يسلط توجيه الاتهام هذا الشهر إلى ملياردير، ومستشار وشريك مقرب من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بتهمة العمل كوكيل أجنبي غير مسجل في الولايات المتحدة لدولة الإمارات، الضوء على نجاحات ومخاطر عالية للمراهنة على الجهود الإماراتية للتأثير على سياسة الولايات المتحدة.
وتُعرض لائحة الاتهام الموجهة إلى رجل الأعمال توماس جيه باراك، الذي حافظ على علاقات وثيقة مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد أثناء عمله كمستشار مؤثر في عام 2016 للمرشح الرئاسي آنذاك ترامب ورئيس لجنة تنصيب السيد ترامب بمجرد فوزه في انتخابات عام 2016، علاقة الإمارات بإدارة جو بايدن للخطر.
كما تهدد بتقليص عائد الإمارات على استثمار ضخم في الضغط والعلاقات العامة جعلها محبوبة في واشنطن خلال السنوات الأربع الماضية.
وخلصت دراسة أجريت عام 2019 إلى أن العملاء الإماراتيين استأجروا 20 شركة ضغط أمريكية لتقديم العطاءات بتكلفة 20 مليون دولار أمريكي، بما في ذلك 600 ألف دولار أمريكي في مساهمات الحملة الانتخابية، وهي واحدة من أكبر، إن لم تكن أكبر إنفاق من قبل دولة واحدة على الضغط في واشنطن واستغلال النفوذ.
وتثير لائحة الاتهام مزيدًا من التساؤل عن سبب استعداد إدارة بايدن للسماح بإجراءات قانونية تعرض علاقتها بأحد أقرب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط للخطر، وهي العلاقة التي فتحت العام الماضي الباب أمام اعتراف دول عربية وإسلامية بالكيان الإسرائيلي.
وسعت جهود الضغط الإماراتي إلى وضع الإمارات، وبناءً على طلبها، السعودية تحت قيادة نظير ولي العهد محمد بن سلمان، في قلب السياسة الأمريكية، وضمان حماية المصالح الإماراتية والسعودية، وحماية الاثنين المستبدين من انتقاد مختلف سياساتهم وانتهاك حقوق الإنسان.
ومن المثير للاهتمام، أن الضغط الإماراتي في الولايات المتحدة، على عكس فرنسا والنمسا، فشل في إقناع إدارة ترامب بتبني أحد أهداف سياسة الإمارات الأساسية: قمع الولايات المتحدة للإسلام السياسي مع التركيز على جماعة الإخوان المسلمين.
وينظر ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد إلى الإسلام السياسي والإخوان الذين يتبنون مبدأ الانتخابات على أنه تهديد وجودي لبقاء نظامه.
وفي إحدى الحالات المذكورة في لائحة الاتهام، ناقش المتهمان الشريكان مع باراك، وهما مواطن إماراتي مقيم في الولايات المتحدة، راشد المالك، وماثيو غرايمز، موظف لدى باراك، بعد أيام من تنصيب ترامب، إمكانية إقناع الإدارة الجديدة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية.
وأرسل المالك رسالة نصية إلى غرايمز في 23 يناير 2017 كتب فيها: “سيكون هذا فوزًا كبيرًا. إذا استطعنا فعلها”.
وقال باراك في مقال رأي في مجلة فورتشن إن بن سلمان وبن زايد عضوان في جيل جديد من “القادة الشباب اللامعين”.
وذكر أن “السياسة الخارجية الأمريكية يجب أن تقنع هؤلاء أصحاب الرؤى الجريئين بالاتجاه إلى الغرب بدلاً من الشرق… من خلال دعم برامج مكافحة الإرهاب في الخارج، بما يعزز سياسات أمريكا بمكافحة الإرهاب في الداخل”.
وسعى باراك كذلك إلى إقناع صانعي السياسة الأمريكيين الجدد، بما يتماشى مع التفكير الإماراتي، بأن التهديد الذي يشكله الإسلام السياسي لم ينبع فقط من النظام الديني الإيراني وسياساته الدفاعية والأمنية غير المتكافئة، ولكن أيضًا من جماعة الإخوان المسلمين، وكرر الترويج الإماراتي للسعودية بعد صعود محمد بن سلمان باعتباره الحصن الأكثر فاعلية ضد الإسلام السياسي.
وقال: “من المستحيل أن تتحرك الولايات المتحدة ضد أي جماعة إسلامية معادية في أي مكان في العالم بدون دعم سعودي”.
وأضاف باراك أن “الفكرة المربكة القائلة بأن المملكة العربية السعودية مرادفة للإسلام الراديكالي تستند بشكل خاطئ إلى الفكرة الغربية القائلة بأن “مقاس واحد يناسب الجميع”.
وكان رفض إدارة ترامب استثناء جماعة الإخوان المسلمين من تبنيها للسياسة الإماراتية نتيجة محتملة للخلافات داخل كل من الحكومة الأمريكية والعالم الإسلامي.
ويشير المحللون إلى أن البعض في الإدارة يخشون من أن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين من شأنه أن يعزز العناصر المعادية للإسلام في قاعدة دعم ترامب.
كما أدرك مسؤولو الإدارة أن الإمارات والسعودية ومصر تشكل أقلية، وإن كانت أقلية قوية، في العالم الإسلامي الذي كان في طريق الحرب ضد الإخوان.
وفي أماكن أخرى، كان المنتمون إلى جماعة الإخوان جزءًا من الهيكل السياسي إما من خلال المشاركة في الحكومة أو تشكيل جزء من المعارضة القانونية في دول مثل الكويت والعراق واليمن والبحرين والمغرب والأردن وإندونيسيا.
ودعمت الشركات التابعة في بعض الأحيان سياسات الولايات المتحدة أو عملت عن كثب مع حلفاء الولايات المتحدة كما في حالة الإصلاح اليمني المتحالف مع القوات المدعومة من السعودية.
وضمن الجهود الإماراتية لضمان سحق جماعة الإخوان المسلمين في مواجهة خطر تأجيج الإسلاموفوبيا، اختارت “نهضة العلماء”، وهي واحدة من أكبر المنظمات الإسلامية في العالم، مشاركة الإمارات في رفض الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، ومحاربة جماعة الإخوان المسلمين.
وتفتخر نهضة العلماء بأنها قللت بشكل كبير من آفاق فرع جماعة الإخوان المسلمين في إندونيسيا، حزب العدالة والرفاهية، منذ الانتخابات الرئاسية لعام 2009.
ونجحت المجموعة في ذلك الوقت في دق إسفين بين الرئيس آنذاك سوسيلو يودويونو، وحزب العدالة والرفاهية، شريكه في الائتلاف منذ انتخابات 2004 الذي أوصله إلى السلطة.
وبذلك أقنعت يودويونو برفض مرشح الحزب لمنصب نائب الرئيس في الولاية الثانية من رئاسته.
وتضمنت مناورة نهضة العلماء نشر كتاب يؤكد أن حزب العدالة والرفاهية لم يتخلَّ عن صلاته بالتشدد. ومنذ ذلك الحين فشل الحزب في الفوز حتى بنصف مقاعد البرلمان البالغ عددها 38 التي بلغت ذروتها والتي حصل عليها في انتخابات 2004.