شدوى الصلاح
“لا تصدقوهم” كان العنوان الذي وضعه المتابعون لكلمة ممثل السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي، بشأن الأزمة السورية خلال الجلسة الـ53 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عقدت منتصف الشهر الجاري، والتي طالب خلالها بعدم تصديق النظام السوري إذا قال إن الحرب انتهت وأن لا حاجة لقرارات الأمم المتحدة.
وأكد خلال كلمته أن الحرب لم تنته بالنسبة لـ2000 شهيد أضيفوا هذا العام لقائمة الشهداء الذين يزيد عددهم على 350 ألف شهيد، وأتبع تأكيده بسيل من الوقائع التي تشهدها سوريا من تدمير وتهجير وهدم وغياب للأمن الغذائي، مسبوقة بعبارة “لا تصدقوهم”، لتحظى كلمته بترويج إعلامي كبير بأنها لاقت ترحيباً واسعاً لدي الناشطين السوريين.
هذا ما أراد النظام السعودي فعله، أن يظهر مناهضا للنظام السوري، ومتصديا لمسار التطبيع العربي معه ورافضا لإعادته للجامعة العربية، بينما الوقائع والدلالات الثابتة تؤشر إلى أنه داعم قوي لنظام بشار الأسد، بداية من تخلية عن دعم الثورة السورية مرورا بتسيير الرحلات برية معه، واللقاءات السرية والعلاقات التجارية، وصولاً لتعيين تابعيه بمناصب مرموقة بالمملكة.
في أعقاب إعداد مندوب السعودية في الأمم المتحدة لكلمته وعنونتها بعبارة “لا تصدقوهم” وتكرارها في ديباجة رصده للواقع السوري، كان الاتحاد السعودي لألعاب القوى، يوقع عقد عمل مع الرياضية السورية الداعمة لنظام الأسد والمؤيدة لقتل السوريين “غادة شعاع” لتكون مشرفة ومستشارة فنية، في تطبيع رياضي معلن مع النظام السوري.
وفي زيارة رسمية هي الأولى منذ 10 سنوات، زار رئيس جهاز المخابرات السعودية الفريق خالد الحميدان، دمشق في مايو/أيار الماضي، والتقى الأسد، في خطوة صنفت على أنها تطبيعٍ سياسي، وفتح لقنوات اتصال مباشرة مع سوريا، وكشف حينها المتحدث باسم الخارجية الأميركية أن المحادثات السورية السعودية تهدف لإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق.
اتساع دائرة التواصل السعودي السوري سياسياً ودبلوماسياً سبقه حضور وزير السياحة السوري محمد رامي رضوان مرتيني، مؤتمراً بالرياض في مارس/ آذار الماضي، ليصبح أول مسؤول سوري يزور المملكة علناً منذ قطعت السعودية علاقاتها رسمياً مع نظام الأسد وسحبت سفيرها في أغسطس/آب 2011، وأغلقت سفارتها في مارس/آذار 2012.
وما زالت السعودية تحافظ على علاقاتها التجارية مع النظام السوري، فقد كشف تقرير أعده موقع “الاقتصادي” مستندا إلى بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، أن ما يقارب 140 مليار ليرة سورية كانت قيمة الصادرات السورية إلى السعودية، فيما كانت قيمة الواردات السعودية إلى سوريا 370 مليون ليرة، خلال السبعة أشهر الأولى من 2020.
وأوضح التقرير أن قيمة صادرات سوريا للسعودية ارتفعت خلال الفترة المذكورة بمقدار 25 مليار ليرة و500 مليون، مسجلةً قرابة الـ140 مليار ليرة، فيما كانت 113 مليار ليرة في الفترة المماثلة من 2019، بينما انخفضت واردات سوريا من السعودية بمقدار قارب 640 مليون ليرة خلال أول 7 أشهر من 2020، مسجلةً 370 مليون ليرة.
وفي 2018، كان العناق الحميمي النادر بين وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، الذي يشهد نظامه عزلة دبلوماسية عربية وعالمية، مؤشر على مساعي عودة العلاقات السعودية السورية، لأن الثابت سياسياً أن المنامة تمثل الموقف السياسي السري للرياض وتوصف بأنها الحديقة الخليفة للسعودية.
كما تبع آل خليفة لقاءه بظهور على شاشة قناة العربية السعودية متحدثاً عن أنه التقى “أخاه” المعلم، في حديث كان له دلالات على تغيير في الموقف العربي تجاه النظام السوري ومؤشر على وجود علاقات سرية رغم القطيعة المعلنة ومسعى للتطبيع مع نظام الأسد وإعادة تصديره للمشهد مرة أخرى بعدما طرد ممثله من جامعة الدول العربية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
تحول سياسات المملكة من دعم المعارضة السورية إلى التماهي مع سياسة الأسد، بدأ بالتزامن مع وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة في 2017، والذي أعلن حينها عدم اكتراثه لرحيل الأسد، فبدلت المملكة موقفها من تقديم الدعم غير المحدود للمعارضة منذ 2012، إلى مانع للدعم في 2017، في خطوة صنفت تخلياً على الثورة السورية.
وبحسب تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، فإن المملكة تخلّت عن شرط تنحّي بشار الأسد عن السلطة في سوريا، وانضمّت إلى الدول الداعمة لعملية سياسية مع بقاءه في السلطة، فيما قال المتخصص في الشأن السوري جوشوا لانديس، لرويترز إن السعودية تنتظر قرار الولايات المتحدة لإعادة علاقاتها مع الأسد.
ولا ينسى أحد تصريح ولي العهد السعودي في مارس/آذار 2018، خلال حديث أدلى به إلى مجلة تايم الأميركية، على هامش زيارته للولايات المتحدة، بأنه من غير المرجح أن يترك بشار الأسد السلطة، قائلا: “بشار باقٍ، لكن أعتقد أن من مصلحته ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يريدون”.
المحلل السياسي ياسر سعد الدين، رأى أن تصريحات المعلمي الأخيرة في الأمم المتحدة، لا يبنى عليها، لأن المواقف العربية وخاصة السياسة السعودية في الآونة الأخيرة تفتقد إلى البوصلة والتركيز، مشيرا إلى أن الدور السعودي تجاه الثورة السورية كان في غاية السلبية والخذلان.
وأكد في حديثه مع الرأي الآخر، أن الرياض طعنت الثورة السورية في الظهر في أكثر من موقف وميدان، وساومت على روسيا من أجل الاعتراف بشرعية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان يتغنى بالعلاقة مع روسيا، وحاول أن يهدد واشنطن بهذه العلاقة مقابل أن يعترفوا به خاصة بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة.
وأضاف سعد الدين، أن موقف السعودية الذي أعلنه المعلمي في الأمم المتحدة، إذا كان صادقاً وليس للتفاوض مع إيران أو الحوثي، فندعوها لترجمته بإغاثة اللاجئين السوريين الذين يتعرضون الآن لمحنة كبيرة من البرد القارص ويموت أطفالهم في مخيمات الطين، قائلاً “على الأقل هذا العامل الإنساني نعتبره بداية تصويبية للموقف المتخاذل”.
وقال الكاتب والصحفي السوري قتيبة ياسين: “الحقيقة نحن كسوريين نرحب بأي ضغط وأي كلمة تنصف الوضع السوري وتدين النظام وتعريه، لكن الموقف السعودي لا يبدو على قدر الكلمة التي ألقاها مندوب السعودية، فمثلاً نرى رئيس مخابرات الأسد يجتمع مع رئيس المخابرات السعودي، كما تصمت الرياض أمام دعوات إعادة النظام إلى الجامعة العربية”.
وأكد في حديثه مع الرأي الآخر، أن الصمت يعد موافقة أيضا، بالإضافة إلى الاستيراد من سوريا عبر الأردن وبيروت، ورفع علم الأسد في الفعاليات الرسمية، وقمع المعارضة السورية هناك والذين باتوا لا يجرؤون حتى على رفع علم الثورة، مضيفا: “كإنسان له عقل ويحكم المنطق آخذ بالأفعال لا الأقوال، والأفعال للأسف الشديد معاكسة لما جاء به المندوب السعودي”.
كما قال الكاتب والإعلامي أحمد الهواس، إن كلمة المندوب السعودي تبقى في إطار الكلام إن لم تتبعها خطوات عملية في تحقيق تطلعات الشعب السوري، ومنها إسقاط النظام وطرد القوات الغازية الروسية والإيرانية والمليشيات الطائفية، وعودة المهجّرين إلى بيوتهم وإقامة نظام ديمقراطي يختاره السوريون.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر، أن هذه الطلبات لا تتسق مع السياسة السعودية التي وقفت من الربيع العربي موقفًا معاديًا لاسيما في دعم الثورات المضادة، ومنها الانقلاب في مصر، وكذلك ما تردد عن دعم إماراتي سعودي للغزو الروسي لسورية، وثمة أخبار عن لقاء رئيس المخابرات السعودية بعلي مملوك مستشار رئيس نظام الأسد للشؤون الأمنية في دمشق.
وأكد الهواس، أن السعودية دعمت الثورة بما لا يسمح بإسقاط النظام أي ما يطيل عمر المأساة، وفي وقت كان فيه جيش الإسلام المدعوم سعوديًا يحاصر دمشق كانت التعليمات بأن من أولى مهامه حماية دمشق من التنظيمات الإرهابية وليس إسقاط النظام، وعندما أوقف الدعم سقطت الغوطة وتنفس النظام الصعداء.