شدوى الصلاح
قال مؤسس ورئيس مؤسسة قرطبة للتحاور بين الثقافات أنس التكريتي، إن الحراك الدبلوماسي المكثف والمتمركز حول منطقة الخليج بشكل عام هو فصل من فصول إعادة ترتيب وتموضع المحاور الإقليمية في المنطقة.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن المحور الإماراتي السعودي المصري كان قبل سنة هو الأبرز في مقابل المحور القطري التركي الإيراني، إلا أن هذان المحوران لم يعودا كما كانا، ودخلت أطراف أخرى من هذا المحور إلى حيز أطراف من المحور الآخر.
ورجح التكريتي، أن ذلك يعود لعدة أسباب، أهمها عدم إمكانية بقاء المحورين كما كانا لأن الأمر غير قابل للاستدامة، إذ كان المأمول من الموقف الإماراتي السعودي تحقيق مكسب سريع من خلال عزل قطر في الحصار الذي فرضه عليها في 5 يونيو/حزيران 2017.
وأشار إلى أن ذلك كان مأمولا تحقيقه إما من خلال الهيمنة على القرار القطري أو على الأقل إضعاف قطر إلى درجة أنها لا تستطيع أن تبقى خارج حيز المحور الإماراتي السعودي، وهو ما لم يتحقق.
وبين مؤسس ورئيس مؤسسة قرطبة للتحاور بين الثقافات، أن العامل التركي هو الأهم، لذلك سارعت السعودية حين رأت أنها خاسرة إلى محاولة إعادة العلاقة بينها وبين تركيا لعدم إمكانية بقائها على هذا الوضع.
وأرجع أيضا مساعي السعودية التقارب مع تركيا، إلى الظروف الاقتصادية والسياسية نتيجة محاصرة النظام السعودي منذ مقتل جمال خاشفجي، وعدم إمكانية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، العودة إلى ميدان السياسة الدولية.
وتابع التكريتي: “لذلك كان لزاما التعامل السعودي مع تركيا لتخفيف المطالبة بالتحقيق في مقتل خاشقجي والجناة والمشتبه بهم للتحقيق معهم، كما أن تركيا بلد يبقى الطرف الأهم لحلف الناتو في المنطقة وعلاقته شرقا وغربا تفرض على الرياض التعامل معه”.
ولفت إلى أن تركيا ليست بلدا صغيرا أو هامشيا حتى تستطيع السعودية معاداته، قائلا: “إذا نظرنا إلى الوضع التركي سنرى أن تحدياتهم الداخلية والخارجية كبيرة، والحزب الحاكم عليه ضغوط أيضا”.
وأوضح مؤسس ورئيس مؤسسة قرطبة للتحاور بين الثقافات، أن المؤشرات تقول إن تركيا مدت جسور العلاقة والتعامل مرة ثانية مع أطراف كانت مخاصمة لها في السابق، ولديها أدلة تشير إلى أنها شاركت في عملية الانقلاب الفاشلة في 2016.
ورجح أن تركيا فعلت ذلك لاستقطاب استثمارات وتسليم بعض المشتبه بهم والمطلوبين من قبل السلطات التركية، بالإضافة إلى اقتناعها أن البقاء على تلك المحاور السائدة لا يمكنها من تحقيق مصالحها الاستراتيجية والقومية والأمنية.
وعن مسار العلاقات مع طهران، أكد التكريتي، أن السعودية بالأخص وبدفع من الإمارات جعلت حربها موجهة إلى إيران، قائلا إن إيران مهما كانت في حالة عداء وخصومة إلا أنها ليست البلد السهل الذي تستطيع السعودية أو الإمارات إهماله.
وأوضح أن إيران بلد محوري مهم يملك السلاح النووي ويتفاوض مع العالم حول هذا الملف، وبذلك يمتلك أوراقا تفاوضية ليست بسيطة، ولذلك البقاء على حالة العداء لإيران أمر ليس بإمكان السعودية أن تفعله.
وعن دور مجلس التعاون الخليجي في ظل المقاربات الجارية، رأى التكريتي، أنه لم يعد ذو أهمية منذ زمن إلا على صعيد التنسيق الأمني، عدا ذلك فإن الدول الخليجية وقبل حصار قطر 2017، وجدت مصلحتها في عقد اتفاقيات وشراكات خارج إطاره.
وأكد أن المجلس بات مجرد شكل دون أي مضمون كبير، وبعد حصار قطر أفرغ أكثر من محتواه في ظل المهاترات الخطابية، وما جرى من إقصاء أسر كاملة وإبعاد رجال عن نسائهم ونساء عن رجالهم وأولاد عن آبائهم، ومنع القطرين على مدار 3 سنوات من الحج والعمرة.
وأضاف التكريتي، أن هذه التصرفات تتعدى القضايا الدبلوماسية والسياسية وتصل إلى صلب العلاقات الإنسانية البشرية، موضحا أن قضية حرب اليمن وتقاطع المحاور ومحاربة القوات الموالية للإمارات للقوات السعودية، أدت إلى غياب دور المجلس الذي تأسس لأجله.
وجزم أن الفرقة بين دول الخليج عميقة حتى بعد عودة العلاقات السعودية القطرية بتوتر وامتعاض من الإمارات، مشيرا إلى ذهاب الإمارات إلى إيران وإبراز قدرتها التفاوض على عقود أمنية وتجارية، ثم إلى تركيا وتتعهد بصفقات وعقود بقيمة 10 مليارات دولار.
ورأى التكريتي، أن كل ذلك نوع من إبراز العضلات أمام بعضهم البعض، فالإمارات تبتز السعودية بأن بإمكانها أن تتفرد، والسعودية في نفس الوقت تذهب إلى قطر ويوطد بن سلمان علاقته مع الأمير تميم بن حمد، ما يؤكد أن العلاقات الخليجية ليست جيدة.