لا شك أنه حينما يشعر المواطن في أي دولة بعدم القدرة على تلبية احتياجاته الأساسية التي تمكنه من العيش هو وأسرته، يتنامى عنده شعور الغضب، وعلى مدار التاريخ قامت أغلب الثورات الشعبية نتيجة الغلاء وكثرة الضرائب التي تفرضها الحكومات.
ومنذ انقلاب عبدالفتاح السيسي، على الرئيس الشرعي محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، ارتفعت أسعار السلع الاستراتيجية في مصر أضعاف أثمانها، فضلا عن زيادة الضرائب والرسوم التي تفرضها السلطات بشكل دوري، بينما الرواتب كما هي ضعيفة ومعدمة.
وفي أعقاب الغزو الروسي على أوكرانيا، شهدت الأسعار في مصر منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، ارتفاعا مبالغ فيه وقاربت على زيادة بنسبة 50%، في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، بحسب إحصاءات البنك الدولي.
وعلى الرغم من قمع نظام الانقلاب لمعارضيه السياسيين وحتى المواطنين العاديين الذين فقط يعترضون على شظف العيش والفقر، ويتم الزج بهم في السجون لسنوات، للحد الذي وصفت به المنظمات الحقوقية مصر بأنها “جمهورية الخوف”، تعالت صراخات المصريين إزاء عدم تمكنهم من مواجهة الغلاء.
فيما اكتفت حكومة الانقلاب بتبرير ذلك على أنه “جشع من التجار”، زاعمة أن الأوضاع الحالية هي “أمر مؤقت”، وسط تقارير وأراء من خبراء الاقتصاد تحذر من زيادات جديدة في الأسعار خلال الأيام المقبلة، لا سيما مع اقتراب حلول شهر رمضان الذي اعتاد المصريون أن ترتفع فيه الأسعار.
وقال عضو غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات وليد دياب، إنه سيتم رفع أسعار أنواع من الخبز في السوق المصري قريبًا، لأن الزيادة السابقة لا تتفق مع سعر القمح بعد زيادته عالميًا الآن، لافتا إلى رفع سعر الدقيق الذي يبيعه للمخابز بنسبة 20%، بحسب موقع مصرواي.
كما أعلنت شعبة القصابين بالغرفة التجارية، رفع سعر اللحم البرازيلي المستورد بنحو 50 جنيهًا للكيلو الواحد، وزيادة سعر اللحوم المستوردة السودانية 40 جنيها للكيلو، وهي اللحوم التي تلجأ إليها الطبقات الفقيرة في مصر.
وما زاد الطين بلة، هو تأخر صرف المرتبات في الكثير من الشركات والقطاعات الحكومية والخاصة وعلى رأسها مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري “ماسبيرو”، الذي يشهد احتجاجات منذ شهور لعدم تقاضي الموظفين رواتبهم.
وفي 23 فبراير/شباط الماضي، أقدم عامل في شركة يونيفرسال للأجهزة الكهربائية على الانتحار، بعدما ألقى بنفسه تحت عجلات سيارة على الطريق السريع، وترك رسالة قال فيها إنه لم يعد قادرا على تلبية احتياجات أسرته.
يأتي ذلك وسط تعتيم إعلامي، وإحكام السيسي لقبضته الأمنية التي تحرم العمال من الحق في الإضراب المكفول في جميع المواثيق الدولية، إذ نص القانون الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مادته الثامنة (فقرة د) على أن “تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي: حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني”.
واستنكر ناشطون على توتير، قيام نظام الانقلاب ببناء عاصمة إدراية جديدة في الصحراء لن ينعم بها أغلب المصريين، بل ستكون حكرا على كبار موظفي الدولة والأغنياء، في حين أن الشعب لا يستطع إيجاد قوت يومه.
وسخروا خلال مشاركتهم في وسم #غضب_الغلابه_قادم_لامحاله، من الكباري التي يتباهى بها السيسي في كل حديث له، متهكمين على أنهم لن يأكلوا أو يجدوا العلاج أو يعلموا أبنائهم على تلك الجسور.
وأكد ناشطون، أن من يعارض سوء الأوضاع الاقتصادية في مصر الآن، هم مؤيدو السيسي قبل معارضيه، حيث أن نظام الانقلاب لا يكف عن إلصاق تهم “الإرهاب” و”الانتماء لجماعة الإخوان”، لكل من يعقب على سوء إدارة الدولة المصرية.
ومؤخرا انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يئن فيها مصريين كسروا حاجز الخوف، وقد طحنهم الغلاء وباتوا غير قادرين على تحمل نفقات الحياة، ويؤكد أغلبهم أنهم كانوا من مؤيدي السيسي، الذين رقصوا له أمام مقرات الانتخاب، لكنهم الآن نادمين على ذلك.
الإعلامي أسامة جاويش، تساءل متى يبكي ويتأثر رئيس الانقلاب، هل عندما يستمع لأنين شعبه أم عندما تعالت صرخات ضحايا مذبحة ميدان رابعة أم من المواطنين الذين تهدم الحكومة منازلهم.
وأكد الإعلامي محمد ناصر علي، أن الدول التي تضررت على الصعيد الاقتصادي جراء الغزو الروسي على أوكرانيا، هي التي تعتمد على الاستيراد ولا تتحكم في مصيرها دامت لا تمتلك قوتها.
وقالت إيناس مصطفى، إن الشعب المصري الذي يصرخ من الغلاء والفقر لن ينفعه الكباري ولا القصور الرئاسية التي يقيمها السيسي.
وعلق ناشط آخر، على تغريدة لصهيوني يسخر فيها من حجم رغيف الخبز المصري، قائلا إن “حالنا بقى يصعب ع الصهيوني”.
وانتقد مغرد آخر، الطريقة التي يدير بها السيسي شؤون مصر، مستنكرا تشييد الدولة لمدن في الصحراء وغيرها من المشاريع الفاشلة، بينما الشعب لا يجد ما يسد به رمقه.
ورأى أحمد، أن غضب المصريين من الغلاء وارتفاع الأسعار غير المحتمل يزداد يوما بعد آخر، مؤكدا أنه سينتهي بثورة لن تبقي على أحد.
وتعجب ناشط آخر، من أن شكوى المصريين اليوم تأتي ممن أيدوا السيسي في انقلابه ورقصوا له أمام اللجان الانتخابية، مؤكدا أن الفقر والظلم والطغيان أصبح يطول كل فئات الشعب.