أصبح القتل غير المباشر، نهج السلطات السعودية في تصفية الدعاة والمعارضين، بعدما أسفر الاغتيال بإصدار الأوامر المباشرة للصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عن فضيحة عالمية، ما زالت تدفع ثمنه حتى اليوم.
السلطات السعودية لجأت لاتباع أساليب مُختلفة في الانتقام من دعاة الإصلاح والناشطين الحقوقيين والدعاة والأكاديميين داخل السجون، ليس بالتعذيب والبطش والقمع فقط، وإنما تضع معهم في الزنازين متطرفين وتكفيريين، يكنون العداء للمخالفين لهم في الرأي.
ويكونوا موجهين من مسؤولي السجون بمضايقة المعتقلين وضربهم والتنكيل بهم، وقد يسفر ذلك عن وفاة المعتقلين في بعض الأحيان، كما حدث مع الداعية موسى القرني، الذي توفي في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ويتكرر الآن مع الأكاديمي الدكتور إبراهيم هائل اليماني.
ورغم أن القرني نزيل في سجن ذهبان، واليماني نزيل بسجن الحائر، إلا أن المؤسستين لديهم سمعة سيئة، ويبدو أن السلطة تتبع نهجا قمعيا مماثلا في كل السجون السعودية.
التقرير الطبي الصادر من مركز الطب الشرعي في جدة والمذيل بتوقيع وختم الطبيب الشرعي الدكتور عبدالله الجدعاني، كشف أن وفاة القرني داخل محبسه بسجن ذهبان، ناتج عن إصابات بالوجه والرأس.
وأفاد رئيس مجلس إدارة منظمة سند الحقوقية المعارض السعودي الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، معلومة موثقة، بأن عادل الصبحي مدير سجن ذهبان -سيئ السمعة الذي يقع في مدينة جدة غرب المملكة-، تعمد سجن القرني مع التكفيريين.
وأوضح الغامدي، أن محاولات جرت مع إدارة السجن لنقل القرني مع كبار السن أو في الانفرادي لأنه مهدد بالقتل، وسبق أن ضربه الغلاة بتحريض من الصبحي، ثم اعتُدي عليه أخيرا وضرب في وجهه حتى مات.
وأكدت منظمة القسط، أن كافة الأدلة تكشف أن القرني ظل متوفيا 9 ساعات دون أن تتدخل إدارة السجن أو أن تقوم بإبلاغ النيابة العامة، رغم أن القاتل أبلغ إدارة السجن أو المناوب على الحراسة بوجود جثة في الزنزانة، الساعة 2 بعد منتصف الليل، إلا أنها تجاوبت 11 صباحاً.
هذا النهج الحكومي في التصفية غير المباشر والقتل البطئ، يتم بالتوازي مع ممارسات أخرى قمعية تنتهك حقوق السجناء خاصة السياسيين والحقوقيين والدعاة، منها عزلهم في سجون انفرادية شديدة البرودة أو شديدة الحرارة، ومنع العلاج والطعام والتريض، وحرمانهم من زيارات ذويهم.
وقد هزت عملية القتل المباشر بحق الصحفي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في 2018، الرأي العام العالمي، وما زالت تتكشف تفاصيلها يوما بعد يوما، أبرزها التقارير التي كشف الرئيس الأميركي جو بايدن، عنها السرية بشأن تورط ولي العهد محمد بن سلمان المباشر في الاغتيال.
وبحسب منظمة القسط لحقوق الإنسان، فقد تعمدت الحكومة السعودية تعرّيض حياة الأكاديمي هائل اليماني للخطر، بعدما نقلته إلى زنزانة بها أربعة تكفيريين، هددوه بالقتل مرات عدة، وتجاهلت إدارة سجن الحائر شكواه لحمايته من التهديد.
واليماني الحاصل على الدكتوراه في التشريع الجنائي وعضو الهيئة التدريسية في جامعة طيبة في المدينة المنورة، معتقل ضمن حملة اعتقالات بن سلمان في سبتمبر/أيلول 2017، وسبق وتعرَّض للإهمال الطبّي، وتدهورت حالته الصحية كثيرًا.
وهو نفس النهج الذي تعاملت معه إدارة السجن مع الراحل موسى القرني الذي كان محكوما بالسجن 15 عاما، فقبل تصفيته على يد تكفيريين بحسب ما كشفه رئيس مجلس إدارة منظمة سند لحقوق الإنسان الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، تعرّض للضرب والتعذيب داخل السجن.
وأُصيب القرني، بجلطة دماغية في مايو 2018، ووفرت له إدارة السجن أدوية خاطئة قبل أن تُرتب لنقله إلى مستشفى الأمراض العقلية، بقصد الإضرار بسمعته العقلية وتقديمه على أنه يعاني من اضطرابات عقلية.
وكان القرني (67 عامًا) أحد الأكاديميين البارزين في بلاده، ونال درجة الدكتوراه في علوم أصول الفقه من الجامعة الإسلامية، وحكمت عليه سلطات بلاده بالسجن لفترة 20 سنة بدعوى الانتماء لـ”خلية الاستراحة” المزعومة في جدة.
واعتقل على خلفية اجتماعه في فبراير 2007 بتسعة أشخاص في استراحة المحامي عصام بصراوي، لمناقشة فكرة إنشاء جمعية لحقوق الإنسان، تهتم بنشر الوعي الحقوقي للمواطن السعودي اتفقوا على تسميتها التجمع الوطني السلمي العلني، تبدأ نشاطاتها تحت مظلة رسمية.
وعقب وفاة القرني، ذكر ناشطون بما تعرّض له شيخ الحقوقيين الراحل الدكتور عبد الله الحامد، من انتهاكات، داخل محبسه أدت إلى وفاته، فقد منعت عنه إدارة سجن الحائر العلاج اللازم له، وحرمته من التواصل مع ذويه لإبلاغهم لحاجته إلى عملية طارئة بالمخ، ومنع إخراجه لإجراءها.
منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي DAWN” حملت المقدم علي بن راشد الزهراني، مدير سجن “الحائر” مسؤولية مقتل الحامد لمنعه الرعاية الطبية اللازمة للإبقاء على حياته، واتهمته بإساءة معاملة ناشطين سعوديين آخرين مسجونين بسبب خطابهم السلمي.
وأفادت بأن “الزهراني”، كان قبل تسلمه منصب مدير سجن الحائر، يشغل منصب قائد الشرطة العسكرية، والمنسق الإعلامي في سجون جدة، وحملته المسؤولية الكاملة عن سوء معاملة السجناء في سجن الحائر.
وكان الحامد ناشطاً بمجال حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، قبل أن يكون شاعراً وباحثاً ومفكراً، حصل على الدكتوراه في الأدب من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة، قبل أن يعود إلى السعودية ويؤسّس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعيّة، وجمعية الحقوق المدنية والسياسيّة حسم.
ومن أبرز مؤلفاته، كتاب “حقوق الإنسان بين نور الإسلام ،وله نشاطات أدبية في مجالات الأدب والشعر، والعديد من المؤلفات ضمن تخصصه الأكاديمي حيث عمل في 1979، عميداً لمعهد تعليم اللغة العربية في الرياض لمدة ست سنوات.
وشارك مع إصلاحيين آخرين في تشكيل تيار الدعوة إلى الإصلاح السياسي الدستوري، من خلال عدة بيانات أصدرها في 2003 مع نحو 100 شخصية إصلاحية دعوا إلى الملكية الدستورية، وتحقيق الفصل بين السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومحاربة الفساد واستقلال القضاء.
واعتقلته السعودية في 16 مارس/آذار 2004 مع بعض الشخصيات، أطلق سراح بعضا ممن تعهدوا بعدم المشاركة في نشاطات سياسية دون التنسيق مع الحكومة وتوجيه البيانات لها، إلا أن الحامد، ومتروك الفالح، وعلي الدميني، رفضوا ذلك فاستمر احتجازهم، وعرفوا باسم “الإصلاحيين الثلاثة”.
وكشفت الأحداث عن تكرر نفس سيناريو التنكيل والتعذيب والتهديد، مع كبير إصلاحيي جدة الدكتور سعود مختار الهاشمي، الذي عانى من وضعه في غرفة شديدة البرودة، بعد تعرضه للضرب والمعاملة القاسية والإهمال الطبي ومنع وصول الأدوية اللازمة له داخل محبسه بسجن ذهبان.
والهاشمي من دعاة الإصلاحات السياسية والاجتماعية البارزين في المملكة معتقل منذ 2007، على خلفية مطالبات داخلية بالإصلاح، وأصدر القضاء السعودي في نوفمبر 2012، حكما يقضى بسجن الهاشمي 30 عاماً وغرامة مالية قدرها مليونا ريال، ومنعه من السفر 30 عاماً.
وكانت منظمة القسط قد كشفت في أكثر من تقرير لها عن ما يحدث داخل سجن ذهبان الذي يقع على بعد 20 كيلو متراً خارج حدود مدينة جدة الساحلية، أحد أكبر مدن المملكة، من تعذيب وتنكيل على أيدي إدارة السجن.
وتحتجز فيه، السلطات أكثر من 4 آلاف سجين، بحسب تقديرات حقوقية، ولا تسمح السلطات للمنظمات بالدخول وزيارة السجن، وتقصر زيارة زنازينه على الصحف الحكومية، أو الكتاب الموالين لها، للترويج على أنه به مزارع ومشاتل وأن سجناءه منعمون ويتلقون خدمات فندقية.
وأكدت القسط، أن السلطات السعودية تستخدم استراتيجيات تعذيب نفسي وبدني ضد المساجين في سجن ذهبان، وتتعمد إيذاء المساجين السياسيين ووضعهم في زنازين مع مروجي مخدرات أو تجار خمور، وتمنع عنهم الكتاب.
ويتعرض أيضا الشيخ سلمان العودة، منذ اعتقاله في 9 سبتمبر/أيلول 2017 إلى التعذيب والأعمال الانتقامية، وعدم السماح لأطباء مستقلين بزيارته لمتابعة حالته الصحية المتدهورة منذ احتجازه في محبسه الانفرادي، الذي فقد فيه نصف سمعه وبصره وتعرضه لخطر مواجهة عقوبة الإعدام.