شدوى الصلاح
باباً للجدل فتحه النظام الجزائري العسكري باستحضاره لنظرية المؤامرة وإعلانه عن وجود “أيادي إجرامية” تقف وراء الحرائق المشتعلة في البلاد منذ الإثنين 9 أغسطس/آب 2021، والتي أسفرت عن مقتل ما بين 70 – 120 شخص -وفق تصريحات رسمية وغير رسمية-، بالإضافة إلى هلاك آلاف الحيوانات ودمار الطبيعة.
وتبع ذلك تشكيك شعبي في النظام واتهامه بالوقوف وراء إشعال منطقة القبائل التي تضم قرى ومدناً جبلية تقع شرق الجزائر العاصمة، والمتمردة على السلطة الحاكمة والمطالبة بتفكيك النظام، بالتوازي مع توجيه أصابع الاتهام مباشرة للنظام بالفشل في إدارة الأزمات.
وذهب الشارع الجزائري لأبعد من ذلك، بتحميل النظام العسكري المسؤولية المباشرة عن أرواح الجنود التي راحت ضحية محاولة إطفاء الحرائق، بعدما أظهرت الصور ومقاطع الفيديو المتداولة عدم تزويدهم بالمعدات اللازمة لإطفاء الحرائق، واستخدامهم لأدوات بدائية.
تضارب التفسيرات حول الأحداث وما أعقبها وما سبقها من أزمات متتالية اجتماعية واقتصادية تعيشها البلاد تحت نظام عسكري مستمر منذ 1962، دفع “الرأي الآخر” لمحاورة الدبلوماسي الجزائري السابق وعضو حركة رشاد السياسي المعارض محمد العربي زيتوت.
إليكم نص الحوار
** بداية، ما تقيمك لتعامل النظام الجزائري مع الحادث وإدارته له؟
– مرة أخرى يثبت النظام الجزائري أنه فاشل في إدارة الأوضاع، وعجزه عن توفير الحماية المدنية “المطافئ” حتى في حدودها الدنيا للقيام بعملها، بالإضافة إلى المشاكل المحلية وغيرها التي تعوق إطفاء الحرائق.
– الفشل عارم وواضح ويأتي مباشرة بعد فشل النظام في توفير الأكسجين مما تسبب في قتل المئات، وما زالت المشكلة قائمة ولكن غطت عليها الحرائق، بالإضافة إلى فشله في حل مشكلة انقطاع المياه عن الكثير من المدن بما فيها العاصمة، مما أدى إلى احتجاجات داخل العاصمة. – شاهدنا السكان هم من قاموا بإطفاء الحرائق بينما تعطلت كالعادة الأدوات الحكومية للقيام بدورها، وعندما وصلت قابلت إشكاليات في القضاء على هذه الحرائق.
** ومن المسؤول عن ما آلات إليه الأوضاع من خسائر بشرية ومادية؟
– المسؤولية الكبيرة تقع على النظام القائم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، نظراً لفشله في إدارة الغابات مثلما فشل في إدارة كل الإدارات في كل أنحاء البلاد، وانعدام الإمكانيات في مواجهة الحرائق.
** بما تفسر إشارات النظام إلى أن الحرائق مدبرة وهل هي للفت الانتباه عن فشله في إدارة الأزمة؟
– إشارات النظام مردها إلى ثلاث أسباب رئيسية:
الأول أن هناك خصومات فعلية داخل النظام، وربما يقصد الجناح المسيطر الآن الذي يقوده الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الوطني سعيد شنقريحة، اتهام أجنحة أخرى متخاصم معها سواء كان جناح نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي القايد صالح، الذي تم سحقه سحقا كبيراً، أو جناح قائد المخابرات الأسبق محمد مدين توفيق، ووزير الدفاع الأسبق خالد نزار، الذي ما زال لديه إمكانيات إزعاج شديدة وهو مشارك في حدود معينة في بعض المناصب ولكنه يريد الاستيلاء على السلطة كاملة.
والثاني: ربما يقصد النظام في قوله إن الحرائق مدبرة، “المقاومين والمعارضين للنظام” خاصة أن الحرائق تركزت في منطقة القبائل في تيزي وزو وما جاورها والتي تعد أكثر المناطق مقاومة للنظام القائم، فربما أراد أن يدخل نوع من الشكوك بأن هذه الحرائق بفعل فاعل بهدف تقسيم الناس تجاه الأغلبية الشعبية.
والثالث: يريد النظام تبرير الفشل وأنه لن يستطيع إيقاف هذه الحرائق حتى لا يقول الناس لماذا لا تكونوا مؤهلين لمواجهة هذه الحرائق التي تحدث كل سنة وإن كانت هذه السنة حدثت بشكل مريع.
** بما أنك تطرقت إلى تركز اشتعال الحرائق في أكثر المناطق مقاومة للنظام، فبرأيك هل هناك فعلاً أيادي خفية تابعة للنظام تقف وراء الحادث بهدف استهداف القبائل المعارضة؟
– إذا تتبعنا بعض تصريحات الناطقين غير الرسميين باسم جناح خالد نذار وتوفيق، فالإجابة نعم، لأنهم أشاروا إلى أن حرائق كبيرة ستحدث في البلاد خاصة في منطقة القبائل، والمحتمل أنهم كانوا يعطون إشارة لذلك، أو أنهم كانوا يتمنون أن يحدث ذلك.
– مما لا شك فيه أن منطقة القبائل “تيزي وزو وبعض المناطق المجاورة” تشكل إزعاجاً كبيراً للنظام لأنها منطقة مقاومة بشدة له وتتزعم المعارضة والمقاومة داخل البلاد.
– صحيح أن غالبية الشعب الجزائري 80% منه أفصح عن معارضته للنظام، بدليل مقاطعة الانتخابات الأخيرة بنسبة مقاطعة 77%، والـ23% الباقية حسب منها أصوات 5% فقط، ما يثبت أن هناك معارضة كبيرة داخل الجزائر ككل، إلا أنها تتركز بشكل خاص داخل القبائل، وجائز جدا أن هناك محاول لإضعافها وتشتيتها ومحاولة إلهاءها، لكننا ستنتظر شهادات أهالي المنطقة.
** أياً من أجنحة السلطة التي ذكرتها قد يكون الأكثر تورطاً في إشعال الحرائق؟
– المخابرات التابعة للجناح الحاكم، لأن لديها مجموعة أسباب تدفعها لتوجيه الأنظار نحو الحرائق، وإشعال الحرائق فكرة شيطانية لجأت لتنفيذها في أخطر المناطق المعروفة بمقاومتها للنظام لضرب عدة عصافير بحجر واحد، والتصدي للشعب الثائر ضده، الذي فشل في قمعه، والتغطية على انهيار المنظومة الصحية وتضخم الأزمات الاجتماعية والمعيشية من فقر وبطالة وأزمات مياه.
** تداول الناشطون صوراً لجنود يحاولون إطفاء الحرائق بفؤوس وهم يحملون على ظهورهم عتاد عسكرية، فما تعليقك؟
– لم يكونوا هناك للإطفاء وإنما كانوا موجودين في مراكز عسكرية في هذه الغابات وبعض الجبال والقرى، ولكن النظام أردا إظهارهم بأنهم ذهبوا دفاعاً عن أهل القرى والمواطنين لإحداث تعاطف لأنه يشعر بالانفصام الكبير بين الشعب والجنرالات ويريد أن يظهر وجود تضامن جيش وشعب وأن الجنود يموتون من أجل الشعب.
– لكن هذه البروبجاندا انقلبت عليهم وبدأ الشعب يستنكر إرسال الجنود بأدوات بدائية لإطفاء الحرائق والمعدات العسكرية على ظهورهم، مما يعد دفع النظام بالجنود للموت لاستجلاب التعاطف الشعبي.
– لاحظنا أيضا أن تبون عندما تحدث بعد أقل من 24 ساعة من تضخم الحرائق، ألحقها بتعزية للجنود وأهالي الجنود لإبراز الصورة بأن الجيش يقاوم الحرائق.
** هل تتوقع تحركات شعبية مناهضة للنظام بعد الفشل الواضح في إدارة الأزمة؟
– التحركات الشعبية لم تهدأ إلا بسبب ظهور الكورونا فقد بدأت في 22 فبراير/شباط 2019، واستمرت حتى مارس/آذار 2020، وهدأت 11 شهر وعادت في فبراير/شباط 2021، ثم توقفت مرة أخرى قبل حوالي شهر عندما عاد انتشار الكورونا، وتوقفت قبلها في بعض المناطق نتيجة للقمع الشديد والاعتقالات التي تتم بلا حدود.
– الغضب الشعبي عارم وهذه الأحداث ستزيد من الاحتقان الشعبي، خاصة مشكلة نقص الأكسجين في المستشفيات التي تسببت في وفاة المئات داخل المستشفيات الأسبوع الماضي، والذي أظهر الفشل العارم للنظام، مما أفقده حتى تعاطف القلة الموجودة في بعض المدن التي كان لديه شعبية فيها ومحسوبة عليه لأنها تضررت من الأزمة وأعلنت غضبها.
– الانفصال والانقطاع الكامل بين النظام القائم والشعب حقيقة ثابتة الآن، ونتمنى أن يستمر الشعب في المقاومة السلمية، النظام على نهايته والقضية فقط هو متى سينتهي.
** كيف ينظر الشعب الجزائر للنظام القائم؟
– الجزائريون يعتبرون النظام الحالي نظام عصابات إجرامية، وبرز ذلك خلال المظاهرات التي عادت في فبراير/شباط 2021، عندما نادى المتظاهرين بإسقاط “المافيا العسكرية” والمخابرات العسكرية، في إشارات إلى أن البلاد تحكمها مافيا عسكرية عن طريق يد ضاربة وباطشة هي المخابرات العسكرية.
** أرصد لنا الواقع الذي يعيشه الجزائريون في ظل النظام الراهن؟
– كل يوم يمر يشهد مزيد من الكوارث والمآسي والتضرر هناك عمليات انتحار رهيبة في الجزائر آخرهم أحد المناضلين توفى أمس بعدما أحرق نفسه نتيجة القمع البوليسي المستمر في البلاد، وكثيرين ينتحرون لمآسي اجتماعية واقتصادية، والقمع المستمر على البلاد، بالإضافة إلى هرب الكثيرين في قوارب صغيرة إلى إسبانيا وإيطاليا وصل عددهم 4 آلاف.
– الجزائريون يبحثون عن الهروب من البلاد ويقصدون حتى البلدان الإفريقية الفقيرة بحثاً عن أي ملجأ للحياة التي أصبحت بائسة جدا في الجزائر بسبب القمع الذي أضيف على أزمة الكورونا والمياه والأكسجين وزحف الفقر على الملايين، وغيرها من الأزمات، ناهيك عن فقدان مئات الآلاف لوظائفهم.
** ما توقعاتك لمستقبل البلاد في ظل كل هذه الأزمات؟
– احتمالات سقوط النظام كبيرة جدا وسيكون له تكلفة كبيرة جدا لأن كبار الجنرالات في نظام العسكر يخشون المحاسبة، خاصة وأن جنرالات الجزائر اليوم كانوا قتلة في التسعينات وأدخلوا البلاد في حرب شديدة، ولن يسلموا السلطة للشعب وسيقاومون إلى آخر نفس.
– اعتقد أن الطريق السلمي أو اللاعنف الذي تبناه الشعب الجزائري سيجنب البلاد الوصول للحالة السورية أو الليبية.