تسهم الشخصية وكذلك الخلط بين المصلحة الوطنية الحقيقية والطموح الشخصي في اتساع الفجوة بين السعودية والإمارات.
وكانت مسألة وقت فقط قبل أن يرغب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الخروج بمفرده ولم يعد يُنظر إليه على أنه تلميذ معلمه السابق ونظيره الإماراتي، ولي العهد محمد بن زايد.
وعلى نفس المنوال، كان هناك القليل من الشك في أن الأمير السعودي والملك القادم المحتمل سيرغب في وضع حد لأي إشارة إلى أن الإمارات وليست المملكة هي التي تصدرت الأمور في الخليج وكذلك الشرق الأوسط الأوسع.
ولا شك أن الأمير محمد لن ينسى الكشف عن المواقف الإماراتية تجاه السعودية والرؤية الإستراتيجية لدولة الإمارات للعلاقة بين البلدين التي تم توضيحها في رسائل البريد الإلكتروني التي كتبها يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن وأحد المقربين منه، والتي تم تسريبها في عام 2017.
وأوضحت رسائل البريد الإلكتروني أن قادة الإمارات يعتقدون أن بإمكانهم استخدام السعودية، العملاق الخليجي، وولي عهدها السعودي كوسيلة لتعزيز المصالح الإماراتية.
وقال العتيبة في الرسائل: “علاقتنا معهم مبنية على العمق الاستراتيجي، والمصالح المشتركة، والأهم من ذلك الأمل في أن نتمكن من التأثير عليهم، وليس العكس”.
وفي رسالة بريد إلكتروني منفصلة، قال السفير لمسؤول أمريكي سابق “أعتقد على المدى الطويل أننا قد يكون لنا تأثير جيد على السعودية، على الأقل مع أشخاص معينين هناك”.
ونقل أحد المشاركين في اجتماع حديث مع العتيبة عن السفير قوله إن الشرق الأوسط هو “منطقة الإمارات”، مما يشير إلى تعزيز النفوذ الإماراتي الإقليمي.
وعلى نفس المنوال، غرد قائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان، وهو ينفخ بوقه القومي المتطرف: “إن بقاء الإنسانية ليس للأقوى، بل للأذكى”.
ومن المؤكد أن محمد بن زايد كان يخطط لمكانة الإمارات كقوة اقتصادية وجيوسياسية إقليمية لفترة أطول بكثير من نظيره السعودي.
وليس من قبيل الصدفة أنها أكسبت الإمارات رمز “ليتل سبارتا” على حد تعبير وزير الدفاع الأمريكي الأسبق جيم ماتيس.
ولا شك أن الذكاء له أهمية كبيرة، لكن في التحليل النهائي، يبدو أن وليي العهد يستغلان نوافذ الفرص الموجودة طالما أن أقوى منافسيهما، تركيا وإيران، البلدان اللذان يضمان عددًا أكبر بكثير من السكان وذوي مستوى تعليمي عالي، وأسواق محلية ضخمة، وجيوش، وموارد طبيعية مهمة، وقواعد صناعية، تفشل في توحيد أعمالها.
وفي التفاصيل، تختلف خطة رؤية 2030 لولي العهد السعودي لتخليص المملكة من اعتمادها على تصدير النفط اختلافًا طفيفًا من حيث المبدأ عن المنظور الذي طرحته الإمارات وقطر، وهما دولتان لهما انطلاقة كبيرة.
وسعت السعودية إلى إعلان نجاح أولي في المنافسة الموسعة من خلال الإعلان هذا الأسبوع عن افتتاح الاتحاد الدولي للنقل الجوي، الهيئة الصناعية العالمية لشركات الطيران، مقره الإقليمي في الرياض، لكن نفى اتحاد النقل الجوي الدولي أن يكون للمكتب السعودي مسؤولية إقليمية.
وجاء الإعلان السعودي في أعقاب الكشف عن خطط سعودية لإنشاء شركة طيران جديدة تنافس قادة العالم، طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية.
ومما يزيد من تعقيد إدارة الاختلافات حقيقة أنه من المرجح أن تتنافس السعودية والإمارات على حصتها في السوق لأنهما يسعيان إلى تعظيم عائداتهما من صادرات النفط على المدى القصير والمتوسط قبل أن يهبط الطلب على النفط ثم ينخفض في ثلاثينيات القرن الحالي.
وأخيرًا، وربما الأهم من ذلك، أن التنويع الاقتصادي والتحرير الاجتماعي مرتبطان بطموحات جيوسياسية متنافسة لولي العهد في وضع بلديهما كقائد إقليمي وليس كزعيم إقليمي.
وعادت الاختلافات في التفكير الإيديولوجي والجيوسياسي للأمير محمد فيما يتعلق بالإسلام السياسي والإخوان إلى الظهور مؤخرًا للمرة الأولى منذ ست سنوات.
وتجلت المقاربات السعودية والإماراتية المتباينة في البداية في عام 2015 عندما تولى الملك سلمان وابنه منصبهما، وهي الفترة التي كان فيها ولي العهد الإماراتي، الذي يعتبر الإسلام السياسي والإخوان المسلمين تهديدًا وجوديًا، لم يقم بعد بإقامة علاقات وثيقة مع القيادة الجديدة للمملكة.
وفي ذلك الوقت، قال وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، بعد شهر بالكاد من صعود الملك سلمان، لمحاوره أنه “لا توجد مشكلة بين المملكة والجماعة”.
ونظمت رابطة العالم الإسلامي، وهي هيئة أنشأتها السعودية في الستينيات لنشر النزعة الدينية المحافظة والتي سيطر عليها الإخوان لفترة طويلة، مؤتمراً بعد شهر في مبنى بمكة المكرمة لم يتم استخدامه منذ حظر الإخوان، وتمت دعوة القطريين الذين تربطهم علاقات وثيقة بالإسلاميين.
وتبنت السعودية خطاً أكثر تشدداً تجاه الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين في غضون أشهر من صعود آل سلمان مع اكتساب الشيخ الإماراتي محمد نفوذاً في المحكمة السعودية.
وأصبحت الرابطة الإسلامية منذ ذلك الحين الوسيلة الرئيسية لولي العهد السعودي للترويج لدعوته للتسامح الديني والحوار بين الأديان، حيث تروج المملكة والإمارات لأنفسهما كرموز للإسلام المعتدل اجتماعيًا الذي يؤيد مع ذلك الحكم الاستبدادي.
وأشارت المملكة إلى تغيير محتمل في موقفها تجاه الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين مع بث قناة العربية السعودية التي تسيطر عليها الدولة الأسبوع الماضي مقابلة مدتها 26 دقيقة مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، والمقيم في الدوحة.
وتحافظ حماس على علاقات مع إيران ويُنظر إليها على أنها جزء من جماعة الإخوان.
ودعا مشعل، خلال اللقاء مع قناة العربية، إلى استئناف العلاقات بين السعودية والحركة.
وصنفت السعودية حماس على أنها منظمة إرهابية في العام السابق لصعود آل سلمان كجزء من نزاع بين قطر، الداعمة لحركة حماس والإخوان، والسعودية والإمارات والبحرين، التي سحبت سفراءها من الدولة الخليجية.
وكانت المملكة مستاءة بشكل خاص من العلاقات الوثيقة التي أقامتها حماس مع إيران وكذلك تركيا، المنافسين الرئيسيين للسعودية على الهيمنة الإقليمية.
وسيكون الاختبار الحقيقي لدرجة التغيير في موقف المملكة هو ما إذا كانت السعودية ستطلق سراح العشرات من أعضاء حماس الذين تم اعتقالهم في عام 2019 كجزء من الجهود السعودية لحشد الدعم الفلسطيني لخطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية المثيرة للجدل التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتي عُرفت بـ”صفقة القرن”.
وقالت مصادر إن قناة “العربية” امتنعت عن بث مقطع من المقابلة دعا فيه مشعل إلى الإفراج عن المعتقلين.
ويجعل التنافس السعودي الإماراتي وطموحات قادتهما، المتناقضة حاليًا، حدوث تكامل اقتصادي أو سياسي بين البلدين أمرًا غير مرجح.