شدوى الصلاح
عمد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، منذ كان وليا لولي العهد، على دغدغة مشاعر الشباب بمؤتمرات بالساعات ودعاية مكلفة لاستقطابهم، وتقديم نفسه كشاب منفتح قريب منهم ومتفهم لاحتياجاتهم، مطلقا التصريحات الحماسية، أبرزها أن “الشباب القوة الحقيقة لتحقيق الرؤية”.
وعزفاً على النغمة ذاتها، أتبع الإعلام السعودي المحسوب على السلطة، تصريحات ولي العهد بالترويج إلى أن بن سلمان يرسخ لمعادلة وطن الشباب بشباب الوطن، وأنه يراهن على الشباب، بالإضافة إلى الحديث عن حرصه على دمج الشباب في تنمية الاقتصاد ونشر الوعي لديه، وما إلى ذلك من تلميع لصورته.
ليأتي الواقع مغايرا لكل ما سبق، فالأحداث أثبتت أن واقع غالبية الشباب السعودي بين متعاطي للمخدرات وشارب مسكرات ومتحرش جنسيا في الحفلات، تلك الوقائع كشفتها المشاهد المتصدرة للإعلام الخارجي والمتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب فعاليات عدة أبرزها العيد الوطني ومواسم الرياض 2021.
الأمر الذي لاقى انتقاداً واسعاً، وهجوم على ولي العهد ورئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، واتهامهما بتعمد إفساد الشباب للوصول إلى الحكم، فيما أكد مراقبون أيضا أن تفكيك المجتمع وإضعاف قدرة الشباب على التفكير وإشغالهم بما يحقق لهم المتعة المؤقتة سيضمن له البقاء في الحكم.
الوقائع أثبتت أن الشباب السعودي أصبح في حالة من الثمالة والتغيب واتباع الشهوات لا يرثى لها، حتى أن تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية، وصف المملكة بأنها “عاصمة المخدرات” في الشرق الأوسط، قائلا إن عمليات ضبط مخدر الكبتاغون المسبب للإدمان أضحت شأناً عادياً داخل السعودية.
واستندت المجلة في ذلك إلى تقريرٍ لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، يقول إن أكثر من نصف كميات الكبتاغون التي تم ضبطها في الشرق الأوسط بين عامي 2015 و2019، كان في السعودية، وأن غالبية المتعاطين السعوديين ينتمون إلى الفئة العمرية من 12 إلى 22 عاماً.
كانت المتحدثة الرسمية باسم حزب التجمع الوطني الدكتورة مضاوي الرشيد، قد دعت إلى ضرورة تحصين المجتمع من تطرف بن سلمان الذي يحلم بالسيطرة على الحكم بالدعاية واللهو والكذب على المجتمع بشأن الاستبداد وقمع الحريات، مشيرة إلى أنه حول المجتمع فجأة إلى مجتمع ليبرالي منفتح يريد أن يرقص في الشوارع.
ووصفت في لقاء سابق لها مع برنامج “مع التجمع” ذلك بأنه نوع من التحكم بالمجتمع وغسل للدماغ، بهدف إلهاء الشباب والمجتمع المحروم من الترفيه منذ سنوات، ومحاولة لجذب الاستثمار الخارجي، حتى يعرف المستثمر أن الجو المحيط بالمملكة يسمح بالترفيه والمتعة والتسلية، الذي أصبح جزءاً من الحياة اليومية وتتحول السعودية إلى دبي الثانية.
الحقيقة أن نظام الحكم الاستبدادي الذي تتصف به المملكة تعمد فيه السلطات وأذرعها إلى تغييب وعي الشباب بكافة الوسائل، منها التضخيم من قيمة المشاريع ذات الشعارات البراقة، والترفيه الذي تحول به الأنظار وتشتت الاهتمام عن القضايا المهمة، والتلاعب بمعدلات الفقر والبطالة في البلاد لتصدير صورة مثالية.
وهو ما حدث مؤخرا، إذ قالت الهيئة العامة للإحصاء إن نسبة البطالة في المملكة استقرت في النصف الثالث من العام الجاري على نفس معدل انخفاضها الذي حققته في الربع الثاني من العام ذاته، والذي وصل إلى 11.3%، وهي النسبة المشكوك في صحتها والتي يرفضها فئة عريضة من السعوديين أعلنوا ذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي.
عضوة حزب التجمع الوطني السعودي المعارض ترف عبدالكريم، قالت إن النظام السعودي يتبع طرق عديدة لتغيب وعي الشباب، وليست طريقة واحدة، منها آلة الإعلام الضخمة الموجهة بكل إمكانياتها المدعومة لخلق ثقافة جديدة تسري ببطء في المجتمع، والتركيز على المُلهيات من طرب ولهو وكأن هذا فقط محور حياة الإنسان بشكل عام.
وأضافت في حديثها مع الرأي الآخر، أن ثمة شيء مهم جداً لا يجب إغفاله وهو الإرهاب الأمني، موضحة أن حالة الخوف من الاعتقال وسوط الاستبداد تجعل المواطن صامتاً، بل ومطيعاً يحاول بشتى الطرق أن يثبت ولائه ليدرأ عنه شر سيده، فيعيش حالة من الإحباط واليأس تنتهي بالصمت وأكثر.
وأشارت عبدالكريم، إلى أن الترفيه بكافة أنواعه الرياضي والفني يحاول من خلاله النظام تحويل الأنظار وتشتيت الاهتمام عن القضايا ذات الأهمية، والتي وصلت حد التبليغ عن من يعترض على ما يحدث، مستنكرة علم النظام بحال أغلب الشعب وأنه لا يجد ربما قوت يومه، فخصص له قرض للترفيه فقط ولا يمكن التصرف به لغير ذلك.
ورأت أن بن سلمان يتبع هذه السياسة ليتمكن من سلب الشباب، وحتى يقال عنه المجدد ويلقى قبول لا سيما في وسط هذه الشريحة المستهدفة، ولكي يقال عنه بأنه مانح الحرية للشعب، كما أنها محاولة خطب ود المجتمع الدولي، مؤكدة أن كل هذا لن يفيده في ظل تكميم الأفواه وسلب حرية الرأي والتعبير.
وأضافت عبدالكريم، أن هذه الحريات الحقيقية التي يبحث عنها الشعب، لا الخوف والزج به في السجون على أدنى اعتراض أو نصيحة أو دعاء، مؤكدة أن كل ما فعله بالشعب والأمراء من اعتقالات وتحرش واغتيالات وعلى رأسهم الشهيد جمال خاشقجي، لن تشفع له وستبقَ وصمة عار تحرجه أمام المجتمع الدولي.
وانتقدت اقتراب الترفيه في المملكة من المجون، فيما يبحث الكثيرون عن ترفيهٍ راقٍ ونظيف، ولهم أولويات في ذلك، مؤكدة أن ما يحدث من موسم الرياض من تجاوزات، غير مرضيٍ عنه حتى في أوساط الشباب باختلاف أطيافهم، وحتى غير المتدينين منهم ممن يعترف بأخطائه ذات النزوات الشبابية.
واستنكرت عضوة حزب التجمع الوطني ما يحدث من تحرشات ومشاهد تخدش الحياء، موضحة أنه ينفر العائلات ويصدهم عن الذهاب إلى تلك الأماكن لأنهم يبحثون عن ترفيه حقيقي تحفظ فيه حقوقهم دون تعرض لاعتداء أو استخفاف بأخلاق الشعب وجلب ما لا يليق بهم.
وأكدت أن ما يحدث ليس بالضرورة أن يكون دليلا على أخلاقيات الشباب السعودي بأكمله، فهم شريحة من المتحرشين وجدوا فضاء لتفريغ سوء أخلاقهم في عالم غير منضبط ولا منظم، لافتة إلى أنه في خضم انعدام إحصائيات تقيس نبض الشارع بشأن موافقته من عدمها، انتشر وسم #إيقاف_موسم_الرياض_مطلب.
وعن ما أطلق من تسمية المملكة بعاصمة المخدرات، أعربت عبدالكريم، عن أملها ألا تكون كذلك فعلا رغم ترويج بعض المشاهير الذين يحسبون على النظام، للمسكرات وبيعها في بعض المطاعم علانية، مؤكدة أن كل هذا لا يتم إلا بموافقة ورضا السلطات، وهذا لزوم الانفتاح المزعوم، وتدمير الشباب.
وأوضحت أنها رأت بعض من يعمل بالشرطة ويقبض على من يحمل الممنوعات ويأخذها له ولأصدقائه، قائلة إن كل ذلك يحدث بينما يُزج بالعلماء أمثال الداعية الدكتور سلمان العودة، والنخب من بنات وأبناء البلد في السجون.
وأشارت عبدالكريم، إلى أن التعويل على الفرد الواعي في محاولة فعل ما يستطيع من نشر الوعي اللازم ابتداءً بمن حوله، على أمل أن يتحول إلى وعي جمعي، لافتة إلى أن هناك من يعي اللعبة التي تحاك ضد الشعب ويدركها جيداً، ولكنه يلوذ بالصمت بحجة أنه ليس بوسعه فعل شيء.
وتابعت: “كافح، انشر الوعي، استفد من وسائل التواصل في إطلاق الحملات والانضمام إلى من يعبر عن أشواقنا وطموحاتنا في استرداد حرياتنا المسلوبة، ولكي نشكل حياتنا حسب أهوائنا لا على حسب ما يريده الحاكم المستبد”.