قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور خليل العناني، إن من يُمارس السياسة في مصر يكون ولائه لأمن الدولة والعسكر وليس للشعب، مؤكدًا أن هذا منافي للديمقراطية والمدنية لأن الأصل هو الولاء للشعب والمواطن والناخب.
وتساءل في مقطع فيديو بثه على قناته باليوتيوب، أمس السبت، كيف وصلت مصر لهذه المرحلة المأساوية من حكم العسكر؟، موضحًا أنها بدأت في فترة الخمسينات والستينات التي مثلت فترة تأسيس الحكم العسكري.
وحَمل العناني، مسؤولية فساد الحياة السياسية في مصر للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مؤكدًا أنه ارتكب جريمتين سياسيتين لترسيخ الحكم العسكري في مصر.
وأوضح أن الجريمة الأولى هي تدمير البنية السياسية والدستورية بمصر، التي أُنشئت على مدار القرن 19 وحتى منتصف القرن الـ20، تحديدًا حتى عام 1952 قبل الانقلاب العسكري على الملكية المصرية.
وأضاف العناني، أن عبدالناصر ألغى الأحزاب في يناير/كانون الثاني 1953، كما عطل الدستور ولم يعمل على إصلاح أي مؤسسة سياسية بمصر.
أما الجريمة الثانية هي تأسيس نظام حكم الفرد الواحد والحكم المُطلق باستخدام المؤسسة العسكرية، كما أنشأ نظام جديد يكاد يكون هيمنته الكاملة للعسكر، قائلًا إنها جريمته التي يدفع ثمنها المواطن المصري حتى اللحظة.
وأكد العناني، أن النظام الذي أسسه عبدالناصر هو نظام يُسمى في الأنظمة السياسية نظام “بريتوري”، ويعود في أصوله إلى القادة الرومانيين الذين لا يحاسبون على أفعالهم وهو ما أصبحت عليه مصر.
وأوضح أن هذا النظام يقوم على حكم شخص واحد له كل الصلاحيات دون أي نوع من المحاسبة أو الرقابة من المجتمع أو المؤسسات، لتكون الدولة تحت سيطرة مجموعة من الأفراد.
وتابع العناني، أن الدولة “البريتورية” يكون فيها الجيش هو المُهيمن والمُسيطر على النظام السياسي، وذلك من خلال سيطرة جماعة من العسكريين على الحكم يتحكمون في كافة مفاصل الحياة السياسية في هذه الدولة.
وأشار إلى ما فعله عبدالناصر ورجاله، حيث لم يسيطروا فقط على الجيش بل على الدولة وكافة مؤسساتها، وذلك في أكبر عملية سطو واستيلاء في تاريخ في مصر، على كل مناحي الحياة وليست السياسية فقط.
وأضاف العناني، أن الوضع الآن أسوأ مما كان عليه وقت حكم عبدالناصر، إذ يُسيطر الجيش على الحياة الاقتصادية والإعلامية والثقافية والسياسية، مؤكدًا أن كل الأمور تحت هيمنة قلة من العسكريين وبعضهم ينتمي إلى وزارة الداخلية.
واستنكر استيلاء الجيش على أراضي الدولة وما يجري فيها من فساد، مشيرًا إلى التسريبات الأخيرة للمدون المصري عبدالله الشريف، التي أظهرت حجم الفساد المالي لدى مستشاري الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهم من المؤسسة العسكرية.
واستطرد أن من سمات الدولة “البريتورية”، عدم وجود مؤسسات سياسية حقيقة داخل الدولة ولا برلمان حقيقي ولا أحزاب ممثلة للمجتمع ولا انتخابات نيابية حقيقة.
وذَكر العناني، بما قام به عبدالناصر من حل الأحزاب عقب الانقلاب، وتأسيسه هيئة التحرير ومحاولاته لإدخال كل الأحزاب القديمة فيها، مشيرًا إلى أن الأحزاب المستمرة حتى الآن هي مُنبثقة من رحم الدولة وليس نتيجة حراك سياسي حقيقي.
كما أضاف أن الأمر نفسه استمر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، إذ هيمن الحزب الوطني الديمقراطي على الحياة السياسية، لافتًا إلى دور رئيس الحزب صفوت الشريف، الذي دمر وفكك أي محاولة لإنشاء كيان سياسي حقيقي في مصر.
وأكد العناني، أن البرلمان الآن في عهد رئيس الانقلاب السيسي، يتم هندسته داخل مبنى المخابرات، مثل حزب مستقبل وطن الكرتوني الذي تُشترى أصواته وتُباع مقاعده.
واستكمل أن من سمات الدولة “البروتورية” أيضًا هو أن تصبح السياسة عملية أمنية بالأساس، من خلال الدولة المُخابرتية وجمهورية الخوف التي أسسها عبدالناصر، لتكون لها السطوة على مدار 70 عاما وحتى الآن.