شدوى الصلاح
تتسع يوما بعد يوم دائرة المتورطين في اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، فبعدما كانت أصابع الاتهام موجهة مباشرة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفرقة النمر والمجموعة السعودية للتدخل السريع، تبين أن هناك شركاء آخرين متورطين سهلوا بطريقة غير مباشرة الاغتيال.
فبعد شهر من الاغتيال، كشف الموظف السابق في الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن، عن تورط شركة تقنية صهيونية -تبين لاحقاً أنها شركة NSO- في عملية الاغتيال عبر بيعها برامج متطورة ساعدت قتلت خاشقجي على استدراجه نحو القنصلية بالتنصت على الدائرة الضيقة من أصدقائه، ليتكشف بذلك أنها الطرف الأول غير المباشر الضالع في الاغتيال.
شركة NSO الصهيونية باعت برنامج التجسس بيغاسوس، لعدة أنظمة ديكتاتورية، أبرزها السعودية والإمارات ومصر، والتي استخدمته لمراقبة الصحفيين والساسة وملاحقة الناشطين الحقوقيين، سواء في داخل دولهم أو المعارضين لسياستهم في الخارج، وكانت السعودية قد اشترت البرنامج قبل سنة واحدة فقط من اغتيال خاشقجي.
قبل أيام، كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أن “بيغاسوس” كان قد تم تحميله يدويا على هاتف زوجة خاشقجي حنان العتر، عقب احتجاز السلطات الإماراتية لها واستجوابها في مطار دبي في أبريل/نيسان 2018، أي قبل أشهر من اغتيال زوجها وتقطيع جثته، لتصبح بذلك السلطات الإماراتية هي الطرف الثاني غير المباشر المسؤول عن الاغتيال.
الصحيفة أوضحت أن العتر التي تعمل مضيفة بطيران الإمارات سابقاً، سلمت هاتفيها الخلويين وجهاز حاسوب محمول وكلمات مرور تعمل بنظام “Android” عندما حاصرها رجال الأمن في مطار دبي، واقتادوها معصوبة العينين ومقيدة اليدين، إلى زنزانة استجواب على أطراف المدينة، وهناك تم استجوابها طوال الليل وحتى الصباح، بشأن زوجها.
كانت صحيفة الجارديان البريطانية قد كشفت أن السعودية وحيلفتها الإمارات استخدمتا “بيغاسوس” للتجسس على عائلة خاشقجي، لافتة إلى أن الأدلة كشفت أن البرنامج الصهيوني استخدم لمراقبة الأشخاص المقربين من خاشقجي قبل وبعد وفاته، وفي واحدة من الحالات، تم اختراق هاتف واحد في الدائرة القريبة من الصحفي بعد أربعة أيام من مقتله.
وقالت في تقريرها المنشور في يوليو/تموز 2021، إن التحقيق يكشف عن محاولة السعودية وحليفتها الاستفادة من برنامج التجسس بعد مقتل خاشقجي لمراقبة المقربين منه ومتابعة التحقيق التركي، بل واختارتا المدعي العام في إسطنبول كهدف محتمل للرقابة، موضحة حينها أنه بعد فحص هاتف العتر تبين تلقيها 4 رسائل تحتوي روابط خبيثة مرتبطة ببيغاسوس.
عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض عمر عبدالعزيز، المقيم في كندا، وأبرز المقربين من خاشقجي وكانت تربطه به علاقة وثيقة، سبق وكشف في يوليو/تموز 2020، أن الشرطة الفدرالية الكندية، أبلغته أن ولي العهد السعودي، أو فريقه يريدون إلحاق الأذى به، لكنه يجهل إذا كان المخطط اغتياله أو خطفه.
وفي أكتوبر/تشرين الثاني 2020، كشف عن اختراق جواسيس سعوديين لهاتفه الشخصيّ ببرامج شركة NSO الصهيوني، لإجباره على التوقف عن نشاطه، وقراءة رسائله مع خاشقجي، الذي كان يعمل معه، مشيرا إلى أن أكثر من 30 مؤثرًا ابتزتهم السلطة السعودية بالمواد التي حصلت عليها باختراق هواتفهم.
الناشط الحقوقي الإماراتي عبدالله الطويل، قال إن ما تكشف بشأن زرع الإمارات لبرنامج التجسس في هاتف زوجة خاشقجي، يعد دليلاً جديداً على تورط الحكومة الإماراتية في حادثة الاغتيال، مشيرا إلى أنها هي أول من استخدمت البرنامج لاختراق الناشط الإماراتي الحقوقي أحمد منصور المسجون حالياً في سجن الوثبة.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن السلطات الإماراتية فعلت ذلك لهدفين، الأول حاجتها لمعلومات عن تحركات خاشقجي ومراقبة مكالماته ومعرفة تفاصيل أخرى لإدانته لاحقاً أو ابتزازه والضغط عليه لإسكاته، والثاني تقديم خدمة لابن سلمان لزيادة الثقة وتكثيف التحالف وضمان بقاءه في جلباب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وأكد الطويل، أن هناك ترابط في الأحداث يؤدي إلى أن الإمارات هي الشريك الأول في حادثة اغتيال خاشقجي كونها أول من تعاون مع شركات صهيونية مطورة لبرامج التجسس، قائلا إن الحكومة الإماراتية من الحكومات الديكتاتورية القمعية التي امتهنت ملاحقة أصحاب الرأي والحقوقيين والمعارضين.
واستدل على ذلك، بتنفيذها أكبر محاكمة جماعية غير عادلة في 2012 والتي عرفت بقضية الإمارات 94، لأنها شملت 94 مفكرا وناشطا ومدافعا عن حقوق الإنسان انتقدوا الحكومة الإماراتية علناً، وكلهم متهمون بعلاقاتهم مع جمعية الإصلاح.
وأكد الطويل، أن أكثر ما تخشاه الأنظمة الديكتاتورية شبيهة الإمارات والسعودية ومصر وغيرهم هو حرية الرأي والتعبير، موضحا أن السعودية تتوافق في منهجيتها وسياستها مع الإمارات، خاصة فيما يتعلق بطريقة التعامل مع الناشطين والمعارضين السياسيين، وما يتعرَّضون له من اعتقالات وملاحقات متكررة.
ورأى الطويل، أن خاشقجي هو أحد المستهدفين من قبل الحكومة الإماراتية وأجهزتها الأمنية قبيل اغتياله لما لديه من معلومات حساسة تضر بالقيادة الإماراتية التي اخترقت العائلة الحاكمة في السعودية حتى أصبح قرار المملكة مرهونا بموافقة الإمارات، خاصة بعد صعود بن سلمان لولاية العهد وسيطرته على القرارات السيادية.
وأضاف: “بالعودة لمرحلة ما قبل اغتيال خاشقجي كانت هناك حملة إماراتية موجهة لشخص خاشقجي سواء من حسابات تويتر الخاصة بالمسؤولين الإماراتيين كوزير الخارجية أنور قرقاش، ونائب شرطة دبي ضاحي خلفان، وغيرهم، أو من خلال اللجان الأمنية التي تشكلّت عقب الأزمة الخليجية، وهو ما أزعج أيضا الإمارات من خاشقجي”.
ورجح الطويل، أن الحكومة الإماراتية وجهازها الأمني كانوا قد حصلوا على تأكيدات من السعودية بشأن اختطاف خاشقجي أو التحقيق معه داخل القنصلية، وتم تزويد الجهاز الأمني الإماراتي بما حصلوا عليه من معلومات، مشيرا إلى أن خروج العملية عن السيطرة والتي انتهت بالاغتيال خلطت الكثير من الأمور وأحرجت بن زايد الذي يبحث عن سجل نظيف.
وتابع: “لذلك ابتعدت الإمارات عن القضية في بدايتها مع ضمان حماية بن سلمان خلف الكواليس، لأن سقوطه سيجلب فضيحة للنظام الإماراتي ويثبت تورطه الفعلي في القضية، فتعاملت مع الأمر بمسك العصا من المنتصف إعلامياً حتى تم تقديم أكباش فداء وخروج بن سلمان من القضية”.
يشار إلى أن الإمارات إبان اشتعال أزمة خاشقجي، التزمت الصمت تجاهها، حتى أن موقع ميدل إيست أي البريطاني، تسأل: “هل يتخلى ابن زايد عن حليفه المقرب ابن سلمان؟”، مشيرا إلى عزلة بن سلمان حينها بشكل متزايد، وإصرار مسؤولين إماراتيين على الدفاع عن السعودية.