الرأسي وهو انتقال الملك من الأب إلى الابن، مع وفاة أغلب أبناء الملك عبدالعزيز وبقاء سبعة من الأبناء وقد داهمتهم الشيخوخة وعدم القدرة على توحيد الأسرة على أمر جامع.
مع تعيين محمد بن سلمان ولي للعهد شن حملة تصفية وتجريد أموال من الأمراء والأسر المقربة والتجار وعلماء الدين وجناح ولي العهد المعزول من العسكريين والمدنيين، بهدف منع أي محاولة للانقلاب عليه، فعمليا استغنى عن التحالفات القبيلة التي كانت تحمي الأسرة من خلال استرضاء شيوخ القبائل المعينين من قبل الديوان الملكي واستغنى عن عصبة العائلة وسنده وتخفف من الشرع والدين وهمش دور العلماء كواجهة شرعية، واندفع نحو تحقيق شرعية الإنجاز بمشروع رؤية ٢٠٣٠ على أمل أن يحكم خمسين سنة قادمة كملك مطلق اليدين.
جاءت رؤية ٢٠٣٠ من بنات أفكار ولي العهد لإنقاذ السعودية من السقوط كما ذكر أكثر من مرة، الرؤية لا تمثل مشروع دولة أو خطة استراتيجية للنهوض، بل هي مشروع إصلاح الفساد المالي والإداري المستشري منذ أول يوم لتأسيس الدولة، الهدف الثاني للرؤية هو إيجاد تنوع لمصادر الدخل مع إشغال الناس ببرامج ترفيه، حتى لا يتنبه الناس لحقيقة المشاريع الكاذبة، فلم تكن الرؤية شاملة وأهملت قضايا كثيرة كالتنمية السياسية وكتابة دستور، فضلا على أن الرؤية فرضت على الدولة من قبل ولي العهد دون تشاور مع مجلس الشورى أو مناقشة معلنة، حتى مجلس الشورى المعين لم تأخذ موافقته صوريا.
بعد خمسة سنوات على انطلاقة رؤية ٢٠٣٠ صدر تقرير رسمي من ١٤٤ صفحة بإخراج جميل تحدث عن إصلاح فساد مالي وإداري صاحب الملوك السابقين، ثم خرج الأمير في لقاء تلفزيوني شرح بعض مضامين التقرير وزاد الطين بلة، إيراد ولي العهد لأرقام فلكية وروايات.
في أعراف الدولة عند اختيار المسؤول تجرد ثروته ويوقع على إقرار الذمة المالي ويفحص طبيا للتأكد من السلامة العقلية والنفسية، حتى يستطيع تسيير أعمال الدولة بكل يسر وسهولة.
الرؤية المزعومة هي كذبة كبرى تؤكد على علل الأمير وحب التفخيم والبهرجة، فكل ما ورد من إنجاز خلال الخمس سنوات الماضية ما هو إلا تسيير لأعمال الدولة اليومية ومحاولة إصلاح جهاز الدولة الإداري والفساد المستشري، الذي ما فتئت المعارضة تأكيده وإصرار الملوك المتعاقبين على نفيه وإنكاره، بل وتعقب ومطارد المعارضة في الداخل والخارج للإسكات صوتها خلال الثلاثين سنة الماضية.
برغم حملة الترويج للمقابلة فقد عمد الديوان الملكي لاستكتاب الوزراء والسفراء ووزراء دول الجوار ولتأكيد نجاح الرؤية، تم الاستعانة بالمشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي مع عرض اللقاء المتزامن في القنوات الحكومية والخاصة، جل الكتابات دعائية لم تذكر إنجاز حقيقي، في محاولة لإبهار المواطنين استعرض ولي العهد ثقافته الشرعية ومعلوماته الزراعية بشكل متكلف كما حرص على تضمين حديثه بعض المفردات الإنجليزية لاستمالة عاطفة الشباب، حاول المخرج بكاميراته المتعددة إخفاء اهتزاز الوجه الذي أعطى انطباع سلبي وغير مبشر بمستقبل زاهر.
الأمر اللافت في حديث ولي العهد تضخيم مدينة الرياض وتهميش بقية المدن، الأمر الثاني إصراره على حاجة الرؤية لعدة ملايين من الوافدين لتنفيذه بينما يعاني العاطلين، وتفاخر بإنجاز وزارة الإسكان لنسبة ستين في المئة بينما إحصائيات الحكومة سجلت في عام ٢٠١١ نسبة تملك المنازل اثنين وستين في المائة وفي عام ٢٠١٤ نسبة ستين في المائة مع التذكير أن شركات وبنوك تمتلك مئات المنازل فتحسب بالمعدل على المواطن وهي في الحقيقة معدة للتأجير.
وصدم الأمير الشارع السعودي بتمديد ضريبة القيمة المضافة لخمسة أعوام قادمة وهذا يفتح الباب لتثبيتها وربما زيادتها، كما بث رؤية مرعبة عن الأموال المكدسة في صندق الاستثمارات العامة بأن لا توزيع للأرباح قبل عشرة سنوات وهذا يفتح الباب لسرقة أموال الصندوق أو إفلاسه لعدم وجود أي جهة رقابية رسمية أو شعبية أو مستقلة فمليارات الريالات تحت تصرفه.
العاطلون ومستفيدو الضمان والمتقاعدون يقدر عددهم بخمسة ملايين نسمة يعيشون تحت خط الكفاية فقد نقصت مخصصاتهم بنسبة خمسة عشر في المائة بسبب ضريبة القيمة المضافة وازدياد الأسعار.
السؤال هل تحسن دخل المواطن خلال الخمسة سنوات الماضية؟ لا لم يتحسن فالرؤية فساد بثوب جديد والحقيقية أن الدولة تتعرض لنهب منظم ففي السابق كان النفط ينهب فوق الأرض الآن أصبح النهب للنفط وهو تحت الأرض، وهذا يخطط له كما صرح ولي العهد عن عزمه بيع ١ في المئة سنويا من شركة أرامكو.
الحل يكون بمراقبة أداء الحكومة، بعد أن أثبت الأمير فساد الملوك فتهميش الشعب وعدم استشارته في إقرار الرؤية وفروضها بالقوة واعتقال كل من يبدي رأيًا مخالفا أمثال الدكتور عبدالعزيز الدخيل والدكتور حمزة السالم والأستاذ جميل فارسي والمهندس عصام الزامل، وهم أصحاب تخصص، يفيد بفشل الرؤية بسبب احتكار القرار.