شدوى الصلاح
يبدو أن محاولات التمرير الناعم للتطبيع السعودي مع الاحتلال الصهيوني، جارية على قدم وساق، منذ وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، إذ سعى للانسجام الكامل مع الكيان، وأخضع البلاد لتغييرات اجتماعية ودينية، مستخدما كل الأدوات لتحقيق أهدافه.
ليأتي ما كشفته شبكة السي إن إن الأميركية اليوم، بشأن استضافة وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، اجتماعا افتراضيا عبر “الفيديو كونفرنس” مع وزراء خارجية لعدد من الدول حول متحور “أوميكرون”، وشمل وزراء من السعودية والكيان الصهيوني، في سياق محاولاته لتمرير التطبيع.
وقبل يومين كشفت مصادر دبلوماسية دولية لموقع إستراتيجي بيج الأميركي المتخصص في الشؤون العسكرية، عن مفاوضات سرية بين بن سلمان ووزارة الحرب الصهيونية لإبرام صفقات عسكرية، مشيرا إلى أن ولي العهد يتفاوض بهدوء مع الكيان الصهيوني لتعزيز نظام الدفاع السعودي في مواجهة جماعة الحوثي.
النظام السعودي بقيادة بن سلمان عمد إلى استخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الدينية، والنشاطات الترفيهية، والمشاريع الاستثمارية، للوصول للتطبيع الكامل العلني مع الكيان الصهيوني، وبدأ تنفيذ ذلك بتغييب دعاة وعلماء ومثقفين عرفوا بمناهضتهم للتطبيع.
وشن عقب 3 أشهر من وصوله لولاية العهد، حملة اعتقالات واسعة أسفرت عن اعتقال مئات العلماء والدعاة والمثقفون من أصحاب الرأي في القضايا العامة داخل المملكة وخارجها، والمعروفين بمناهضتهم للتطبيع، أبرزهم الدكتور سلمان العودة والدكتور عوض القرني والناشط جميل فارسي، والأكاديمي عبدالله المالكي والحقوقي محمد البجادي.
وشاركت المؤسسة الدينية بالمملكة في تمرير التطبيع، إذ سبق أن رعى الأمين العام لرابطة العام الإسلامي محمد العيسى، ندوة بعنوان “حسن الجوار والعيش المشترك” بمشاركة الحاخام الصهيوني إلي حيون، وكتبت الصهيونية إيرينا تسوكرمان، التي ترافق العيسى في زياراته الخارجية كإثبات أنه لا عداء بين المسلمين والصهاينة، مقالاً تحدثت فيه عن جهوده للتطبيع.
وفي نهاية العام الذي تولى فيه بن سلمان ولاية العهد دعاه وزير الاستخبارات الصهيوني يسرائيل كاتز، إلى زيارة الكيان المحتل خلال مقابلة مع موقع إيلاف، مطالبا الملك سلمان بن عبدالعزيز لتوجيه دعوة زيارة إلى رئيس الوزراء الصهيوني حينها بنيامين نتنياهو، وذلك في وقت كان الكيان الصهيوني وأميركا يواجهون إدانات بسبب إعلان القدس عاصمة للكيان.
وبعد أقل من 5 أشهر، اعترف بن سلمان في مقابلة واسعة النطاق مع جيفري غولدبيرغ من صحيفة “ذا اتلانتيك” بحق الكيان الصهيوني بالوجود، وأشاد بإمكانية العلاقات الدبلوماسية المستقبلية بين مملكته والدولة اليهودية، وغيرها من التصريحات الأخرى التي فسرها الإعلام الغربي حينها على أن بن سلمان ينظر للكيان الصهيوني كحليف.
وفي مزيدٍ من الاسترضاء للاحتلال الصهيوني، اعتقل النظام السعودي ممثل حركة حماس الفلسطينية لدي المملكة محمد الخضري ونجله، إلى جانب عشرات الفلسطينيين والأردنيين في أبريل/نيسان 2020، واتبعها بحملة اعتقالات طالت أكثر من 30 أردني، بتهمة التعاطف مع المقاومة الفلسطينية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت تقارير صهيونية بأن لقاء ثلاثياً سرياً، عُقد في منطقة نيوم في السعودية، بمشاركة نتنياهو، وبن سلمان، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، واستغرق 5 ساعات، ولم يتم إطلاع وزيري دفاع الاحتلال بيني غانتس والخارجية غابي أشكنازي مسبقا على الرحلة، ولم تعلق السعودية وأميركا على الأخبار.
وأعقب اللقاء تكهنات في الكيان المحتل، حيال إمكانية اقتراب التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع الرياض، إلا أن مصادر صهيونية قالت إن بن سلمان مؤيد للتطبيع، والملك سلمان بن عبد العزيز رافض، مشيرة إلى أن التطبيع لن يحرز تقدماً في ظل وجود الملك على سدة العرش.
وبحسب تقرير لمركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث، فإن مشروع نيوم الذي يقع في الجزء الشمالي الغربي، ، ويطل على الأردن ومصر، مدخلاً نحو بدء علاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني، خصوصًا في ظل وجود المدينة التي من المفترض أن تكون منطقة اقتصادية دولية على بعد أميال قليلة من ميناء إيلات.
وفي دور إعلامي مدفوعا بتوجه رسمي سعودي، برزت محاولات الإعلاميين لتميع طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني وتخوين الفلسطينيين وإعلان الرغبة في إقامة العلاقات، إذ أعرب كاتب سعودي عن أمنيته بأن يزور الكيان الصهيوني في يوم من الأيام، قائلا إنه لو وجهت له دعوة في يوم من الأيام سيقبلها.
ورحب به محرر الشؤون السياسية في هيئة البث الصهيونية شمعون أران؛ ولا يخفى على أحد زيارة المدون السعودي المطبع محمد سعود، لتل أبيب في يوليو/تموز 2019، ضمن وفد من الصحفيين والناشطين، وطرد الفلسطينيين من المسجد الأقصى، ونعاه نتنياهو في وفاة والدته في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وفي المقابل، سمحت السلطات السعودية لحاخام يهودي بزيارة الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، والتجول في شوارع الرياض مرتديا الزي اليهودي، ويتراقص مع المارة ويلتقط معهم الصور، وأعرب عن أمنياته أن يعطيه بن سلمان، الضوء الأخضر للعمل في المملكة، والمساهمة في تمويل سلسلة من مراكز الجالية اليهودية، بما في ذلك المعابد والمدارس.
منح ولي العهد السعودي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، الجنسية لرجل الدين الشيعي محمد علي الحسيني، الذي يعد أشد الداعمين للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وسبق وأعتقل في مايو/أيار 2011، وقضت المحكمة العسكرية في لبنان في فبراير/شباط 2012 عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة التخابر مع الاحتلال الصهيوني والموساد.
وألغى بن سلمان مضامين معادية للكيان الصهيوني من المناهج الدراسية، وعقد صفقات تجارية سرية مع الاحتلال خلسة عن طريق البحرين والإمارات، كما عقد صفقات لشراء برامج تجسس صهيونية بملايين الدولارات بهدف رصد وتعقب السعوديين بالداخل والخارج والتجسس عليهم، في دلالة على شراكة إستراتيجية بين الرياض وتل أبيب.
يرى الإعلام الصهيوني وجود بن سلمان أمر هام وضروري لصالح كيانهم، ويدعو الرئيس الأميركي جو بايدن، للتغاضي عن أخطاءه وإقامة علاقاته معه وإخراجه من المأزق الدولي الذي يعيشه منذ اغتيال الصحفي جمال خاشجقي داخل قنصلية بلاده في تركيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعدما تجسس عليه مستخدما البرنامج الصهيوني.