مر لبنان برحلة صعبة خلال العام الماضي، إذ فشل في تأمين حكومة قابلة للحياة، وحدث انفجار بيروت الكارثي، وانهار الاقتصاد الذي تسبب في انخفاض العملة، وفوق كل هذا يلوح في الأفق حزب الله، الموجود دائماً في النظام السياسي اللبناني المنهار.
هذا هو لبنان اليوم، وما زال الوضع مترديًا، مع نقص مزمن في الوقود وانقطاع متكرر للتيار الكهربائي، في وقت يعاني اللبنانيون، هاجر الكثير من الناس بالفعل، بحثًا عن آفاق أفضل في الخارج.
ومما زاد الطين بلة، كان هناك القليل من الدعم الدولي منذ المساعدة الأولية التي أعقبت الانفجار العام الماضي.
وعرضت فرنسا تغييرًا هيكليًا وفرصة لتنفيذ الإصلاحات- وإن كان ذلك بطريقتها القاسية والقوية عادةً- وتواصل الولايات المتحدة مراقبة التطورات السياسية عن كثب؛ ورحبت بحذر بالحكومة اللبنانية الجديدة.
ولم تتقدم أي دولة حتى الآن لتكون شريكًا وتساعد البلاد في أزماتها العديدة، في وقت أرسلت إيران وحلفاؤها في وقت سابق من هذا الشهر، شحنة ضخمة من الوقود عبر حزب الله، الذي رتب لقوافل من عشرات الشاحنات المحملة بالوقود لتشق طريقها عبر سوريا.
وعلى الرغم من الاعتقاد بأن الجماعة ستبقي الوقود للمناطق الخاضعة لسيطرتها ودائرتها الشيعية والأحياء ذات الأغلبية الشيعية في بيروت، أصر حزب الله على أنه سيوزع الوقود على من يحتاجون إليه بغض النظر عن عقيدتهم أو طائفتهم.
وكان الوقود يعادل ناقلة نفط كاملة؛ ووفقًا لخبير الطاقة اللبناني لوري هاتيان، كما نقلت عنه فورين بوليسي، فإن هذا يكفي فقط لتزويد البلاد بما يكفي لمدة يومين.
وبغض النظر عما إذا كان حزب الله سيوزع الوقود بشكل عادل أم لا، فالحقيقة أن الحركة قامت بانقلاب كبير أرسل رسالتين، أولاً، أنها تضع نفسها على أنها المنقذ المحتمل للبنان من خلال إثبات قدرتها على ترتيب واستلام تسليم سلعة يحتاجها البلد بشكل عاجل، حتى لو احتفظت بالنفط لأغراضها الخاصة، فقد أظهرت أنها قادرة على القيام بهذه الخطوة وتوفير سلعة حيوية.
ثانيًا، تمكن حزب الله من إيصال الوقود دون تدخل أي قوى أجنبية أو غربية لمنعه من ذلك، وعلى عكس شحنات الوقود الأخرى من إيران إلى دول مثل سوريا وفنزويلا، كانت الولايات المتحدة هادئة بشكل ملحوظ بشأن هذا الأمر، حتى الكيان قال صراحة إنه لن يمنعه.
وأدى هذا الأخير إلى اقتراحات بأن واشنطن أعطت إيران وحزب الله “الضوء البرتقالي” للتسليم تفاديا للمواجهة، وربما كانت أيضاً بادرة إيجابية في ضوء المفاوضات الجارية مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وبالطبع، لبنان لا يواجه عقوبات، على عكس سوريا على سبيل المثال، لذلك لأسباب إنسانية فقط، كان لابد من السماح بمرور الوقود، ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الجغرافيا السياسية الأوسع.
وقبل شحنة إيران-حزب الله بوقت قصير، وافقت الولايات المتحدة على خطة لمصر لتزويد لبنان بالوقود عن طريق نقله عبر سوريا بمساعدة الأردن، وقد طغت الشحنة الإيرانية على هذا العرض للتعاون الإقليمي الإيجابي، مذكّرة الجميع بأن طهران وحزب الله لا يزالان من أصحاب المصلحة الرئيسيين في الشؤون اللبنانية، ولا سيما من خلال الأزمات المستمرة.
لكن في سياسات الطاقة المعقدة في لبنان، هناك مجموعة واحدة مفقودة، إذ التزمت دول الخليج، ولاسيما السعودية، الصمت بشكل ملحوظ بشأن مشاكل لبنان وامتنعت عن تقديم أي مساعدة.
ولم يكن أعضاء مجلس التعاون الخليجي من الموردين الرئيسيين للوقود إلى لبنان (اليونان وإيطاليا والولايات المتحدة وروسيا كانت الأكبر في عام 2018)، باستثناء الكويت.
لكن اعتادت السعودية على وجه الخصوص أن تهتم بشكل كبير بالشؤون السياسية اللبنانية، في محاولة للسيطرة على نفوذها في البرلمان، كما فعلت إيران، والفارق الوحيد هو أن محاولات طهران كانت ناجحة.
وتوجت جهود الرياض في هذا الصدد بالفشل الذريع عام 2017 عندما اتُهمت المملكة باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري- وهو يحمل الجنسية السعودية- وإجباره على إعلان استقالته.
وكان كل شيء غريبًا جدًا حينها، لكن كانت السياسة السعودية في لبنان سلسلة من الأخطاء الفادحة الممزوجة بانعدام الثقة، وتلاشى تأثيرها تدريجياً.
وبدا الأمر كما لو أنه قد يتم إحياؤه في يوليو، عندما أعرب رجل الدين المسيحي اللبناني البارز عن أمله في تحسين العلاقات السعودية اللبنانية أثناء لقائه بالسفير السعودي وليد بخاري.
ثم قام مبعوثون أميركيون وفرنسي بزيارة الرياض لبحث الوضع السياسي في بيروت.
لكن منذ ذلك الحين، بدت السعودية غير مبالية إلى حد كبير بما يجري في لبنان، وتبدو التوقعات بأنها ستصبح وسيطًا في الأزمة السياسية في البلاد غير مرجحة إلى حد كبير.
وفي غضون ذلك، اكتسب حزب الله نفوذاً على عدة وزارات في لبنان- من بينها وزارة المالية ووزارة الطاقة والمياه- في محاولة لتعزيز موقعه كحزب سياسي شرعي.
ويوفر الانقلاب في الوقود الآن فرصة له للسيطرة على قطاع الطاقة في بيروت، الذي فيه موردون آخرون بالطبع.
وفي حزيران (يونيو)، على سبيل المثال، قرر العراق مضاعفة إمداداته من النفط الخام إلى لبنان.
وهذا لا يخفي حقيقة أن لامبالاة دول مجلس التعاون الخليجي تجاه لبنان تأتي بنتائج عكسية لهدف المنظمة المعلن المتمثل في منع “المحور” الإيراني من الانتشار في جميع أنحاء المنطقة.
ومع ذلك، فقد أوضحت السعودية بالفعل أنه لن تكون هناك مساعدة للحكومة اللبنانية حتى يتم إجراء إصلاحات ملموسة، بل إنها قالت في تحذير آخر إنه يجب مواجهة جهود حزب الله للهيمنة على لبنان.
ومع ذلك، يبدو أن ما لا تدركه المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي هو أن تجاهل الأزمات التي يمر بها لبنان واستبعادها يفتح الطريق أمام إيران وحزب الله لتولي زمام المبادرة، وبالتالي، فإن دول الخليج تعمل على تمكين وتمكين المحور الذي تخافه.