شدوى الصلاح
أجمع خبراء سياسيون وأمنيون أن رؤساء أميركا المتعاقبين هم وجوه مختلفة لعملة واحدة تعمل على رعاية وحماية الاحتلال الإسرائيلي، وتقديم الدعم المطلق له ومساندته عسكرياً وسياسياً، وتحتضن “المشروع الصهيوني الإجرامي”.
وأكدوا في حديثهم مع “الرأي الآخر” أن ذلك يفسر استمرار الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن، في عرقلة مساعي مجلس الأمن الدولي إصدار بيان مشترك حول التصعيد الإسرائيلي في فلسطين، وإقرار صفقة أسلحة دقيقة التوجيه بـ٧٣٥ مليون دولار إلى الكيان الإسرائيلي.
وأشار الخبراء إلى أن أميركا تحاول تلميع صورة الاحتلال الإسرائيلي وإخراجه في ثوب المنتصر ومنحه المزيد من الوقت لتحقيق انتصارات عسكرية واستهداف قادة المقاومة الفلسطينية، وتتبنى تصريحات تبرر أفعاله الإجرامية وتظهره في ثوب المدافع عن نفسه وليس المعتدي.
الرعاية الأميركية
قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عصام عبدالشافي، إن الولايات المتحدة الأميركية هي الراعي الأول للكيان الصهيوني، منذ تولت قيادة المعسكر الغربي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وريثاً للإمبراطورية البريطانية، وتحديداً منذ 1947.
وأكد أن الرؤساء الأميركيون لا يختلفون في تقديم كل ما من شأنه تعزيز وترسيخ الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، موضحاً أن حماية الكيان الصهيوني أهم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، لأنه أهم أدواتها الوظيفية في المنطقة.
وأشار عبدالشافي، إلى أن الكيان الصهيوني وصل لدرجة من النفوذ حد التأثير في توجهات السياسة الخارجية الأميركية في العديد من الملفات ذات الصلة بدول المنطقة، مؤكداً تغلغل اللوبي الصهيوني في المؤسسات الأميركية الكبرى الحكومية وغير الحكومية.
وأضاف أن في ظل هذه الاعتبارات، ليس شرطاً الربط بين ما كشفه الإعلام الأميركي بشان موافقة الرئيس الأميركي على صفقة منح إسرائيل أسلحة دقيقة التوجيه، وبين الانتفاضة الفلسطينية، لأن مثل هذه الصفقات، قد تكون مجدولة سابقاً.
ورأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الأهم من ذلك ما يرتبط بدلالة التوقيت التصريحات المتتالية لصانعي القرار في الولايات المتحدة، والتي لا تتوقف عن إظهار كل صور الدعم للكيان الصهيوني.
وركز حديثه أيضا على التصدي الأميركي لكل المحاولات التي بذلتها الدول الأعضاء في مجلس الأمن لاستصدار قرار أو توصية أو حتى بيان يطالب بوقف الاعتداءات الممنهجة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين.
واستنكر عبدالشافي تأكيد المسؤولين الأميركيين الدائم على حق الكيان في الدفاع عن نفسه، واتهام المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وكأنهم ليس لهم حق الدفاع عن أنفسهم رغم أنهم أصحاب الأرض.
وخلص إلى أن الإدارات الأميركية التي تتحدث من منظور القانون الدولي والقرارات الدولية، هي أكثر من ينتهكها.
هشاشة الاحتلال
واتفق معه في الرأي الخبير الأمني الفلسطيني إبراهيم حبيب، قائلاً إن إدارة بايدن تسير على خطى الإدارات الأميركية السابقة في دعمها المطلق لإسرائيل، وتحاول أن تخرجها في صورة المنتصر.
وأوضح أن صفقة الصواريخ المعلنة تأتي بعد نفاذ كميات الصواريخ التي تطلقها الطائرات الأميركية الإسرائيلية على قطاع غزة، معتبراً ذلك كاشفاً عن حجم الهشاشة التي يعيشها الاحتلال في حرب قصيرة، ومدينة صغيرة.
ورأى الخبير الأمني الفلسطيني أن إدارة بايدن تحاول بتحركاتها على كافة الأصعدة إعطاء الاحتلال فرصة ومساحة من الوقت لاستكمال العملية العسكرية، ومحاولة اغتيال أحد قادة المقاومة الفلسطينية للحصول على مشهد نصر، مشيراً إلى أن هذا الأمر مازال متعسراً عليه.
وأوضح أن عرقلة مجلس الأمن يتماهى مع الدعم المخزي المطلق لإسرائيل، لا تزال الإدارة الأميركية مواقفها خجولة والتحرك الذي نراه نتيجة للضربات التي وجهتها المقاومة للكيان الصهيوني، أي أنه خدمة لمصالح الاحتلال.
وأكد حبيب أن إسقاط الحصانة الأميركية عن الكيان الصهيوني ممكن في حال تعارضت المصالح الأميركية مع المصالح الإسرائيلية، وذلك من خلال مساندة عربية رقابية فلسطينية وإسلامية وتهديد المصالح الأميركية في المنطقة، حينها سترفع واشنطن الغطاء عن تل أبيب.
إدارة الصراع
وبدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الخبير في الشأن الأمني عبدالله العقاد، إن الإدارة الأميركية لديها مواقف متعددة ومتباينة، خاصة في القضايا المصيرية الهامة.
وأضاف أن لذلك كان الناطق باسم الخارجية الأمريكية أكثر موضوعية عندما حمل سلطات الاحتلال مسئولية تفجر الأحداث بعدما أثيرت قضية حي الشيخ جراح –تهجير الاحتلال سكان الحي من منازلها ومنحها لمستوطنين-، بالإضافة إلى إدانته قتل الأطفال الفلسطينيين.
وتابع العقاد: “إلا أن بايدن الذي يعشق إسرائيل يدعم الاحتلال الصهيوني أثناء ارتكابه القتل المتعمد ضد المدنيين بالقنابل، وهذا دلالة واضحة على أن الإدارة الأميركية تحتضن المشروع الصهيوني وإجرامه”، مؤكداً أن إسرائيل لا زالت تحت رعاية الإدارة الأميركية.
واعتبر صفقة السلاح الأميركية مع الاحتلال، دلالة على الدعم والتأييد الأميركي للكيان الصهيوني الذي يتعرض لأقسى ضربة في تاريخيه منذ بداية الصراع، تسددها المقاومة، ضمن الأهداف الاستراتيجية والحيوية والعسكرية، التي يتكتم عليها.
وأشار العقاد إلى تهاوي بورصة الكيان الإسرائيلي وتعطل قطاعات هامة منها “التعليم، الصحة والسياحة، لافتاً إلى أن ذلك يدفع الاحتلال لاستهداف المدنيين الآمنين، وضرب البيوت على رؤوس ساكنيها للضغط على المقاومة للاستجابة للتهدئة دون مقابل.
وفيما يتعلق بفشل مجلس الأمن 4 مرات في إصدار بيان يدين الاحتلال، قال الخبير الأمني: “هذا ليس جديد، فهي لا تصدر قرارات، ونحن كفلسطينيين نعرف أن قرارات كثيرة صدرت بحق إسرائيل، ولم تنفذ، ويبقى دائما النفوذ الأمريكي حاضراً”.
وأضاف: “حتى إن كان هناك عزم على اتخاذ أي عقوبات بشأنها يبقى القرار الأميركي مسيطراً، ولو استجاب المجلس كما علق الاستيطان في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، فسيبقى الوضع مستمراً، إذ مازال الاستيطان ماضياً ومدعوماً من أميركا ولم يتوقف”.
وخلص العقاد إلى أن الإدارة الأمريكية لا زالت تحتضن النظام الصهيوني، ومعنية بالصراع الذي أنشأته بالمنطقة، وكل ما تريده هو ليس حلاً للصراع وإنما إدارته فقط.