شدوى الصلاح
قال الباحث في الفكر السياسي والعلاقات الدولية والحركات الإسلامية، جلال الورغي، إن أنظمة القمع استخدمت الفن والفنانين لتبرير الانقلاب العسكري، مثل ما حدث في الدراما المصرية الرمضانية التي تلاعبت بالمسيرات المناهضة للرئيس الراحل محمد مرسي.
وأضاف في حديثه مع “الرأي الآخر”، أن هؤلاء الفنانين والممثلين والمخرجين، لعبوا دوراً متقدماً في التسويق للانقلاب، وتزينه وتقديمه كأنه لحظة إنقاذ، وذلك بشيطنة المنقلب عليهم وتصويرهم الأشرار المتآمرين على الأوطان.
وتابع الورغي: “من هنا تأتي الدراما المدفوعة الأجر، لتكون جزءا من الجهاز الأيديولوجي للنظام القمعي (الأمن)، فتكون الحرب شاملة والمعركة معركة إبادة بالقتل والإعدامات والتغييب في السجون، وإبادة ثقافية من خلال عملية شيطنة وتشويه كاملة للخصم.
وأوضح أن الأنظمة الاستبدادية تؤمم كل شيء وتسخره لخدمة أجندة النظام القائمة على الإخضاع والسيطرة الكاملة على كل شيء، فتتحول الدراما كما غيرها من الفنون من وسائل للإبداع والجمالية إلى أذرع للسيطرة والقمع.
وأشار الورغي إلى أن هذه الأعمال يكون تأثير آني في بعض القطاعات، لكنها سرعان ما تنكشف، وينفضح وجهها الحقيقي، كأدوات للدعاية للأنظمة، ولا يحتاج الرأي العام لمسلسل أو فيلم ليصور له حقيقة الواقع فهو يعايشه يوميا ويعاينه.
وأكد أن أي محاولة للتحايل على الحقيقة والواقع من خلال تصوير درامي، يشيطن أطرافا ويعلي من شأن آخرين، لن يكون إلا اعتداء على الذوق الفني وعلى ذكاء المواطن الذي يراقب بنفسه ويميز جيداً بين الغث والسمين.
وأشار الباحث في الفكر السياسي والعلاقات الدولية والحركات الإسلامية، إلى أن هذه الدراما تتحول إلى فنون منبوذة لأن مخادعتها للرأي العام ستظهر وتنكشف.
وقال الورغي إن لا أحد يصدق أن الشرطي في نظام قمعي طيب القلب وحامي أمن المواطن وسلامته، وهو يراه في الشارع متغطرساً ومعتدياً منتهكا للحقوق، لا يظهر إلا أداة للبطش والقمع ومخلب في يد نظام متسلط.
وأشار إلى إنتاج أفلام ومسلسلات كثيرة قبل الربيع العربي تتحدث عن الإسلاميين وتصورهم كإرهابيين وظلاميين ورجعيين، مؤكداً تعرضهم لعملية شيطنة ممنهجة ضدهم على امتداد عقدين وأكثر.
وتابع الورغي: “رغم ذلك حين انفتحت هوامش سياسية وشارك الإسلاميين في انتخابات، تقدموا على جميع خصومهم دون عناء، بل بعملية اكتساح شاملة، بينما تبدو الأطراف القائمة على شيطنتهم هوامش صفرية في كل استحقاق انتخابي”.
ورأى أن ما يحصل اليوم لحظة آنية جدا، لا يمكن من خلالها الوصول لخلاصات كثيرة، فقد يظهر القمع والاستبداد خصماً سياسياً أو منافساً انتخابياً أو معارضاً للحكم بعض الوقت، لكنه لن ينجح في فعل ذلك طول الوقت.
وشدد الباحث السياسي والحركات الإسلامية، على أن المحسوبين على الدراما والفن، بانحيازهم لأنظمة مستبدة قمعية، لن يكونوا أبداً مبدعين ولا فنانين وإنما مجرد أدوات في الجهاز القمعي للدولة، ومخالب يبطش بها خصومه.
وبين أن جمال الفن في التعدد وإبداعه في الاحتفاء بالاختلاف، وتألقه في إشاعة ثقافة التسامح والتعايش، لا مجرد واجهة لمسرحية، تكتب وراء الستار بالقمع والتسلط والنهب والتدمير لتطلعات المجتمع المتنوعة والمتعددة.
وأوضح الورغي أن حرب الأنظمة الاستبدادية ضد معارضيها، ولاسيما قوى التغيير، تطورت وتعقدت، مستفيدة من إمكانات الدولة المتاحة في توسيع هذه الحرب وجعلها أكثر نجاعة وفتكا وإفناء للخصوم.
وأشار إلى أن الأنظمة العربية، خاصة الأكثر قمعية وشمولية، عممت سياستها في القمع والاستبداد، لتشمل جميع الفضاءات العامة والخاصة، وجميع القطاعات.
وأضاف الورغي أن الدول الشمولية التي تحارب خصومها لاسيما الإسلاميين، أدركت أن القمع والسجن والمقاربة الأمنية عموما، فشلت في استئصال وإفناء الخصوم السياسيين، بل قد تجعل بتصرفاتها منهم أبطالاً ورموزاً وطنية للتضحية والمقاومة للاستبداد في نظر المجتمع.
وأكد أنها لذلك عطفت هذه المقاربة الأمنية على معارك أخرى في التربية والتعليم والثقافة والفن والسياسة والاقتصاد وحتى من خلال عملية التجويع والتفقير، حتى وصلت إلى الفن واستغلال الدراما لتحقيق مآربها.
وذكر بانخراط أسماء كبيرة في لعبة الأنظمة القمعية، وإنتاج طيور الظلام والإرهاب والكباب وعشرات الأفلام الشبيهة، لكنها في تشكيل وعي المواطن، لأنها استهدفت تزييف وعيه وتشويه الواقع، الذي يعانيه بنفسه يومياً ولا يحتاج لفيلم مأجور حتى يعكس له ذلك الواقع.