جاري ميلر
يُقال أحيانًا إنه يمكن الحكم على المجتمع من خلال الطريقة التي يعامل بها سجنائه، ومع ذلك، في حالة الأنظمة القمعية، من مصر إلى كمبوديا، فإن معاملة السجناء تتحدث عن حكام بلد أكثر مما تتحدث عن المجتمع نفسه.
في المملكة العربية السعودية، بينما حاول ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن سلمان تصوير نفسه على أنه مصلح تقدمي، متذرعًا برؤيته الطموحة 2030 ومشاريعه الضخمة مثل مدينة نيوم، ترأس في نفس الوقت هجومًا ضد حقوق الإنسان لم يسبق له مثيل في ضراوته.
وتكشف الظروف في السجون ومراكز الاعتقال السعودية بشكل صارخ الطبيعة الحقيقية لحكومة محمد بن سلمان.
وكشف تقرير جديد ومعمق صدر عن منظمة القسط، وهي منظمة حقوقية غير حكومية تركز على المملكة العربية السعودية، والتي تضمن أبحاثها مسحًا فريدًا للسجناء، أن انتهاكات حقوق السجناء زادت إلى درجة مقلقة في السنوات الخمس الماضية.
خذ، على سبيل المثال، التناقض بين الهدف السامي الذي تم التعبير عنه في رؤية ولي العهد 2030 لتطوير “نظام رعاية صحية شامل وفعال ومتكامل” في البلاد، بينما الواقع في السجون السعودية يؤكد وجود ظروف غير صحية وغير إنسانية بسبب الازدحام وسوء النظافة والإهمال الطبي والجريمة وتعاطي المخدرات وانتشار الأمراض المعدية.
في ظل هذه الظروف، وبدون توفير الحماية الكافية للسجناء، كان لكوفيد-19 أثره حتمًا، وبعد تفشي الفيروس في سجن الحائر، تم الاحتفاظ بالسجناء الأصحاء في نفس الجناح مع المصابين بالفعل ثم تم تطعيمهم بعد ظهور الأعراض عليهم، خلافًا للإرشادات الطبية، وهو ما قد يترتب عليه عواقب قاتلة.
في العام الماضي، في عمل آخر جسيم وإهمال طبي متعمد من جانب السلطات السعودية، توفي الناشط الحقوقي الرائد عبد الله الحامد في السجن عن عمر يناهز 69 عامًا بعد أن رُفض مرارًا طلبه إجراء جراحة قلب حيوية.
وعندما أصيب الحامد أخيرًا بجلطة دماغية، لم يُنقل إلى المستشفى لعدة ساعات وتوفي بعد بضعة أيام.
ويُظهر بحث القسط أن الإهمال والمضايقة وسوء المعاملة تتم بشكل روتيني ضد سجناء الرأي الذين ارتفعت أعدادهم وسط موجات متكررة من الاعتقالات.
وغالبًا ما يعاني السجناء السياسيون من أشكال من سوء المعاملة، مثل الإساءة الجسدية والنفسية والمضايقة والعزل والحرمان من الاتصال الأسري.
لكن خارج نظام السجون السعودي الرسمي، في أماكن الاحتجاز غير الرسمية، حدثت بعض أسوأ الانتهاكات في عهد محمد بن سلمان.
وشملت هذه إساءة معاملة المئات من رجال الأعمال وغيرهم ممن تم احتجازهم في فندق ريتز كارلتون بالرياض عام 2017، بالإضافة إلى التعذيب والتحرش الجنسي ضد نشطاء حقوق المرأة في العام التالي، والذي وقع في منشأة سرية يطلق عليها اسم “الفندق”.
ولا تزال تفاصيل جديدة عن الانتهاكات تتجلى، مثل قضية الناشط الحقوقي محمد الربيعة، الذي عانى شهورًا من التعذيب بعد اعتقاله مطلع 2018، وحُكم عليه مؤخرًا بالسجن 6 سنوات بسبب نشاطه، ومن المتوقع صدور حكم في استئنافه هذا الشهر.
حالة أخرى ظهرت مؤخرًا تتعلق بالفعل بالتعذيب داخل قصر ملكي، إذ بعد اعتقاله في عام 2016، نُقل الداعية سليمان الدويش إلى قبو أحد القصور في الرياض، بزنازين مجهزة بأدوات تعذيب يديرها أفراد من حاشية محمد بن سلمان، حيث ضربوه حتى غرق بالدماء، ولم يسمع أي خبر عن الدويش منذ آخر مرة تم الإبلاغ عن رؤيته في يوليو 2018.
ومع ذلك، على الرغم من ظهور مثل هذه الروايات المروعة، تظل السلطات السعودية مصممة على الإنكار والتشتيت.
في عام 2019، تم تجاهل طلب من نواب بريطانيين لزيارة السجون السعودية للتحقيق في تقارير التعذيب، وفي الآونة الأخيرة، في المحاكمة الصورية للناشطة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول، رفضت المحكمة إفادات التعذيب الذي تعرضت له أثناء احتجازها.
ومع حرمان عدد لا يحصى من الضحايا داخل السعودية من العدالة، فإن الأمر متروك للمجتمع الدولي لضمان المساءلة.
وعلى الرغم من أن اغتيال جمال خاشقجي صدم العالم في عام 2018، إلا أن الصورة اليوم أكثر اختلاطًا، مع وجود فجوات كبيرة بين الخطاب والعمل.
وأصدر البرلمان الأوروبي مؤخرًا قرارًا يدعو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى محاسبة المملكة على سجلها في مجال حقوق الإنسان ؛ في غضون ذلك، يبدو أنه من غير المحتمل على نحو متزايد أن يتم الوفاء بوعود إدارة بايدن “بإعادة ضبط” العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.
لكن مع استمرار محمد بن سلمان في تقديم نفسه على أنه مصلح ومدافع عن المرأة السعودية، دعونا نتذكر مصير عدد متزايد من السجناء السعوديين، الذين تم اعتقال العديد منهم لمجرد التشكيك في سياساته، والحكم على ولي العهد لأنه يستحق المحاكمة.