شدوى الصلاح
في ساعة متأخرة من مساء الأحد 25 يوليو/تموز 2021، جمد الرئيس التونسي قيس سعيد، البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وأقال رئيس الوزراء هشام المشيشي، واستولى على السلطات الثلاثة، في تحرك وصف سياسياً بـ”الانقلاب على الدستور”.
وهو التوصيف الذي يرفضه الرئيس التونسي، ويزعم عمله على إنقاذ الدولة التونسية، عملاً بالمادة 80 من الدستور التونسي، التي تمنحه حق اتخاذ التدابير الاستثنائية اللازمة في حالة خطرٍ داهمٍ مهددٍ لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدّولة.
وبذريعة استخدامه لتلك المادة من الدستور، أتبع سعيد قراراته بأخرى جديدة شملت تحركات قضائية وإقالات بالجملة لعدد من القضاة والمستشارين بالديوان الرئيسي، وساندته السلطة الأمنية بشن حملات اعتقال واسعة على نواب برلمانيين أعلنوا رفضهم للانقلاب.
وبدوره، اتهم رئيس البرلمان المعطل راشد الغنوشي، الإمارات بالوقوف وراء الانقلاب، واحتفت الصحف التابعة للدول المعروفة بدول محور الشر المتمثلة في “مصر الإمارات السعودية” بالانقلاب واعتبروه انتقاماً من الإخوان وإنهاء لحركات الإسلام السياسي.
كل ذلك وغيره دفع “الرأي الآخر” لمحاورة مؤسس ورئيس مؤسسة قرطبة للتحاور بين الثقافات أنس التكريتي، لقراءة الأحداث والحديث عن دور الثورة المضادة في الانقلاب ومآلاته.
إليكم نص الحوار
** بداية كيف تقرأ ما حدث في تونس؟
– ما حدث في تونس لا يخرج عن فصول الثورة المضادة لثورات الربيع العربي.
** لماذا حركت الثورة المضادة الانقلاب في تونس؟
– في تونس انطلقت مسيرة الربيع العربي في نهاية 2010 وبداية 2011 وبقيت هي المحطة الوحيدة التي لم تنهار خلال العشر سنوات الماضية بعد الانقلاب الذي حدث في مصر وتشويه الثورة في اليمين وسوريا وليبيا، وبقيت تونس الحصن الذي يذكر بالربيع العربي وأنه حي وموجود.
– ورغم الصعوبات والعراقيل التي تعرضت لها التجربة الديموقراطية إلا أنها بقيت، وهذا ما وضعته الثورة المضادة في حساباتها، وسعت لإزالته حتى لا يبقي أثر للربيع العربي ولا يبقى نموذج يشار له من قبل أي شعب من الشعوب بأن تونس نجحت وبذلك يمكننا أن ننجح.
– تونس حلقة ضمن السلسلة التي تستهدف كل رموز وكل محطات الربيع العربي وإطفاء شمعة الأمل وبرق الضوء الذي ربما يستنير به بعض المتفائلين في العالم العربي، من أنه يمكن القيام بثورات تغييرية ثم البقاء على تلك التغييرات والثورات.
** من هم أطراف الثورة المضادة؟
– الإمارات والسعودية ومصر بالإضافة إلى الحليف الأوروبي في حالة تونس وهي فرنسا.
** من أبرز الأطراف الفاعلة في انقلاب تونس؟ وما دلالات ذلك؟
– تدخل الإمارات في شأن تونس في أخر خمسة سنوات أمر معروف وشراء ذمم بعض من كانوا في البرلمان وربما يزالوا في مجلس النواب، وكذالك الصلة المباشرة بين الإمارات وبين مكتب الرئيس قيس سعيد، وما تم الكشف عنه قبل أيام من الانقلاب من إيصال الإمارات 500 ألف لقاح لفيروس كورونا لتونس في الوقت الذي كان البلد يفتقد للقاحات وقت انتشار الجائحة.
كل ذلك يؤكد على دور أطراف وأصابع الإمارات من خلال ممثليها التونسيين وكذلك من خلال وجود بعض الأشخاص الغامضين مثل ما قيل عن وجود ضباط مصريين ومواجهتهم لهشام المشيشي يوم إعلان سعيد لقراراته، وما تبع ذلك من تسريبات بشأن مطالبة أميركا للحكومة التونسية تسهيل خروج بعض الضباط الإماريتين.
** لماذا استبشر الجميع بوصول قيس سعيد للسلطة وهل انضمامه إلى محور الثورة المضادة مفاجأة؟
– قيس سعيد احتفى بمجيئه الكثير من الناس وأنا كنت منهم واعتبرنا مجيئه امتداد لعمر الربيع العربي والنهج الديموقراطي والثوري التونسي، ومحاولة الخروج عن الخط الذي يراد للأنظمة العربية، إلا أن كلامه في شأن التطبيع مع الاحتلال وموقفه تجاه المطبعين جعلنا ننظر له أنه خائن وعميل.
– الحقيقة أن الكل وأنا منهم استبشرنا خيرًا بسعيد، لأنه لا ينتمي للطبقة السياسية التونسية المعتادة ولم يكن يعرف عنه التصاقه مع النظام السابق ولا يعرف عنه أنه رجل الأمن التونسي، فاستبشرنا أنه ربما رجل يأتي من خارج المنظومة السياسية ربما يكون خير لتونس وللنهج الديموقراطي والثوري التونسي ولكن برز أنه له بعض التصرفات التي تثير الاستغراب كطريقة كتابة البيانات والعرائض وطريقة إيصالها وبعض المقاطع تظهره وكأنه سلطان يأتي من القرن العاشر يتكلم بلغة مقعرة.
– تصرفات قيس سعيد أثارت الاستغراب، لأنه في الوقت الذي تعاني بلاده من أزمات اقتصادية ومجتمعية وأمنية وغيرها، يكتب رسائل بخط اليد تربو على عدد من الصفحات ويلتقط لقطة فيديو وهو يسلم هذه العريضة للذي يحمل الرسائل كأنه شخص جاء من ألف ليلة وليلة.
– تبين بعد ذلك أن الأمر أخطر من هذا بكثير حيث أنه له لقاءات ويسمع لأطراف داخل أو خارج تونس تدفعه باتجاه جمع السلطات بيده، فيصدر قرارات تسلب البرلمان التونسي من صلحياته ويعزل رئيس الوزراء والوزراء ويقطع العلاقة مع رئيس النواب راشد الغنوشي وغيرها.
** قبل شهرين من إصدار سعيد لقراراته سرب الإعلام الغربي أنباء عن إعداده للانقلاب،، لماذا تجاهلها العالم؟
– نعم تسرب شئ كان سعيد قد كتبه وكان يظن أنها لن تخرج ولكنها خرجت وتبين بأنه كان يريد الإقدام على خطوة في غاية الخطورة، وشاركت حينها في عدد من اللقاءات الإعلامية مع ناشطين وسياسيين تونسيين ووجدتهم خففوا من ذلك وأن الموضوع لا قيمة له وأن الموضوع لا يجب أن يأخذ حيز اهتمام أكبر من حجمه.
– وصفه البعض حينها بأنها سذاجة سياسية وقلة خبرة إنما كان هناك من يوجهه أو في ذهنه أنه هو يستثمر دوره للعمل وفق لأجندات معينة، ولم يظهر بأنه الرجل الذي يهتم ويريد مصلحة تونس ولا ينحاز لأجندات معينة إنما كان صاحب مشروع وأجندة وحاول قدر المستطاع استثمار واستغلال منصبه لتحقيق تلك الأجندة.
** ما تعليقك على زعم قيس سعيد استناده للمادة 80 من الدستور التونسي في قرارات؟
– ما فعله سعيد “فذلكة” لتبرير ما قام به، وهذا أمر مشين، الانقلاب كان متكامل الأركان حيث استند إلى الدستور التونسي، فبذلك هو خلع أي صلاحيات من أي جهات ووضعها في جعبته هو كرئيس للجمهورية، وأغلق البرلمان ووضع حوله عدد من الدبابات والعساكر ليمنع النواب المنتخبين من قبل الشعب التونسي أن يدخلوه، ثم بعد ذلك قامت أجهزة الأمن بملاحقة واعتقال الناشطين والسياسيين الذين انتقدوه والذين تكلموا في السابق عن حالات الفساد وغير ذلك.
** هل تتشابه الأحداث في تونس مع الانقلاب العسكري في مصر 2013؟
– نعم ما تبع قرار قيس سعيد من تحركات أدخلنا في طور كما حدث في مصر بعد الانقلاب، لذلك لا يمكن لأي أحد حتى الذي كان يصف الانقلاب بأنه “انقلاب دستوري” بمعنى أنه اعتمد على الدستور خاصة بعد ما ارتكب من خرق لحقوق الإنسان وضد العدالة والحريات ألا يقول أن هذا انقلاب كامل.
– انقلاب سعيد تبعه مداهمات لأماكن إعلامية مثل العربية والجزيرة وغيرها ومنع الصحفيين أن يدخلوا في مواقع معينة، وإلزامهم بأن يسألوا أسئلة معينة، حتى مراسلي المنابر الدولية مثل واشنطن بوست وغيرها، كل هذا من العلامات التي لا يمكن أن نفسرها إلا في إطار الانقلابات.
** إذا هل يمكن القول إن قيس يسير بتونس على خطى مصر؟
– إذا لم يتم التراجع عن الانقلاب في تونس سنرى مثل ما حدث في مصر من اعتقالات جماعية وإصدار أحكام، ومنع التجمعات، ومنع الخروج بعد ساعة معينة، وهكذا مما تفعله الانقلابات والأنظمة القمعية.
– يحاول البعض التخفيف مما حدث بوصف قرارات سعيد بأنها “إجراءات مزعجة ولكن يمكن أن تعود للمسار”، استناداً على أن سعيد ليس رجل سياسي ليقوم بما فعله رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، كما أنه ليس حزبي حتى نقول أنه مع الحزب الخاص به ضد الأحزاب الأخرى، لكن باعتقادي أن ما تم هو “انقلاب متكامل الأركان وينبغي التعامل معه على هذا الأساس”.
– من أهم العلامات على أن ما حدث انقلاب، غياب رئيس الوزراء المعين من قبل قيس سعيد، فقد مرت 10 أيام دون أن نسمع عنه ولم نره، قيل أنه تعرض للضرب، ولكنه لم يظهر.
** لماذا نفذ سعيد انقلاباً رغم امتلاكه لكافة الصلاحيات التي تمكنه من إدارة البلاد؟
– اعتادت الانقلابات استهداف ثورات الربيع العربي مستخدمة سردية مناهضة الإسلام السياسي أو الإخوان المسلمين وفي حالة تونس كانت حركة النهضة هي الهدف، وهذا أمر يبعث الضحك، لأن النهضة في تونس لم يكن الحزب الحاكم بل كان الحزب الأكبر فقط بفعل أصوات الناخبين وهذه هي الديموقراطية التي أرادها الشعب التونسي.
** كيف ترى قول البعض إن ما حدث في تونس انقلاب على الإخوان وإسقاطا لحركة النهضة؟
– هذا أمر في غاية البلاهة والبلادة ونكتة سمجة، لأنه لم يكن الحزب الأقوى من حيث القدرة على التشريع أو سن القوانين وتنفيذها، ولم يكن له رئيساً للدولة.
– حزب النهضة كان يمتلك 27% فقط من أصوات البرلمان ولم يكن الرئيس أو رئيس الوزراء تابعين له، بل هو معين من قبل الرئيس، ولم يكن لحزب النهضة أيضا وزير واحد.
– النهضة أعلن المرة تلو المرة بدء من 2013، استعداده التنازل، ولا يزال الشيخ راشد الغنوشي معلناً استعداده لذلك في حديث له مؤخراً مع وكالة فرانس برس، شرط الحفاظ على المسار الديمقراطي.
** ما هي مآلات الانقلاب؟
– الانقلاب سيعيد التونسيين إلى العيش في الظلام ويمنع كل الحريات التي جاء بها الربيع العربي في تونس وعايشتها على مدار 10 سنوات، ظهرت في خروج الكثير من المظاهرات والمطالبات وقدرة الشعب على التنديد، بعكس ما كان يحدث في عهد بن علي، من عدم تجرؤ أحد على الخروج في مظاهرات، ومستقبلاً بعد الانقلاب سيمنع النظام كل هذه المظاهر.
** وهل سيتحمل الشعب التونسي ذلك؟
– مناهضة شرائح كثيرة لقرارات بن سعيد ومطالبته بالتراجع والتنديد بها، يدل على النضج الذي يتمتع به الشارع التونسي، والفهم والإدراك لأبعاد مثل حركة الانقلاب على تونس ومستقبلها والحريات وحقوق الإنسان والمكانة التي وصلت إليها تونس، التعويل يبقى على نضج الشعوب واستفادتها بالخبرات التي مرت بها الدول التي شهدت انقلاب خاصة مصر.
** اعتبرت أن المظاهرات دليل على الحريات أليست أيضا دليل على ما تعانيه تونس من أزمات وفشل الحكومة في حلها؟
– الانقلاب أثبت أن الأزمات التي تمر بها تونس مفتعلة والدليل على ذلك، أن الإعلام التونسي وداعمي الانقلاب كانوا يتحدثون عن انتشار جائحة كورونا، وعقب إعلان الانقلاب، انتهى الحديث عن الجائحة وكأنها ذهبت وكأن مشكلتها كانت حزب النهضة ووجود برلمان وديمقراطية وحرية سياسية، ووعدت الأطراف التي أردات الانقلاب باستثمارات مباشرة.
– هذا يدل على المنهج الذي تريده الثورة المضادة ودول محور الشر العربي المتمثلة في مصر والإمارات والسعودية ومعهم بعض الأطراف الأجنبية -فرنسا- .
** ما قراءتك لمستقبل تونس؟
– إن لم يتراجع بن سعيد ويعلن مباشرة عن انتخابات مبكرة لإعادة تنظيم الأمور وترسيخ أن بلاده على نهج الديمقراطية، سيؤول الحال في تونس إلى ما آل إليه الوضع في مصر من عيش في فقر وعطش وجوع وخوف مستمر.
– أخشى أن يستمر هذا الانقلاب لأن هناك من هو مستعد بالداخل والخارج للتضحية بالحريات والديمقراطية والانفتاح وحقوق الإنسان وما عايشته تونس خلال العشر سنوات الماضية لإخراج الـ20% من مجلس النواب من حزب النهضة فقط.
– وهذا ثبت بما لا يدع مجالا للشك من خلال عناوين الصحافة الصفراء التي صدرت في الرياض وأبو ظبي والقاهرة، بأن هذا كان انقلاباً على الإخوان المسلمين، وكأن الإخوان هم فقط من سيعانون من القمع والاستبداد والسجن والإعدامات الطويلة والمؤبدة.
– تونس كلها على المحك الآن وعندما تقفل صناديق الاقتراع فالكل سيعاني سواء إخوان أو غير إخوان، وهو ما لا يهم فئة الثورة المضادة، ما يهمها ألا يتبقى شئ يمت للإسلام السياسي.