شدوى الصلاح
الانتحار شنقاً.. حرقاً.. غرقاً.. كلها آليات احتجاج سياسي لجأ إليها بدون الكويت الذين لم يحصلوا على جنسية الكويت منذ استقلالها في 1961، احتجاجا على تعسف صناع القرار ومماطلتهم في حل قضيتهم ومنحهم الجنسية وتسوية أوضاعهم، وإنهاء معاناتهم.
آخر تلك الوقائع كانت انتحار شاب من البدون من أعلي جسر الشيخ جابر الأحمد، أمس، ومازال البحث جاري عن جثمانه حتى اليوم، بحسب ما أعلنه مصدر أمني، مشيرا إلى استمرار عمليات تمشيط دوريات خفر السواحل وقوات الإنقاذ البحري، للعثور على جثة الشاب المنتحر.
ولأن التحركات النيابية عاجزة عن حل القضية، فقد لجأ بعض النواب للتعبير عن مواقفهم عبر تويتر، إذ عقب النائب ثامر السويط، على انتحار الشاب البدون، قائلا إن “تعسُف الأجهزة تسبب بإقدامه على الانتحار”، محملا المسؤولية لكل من تعسف وعطل تشريعات تحميهم.
وأضاف في تغريدة على حسابه بتويتر: “هي مسألة مؤلمة لأنها تعبر عن أقصى حالات اليأس وفقدان الأمل، وهي موجعة على المستوى الوطني وتضعنا جميعا أمام مسؤوليتنا”، موضحا أن هذه العبارة استخدمها في استجوابه الأخير المقدم لوزير الداخلية.
ورغم كلماته المتضامنة مع البدون، إلا أنها لم تلق ترحيباً بين الناشطين على تويتر، بل عدوها استفزازاً وطالبوا النواب بتحرك فعلي وتحريك الملف وطرح الاستجوابات على الحكومة الكويتية وعدم انتظار وقوع مزيد من حالات الانتحار الأخرى ليبدو عليها الشفقة.
جمعية المحامين الكويتية، أصدرت بيانا أمس، استنكرت فيه توالي التصريحات الحكومية النيابية لحل قضية البدون على مدى ستة عقود ونصف، وإنهاء الملف بصورة إنسانية منصفة عادلة، بينما ما حدث هو تضاعف الأعداد وتزايد الأسر وتوالي الأجيال وتنامي معاناتهم بدلاً من حلها.
وأشارت إلى أن هذه الفئة باتت تعاني على كافة المستويات الاجتماعية والتعليمية والوظيفية والاقتصادية وغيرها، مطالبة باستعجال الحل التشريعي لإقرار الحقوق المدنية والإنسانية لهذه الفئة وإنصاف المستحقين بعيدا عن المزايدات السياسية والمصالح الشخصية.
وبدورهم، دعا الناشطون على تويتر، لوقفة احتجاجية بساحة الإرادة بعد غدٍ الثلاثاء، الساعة السابعة مساءً، للمطالبة بإقرار الحقوق المدنية والإنسانية للبدون ورفع الظلم والتعسف عنهم، ولاقت الدعوة تضامن واسع مع التأكيد على أن المجتمع الحي هو المجتمع الحاضر في جميع قضاياه.
الناشطة الحقوقية هديل أبو قريص، قالت إن متى ما قرر المجتمع وضع نهاية لمعاناة الكويتيين البدون فسيفعل، مضيفة: “وقوفك الرمزي بساحة الإرادة سيوصل رسالة للسلطة بأن الأمر بلغ ذروته والانتهاكات وصلت لمستوى لا يمكن السكوت عنه”.
ولاقى الجهاز المركزي المعني بمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، نصيبه من النقد والاستهجان، وتحميله مسؤولية حالات الانتحار المتتابعة بين البدون، وتوجيه تساؤلات عدة عما قدمه لهم والهدف من وجوده ما دام غير قادر عن حل المشكلة المنوط بحلها.
وفي مقطع فيديو لأحد الشباب لخص معاناة البدون التي تدفعهم للانتحار، قائلا: “إنهم ينتحرون بسبب الظلم الواقع عليهم والاضطهاد في بلد الإنسانية.. لا علاج.. لا تعليم.. لا وظيفة.. لا زواج.. الشاب يتوظف على 200 دينار وعليه إيجار 300 و400 دينار”.
وأضاف: “البدون يطرد أولادهم من المدارس، ولا يستطيعون صرف رواتبهم من البنوك، ولا يستطيعون الزواج وفتح البيت، وكل هذه الأشياء يحسون بها في دولة الكويت”، موجها رسالة إلى المسؤولين في الجهاز المركزي وغيره لإيجاد حلول للبدون لعيش حياة كريمة.
مؤسس منظمة مواطنون في الكويت للدفاع عن البدون عبدالحكيم الفضلي، قال إن البدون يتجهون نحو المجهول في ظل وجود جهاز مركزي يعمل للتضييق عليهم في جميع مناحي الحياة ويحرمهم من أبسط الحقوق بغرض ابتزازهم.
وأشار في حديثه مع “الرأي الآخر”، إلى أن الجهاز يدفع البدون للاعتراف بجنسيات ملفقة لا تمت لهم بصلة، موضحا أن الدولة الكويتية لا تمتلك ما يثبت صحة ادعائها، وتغط هي والبرلمان في سبات عميق متغاضين عن قضية تخص ما يقارب ٢٥٪ من تعداد الكويتيين.
وأكد الفضلي، أن نتيجة لذلك تكررت حالات الانتحار بين البدون بمختلف فئاتهم السنية بدءاً بالأطفال مروراً بالمراهقين والشباب ووصولاً إلى كبار العمر، ولا زالت مستمرة بالانفجار في وجه الدولة وسياساتها الاقصائية ضد مواطنيها البدون.
ورأى أن ما يحدث كشف ظهر جميع أجهزة الدولة وتصريحاتها التي تقوم بتزوير الحقائق محليا ودوليا، وتروج كذبا عن رعاية حقوق الإنسان وحفظ حياة ومستقبل مجتمع الكويتيين البدون من الضياع.
وأضاف الفضلي، أن ذلك بعكس ما يحدث تماما مع البدون على أرض الواقع من انتهاكات لحقوقهم، تتنافى تماماً مع مسمى البلد الإنساني المحافظ على سيادة القانون واحترام الدستور والالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تم التوقيع والمصادقة عليها في هذا الشأن.
ولفت إلى أن الكل يتحدث عن عهد جديد ومحاربة للفساد واسترجاع أموال منهوبة في عهود سابقة، لكن لا أحد يتطرق لقضية البدون التي تمس حياة ٢٥٠ ألف إنسان وهي واحدة من أكبر قضايا الفساد السياسي والحقوقي والإداري والمالي والاجتماعي بتاريخ الكويت الحديث.
وقال الفضلي، إن الحكومة تُذعن لضغط مجموعات عنصرية هزلية وطفيلية وعنصرية ومنبوذة لم يخترها أحد لتمثيله ومؤلفة من شخوص مرفوضين شعبياً وليس لها قبول سوى عند السلطة، وتستمر في الضغط والتضييق الممنهج على مجتمع المواطنين البدون.
وأوضح أن الحكومة تتجاهل الحلول والأفكار المقدمة من مؤسسات المجتمع المدني، مشيرا إلى أن جمعية المحامين الكويتية تقدمت بمقترح قانون لحل قضية البدون لكنه ظل حبيس الأدراج حتى اليوم.
ولفت الفضلي، إلى أن غيرها أيضا من الجهات والفعاليات المدنية والأكاديميين ورجال الإعلام والثقافة الداعمين لحل عادل لهذه القضية تقدموا بحلول عادلة، إلا أن الحكومة تتجاهلها أيضا، وتواصل سياساتها الإجرامية المنهجية ضد البدون حتى تدفعهم للانتحار.
وأكد وصول البدون إلى حالة يأس مطلق تسببت في وضع كارثي “وفوضى خلاقة” عبثت بالبلاد، محذرا من أن أزمتهم ليست بسيطة أو قضية وطنية يستأنس بالحديث عنها وعن إيجاد حلول ترقيعية لها بمسمى حلول “إنسانية”.
واستبعد تحرك الحكومة لمناصرة قضية البدون، لأنهم من صنعوها واختلقوها وعاشوا عليها ٦٠ عاما، مؤكدا أن السلطة مستفيدة من إبقاء هذه القضية كبؤرة توتر تستخدم ضد بقية المواطنين، وتستخدمها كورقة ابتزاز وضغط ضد كثير من مكونات الشعب الكويتي.
واستدل على ذلك بتهديد رئيس مجلس الأمة بإنشاء جهاز للبحث في جنسيات ٤٠٠ ألف مواطن كويتي يدعي هو وغيره من تجار الأزمات السياسية أنهم مزدوجي الجنسية، مشيرا إلى أن الحكومة تبتز القبائل التي تعتقد أنهم ينافسوهم في إدارة الصراع في المشهد السياسي والتجاري.
وأوضح الفضلي، أن الانتحار ليس حلا لقضية البدون، ولكنه واقع أليم يعيشوه ويفتك بالعديد من الشباب والشابات وصولاً للأطفال وكبار السن، لافتا إلى أن الحل بيد أبناء القضية والداعمين المخلصين من إخوانهم المؤمنين بعدالة قضيتهم ومشروعية مطالبهم.
وعن دور الجهاز المركزي، قال الفضلي، إنه قدم خلال ١١ سنة من تاريخ إنشاءه الابتزاز والبطش والتضييق على المواطنين البدون في حقوقهم الأساسية ومحاولة تكسير عظام المسالمين البدون عبر سحب ومنع جميع الحقوق.
ورأى أن الجهاز موجود لتنفيذ سياسة الدولة بإعدام البدون، ويعد هدر مالي كبير من أموال الشعب الكويتي، ونموذجا على الفساد الإداري، واتهمه بالعمل على تجييش وحشد خطاب الكراهية والتمييز العنصري في المشهد السياسي والاجتماعي الكويتي.
وأشار الفضلي، إلى أن موقف رئيس الجهاز عنصري تمييزي يصدر أحكاما مسبقة ويدعم سياسة فرض منطق القوة لا قوة المنطق وتغليب العقل والقانون والاحتكام لمؤسسات الدولة والعدالة.