شدوى الصلاح
قال المفكر التونسي الدكتور أنور غربي، المستشار السابق لرئيس الجمهورية التونسي المنصف المرزوقي، إن خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء أمس الأول 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، كان مجهزا ليوم 17 ديسمبر/كانون الأول بمناسبة ذكرى ثورة الياسمين.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن الخطاب تم تقديمه نتيجة الضغوط المتزايدة من الشعب والأحزاب والمنظمات، والعديد من البرلمانيين الذين أعلنوا استعدادهم لخوض معركة افتكاك الشرعية واختطاف الدولة من طرف الرئيس حاليا.
وأشار غربي، إلى أن الموقف الأخير للاتحاد الدولي للبرلمانيين الداعم للبرلمان التونسي وبيان السبع الكبار وبيان الخارجية السويسرية، تؤكد بأن الأولوية لدى الجميع هي إرجاع البرلمان لأنه لا يمكن التعامل مع فرد في غياب مؤسسات للدولة تضمن الاتفاقات والتفاهمات.
ورأى أن الخطاب غلب عليه طابع وصف الأوضاع التي يتفق الكثير من أبناء الشعب أنها لم تكن مرضية وأن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في تلبية احتياجات الناس خاصة في حياتهم المعيشية التي ازدادت سوء وترديا.
وأكد غربي، أن الوصف يتفق حوله الكثيرون وإن كان الرئيس يعطيه الجانب الشخصي في تخوين خصومه وتبرئة نفسه، ولكن الإجابة التي يعطيها الرئيس هي محل الخلاف الكبير لأنه إلى اليوم وبعد مرور حوالي 4 أشهر لا يعرف الناس الدافع الحقيقي من قرارته.
وأوضح أن الناس لا تعرف الدافع الحقيقي لتجميد المؤسسات والبرلمان والحكومة وتعطيل عمل المنظمات والهيئات الدستورية والتحرش الدائم بالقضاء ومؤسساته، مشيرا إلى أن سعيد ردد مجددا الخطر الداهم دون تسميته وخون خصومه بالإشارة دون تسميتهم.
ولفت غربي، إلى أن سعيد اتهم وزراء ومسؤولين في الدولة دون دليل وهو ما أشار إليه مجددا في توصيفه لحياة الناس الصعبة والتي يربطها بفساد من اختار هم، مستنكرا تأكيده على نجاح تدخله في ملف اللقاحات والحفاظ على حياة الناس.
وذكر بوجود قضيتين لدى منظمة الصحة العالمية متعلقة بخروقات كبيرة في هذا الملف تحديدا، والتلاعب بصحة الناس وحياتهم في الصراع السياسي الذي هو أحد أطرافه الرئيسيين.
وعلى الجانب السياسي، أوضح غربي، أن خطاب سعيد استجابة شكلية لمطالب الداخل والخارج عبر تسقيف زمني للإجراءات الاستثنائية، التي أعلن انتهاءها 17ديسمبر/تشرين الأول 2022 بانتخابات تشريعية بعد “استشارات وطنية” عبر تطبيق مجهول المصدر والفاعلية.
وعد اختيار سعيد لتاريخ رمزي لانطلاق “الاستشارات” وتذكيره بمفردات خطابات الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، تضعف الثقة فيما يقوله، خاصة أنه سبق وذكر أشياء تبين لاحقا عدم صدقها أو جديتها.
وأضاف غربي: “يؤكد سعيد أن المحور الأساسي سيكون الإصلاحات الدستورية والنظام الانتخابي الذي يعرضه للاستفتاء الإلكتروني في شهر يوليو/تموز 2022 أي بعد مرور سنة على إجراءاته الاستثنائية التي أكد مرارا أنها لن تمس الدستور وقيم الحريات وحقوق الإنسان”.
وانتقد قول سعيد، ذلك في حين يتخذ خطوات تباعا تدل على سعيه للاستيلاء على صلاحيات جديدة واستبعاد هيئات دستورية مثل هيئة مكافحة الفساد أو الهيئة التي تشرف على كل الانتخابات منذ عشر سنوات ومنها الانتخابات التي أوصلت السيد قيس سعيد نفسه للرئاسة.
وتابع غربي: “واضح أن سعيد يسعى للاستفتاء لاتباعه عبر منظومة لا زالت مجهولة المصدر والأغلب أنها ستكون من بلاد خليجية عرفت بعدائها الشديد لمنظومة الحرية والعدالة في بلداننا العربية”.
وأكد أن ذلك يزيد من التخوفات حول حماية المعطيات الشخصية وفاعلية المنظومة برمتها علما بأن الرئيس أعلن في أكثر من مناسبة تبرؤه من المنظومات الإلكترونية، وتؤكد خطاباته أنه فعلا بعيدا جدا عن فهم الأرقام والعملات، فضلا عن التكنولوجيا الحديثة وكيفية عملها”.
ولفت غربي، إلى أن سعيد، أعلن في خطابه أمس عن تاريخ انتهاء إجراءاته الاستثنائية بما يعني أن الدولة ستبقى بدون برلمان ولا سلطة رقابة لمدة سنة ونصف، مؤكدا أن هذا يعتبر أمرا غير مسبوق في تاريخ الدول حتى الشمولية منها التي تحاول إيجاد مشهد برلماني لتسويق سياساتها.
وجزم بأن الغياب الكامل للبرلمان وحكومة ضعيفة لا يتحدث ممثلوها للناس ولا الإعلام ولا يعرف لأعضائها أي خطة أو برنامج للإجابة على ترقب الناس، بما يعني حالة غيبوبة للدولة ومؤسساتها إذا استطاع الرئيس تنفيذ أجندته على أرض الواقع.
وأشار المفكر التونسي، إلى أن سعيد أصر في خطابه على إقصاء كل مكونات المجتمع من أحزاب ومنظمات وهيئات وطنية، وكان حاسما وجازما في التنصل من أجندات أتباعه المنتمين لأحزاب صغيرة أعلنت دعمها له.
واستنكر ازدراءه واستخفافه بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي لم يتأخر رده بالإعلان أن رغبة الرئيس كانت تخفيض الأجور الوظيفة العمومية بنسبة 10%، وتجميد الأجور لخمس سنوات قادمة، ورفع الدعم عن المواد الأساسية، وعن عدد من المؤسسات بالقطاع العام.
وأضاف غربي، أن من غير الواضح كيف سيتعامل الرئيس وجماعته مع المعيشة اليومية للشعب، والتدهور السريع للخدمات في عديد القطاعات، ومشاكل البيئة وملف تشغيل العاطلين الذين تحصلوا على قرار من البرلمان قبل تجميده يلزم الدولة بتشغيل الآلاف منهم.
ورأى أن الرئيس اختار الهروب مجددا وخطابه موجه أساسا للخارج قبل الداخل وإجابة الرجل عن انشغالات الناس كانت بعيدة جدا عن انتظارهم، ولهذا من المنتظر أن تنطلق تحركات واعتصامات نهاية هذا الأسبوع لإيقاف النزيف.
ولفت غربي، إلى أن العديد من الجهات والأحزاب والجمعيات النشطة أعلنت انخراطها الميداني في عملية إسقاط منظومة الانقلاب والعودة لمسار يحافظ على الدولة ومؤسساتها وليس انتظار نتائج مجهولة لخارطة ملغمة ولا تستجيب للحد الأدنى مما ينتظره الشعب.